hit counter script

باقلامهم - النائب نعمة افرام

عن أمننا القومي وجيشنا الوطني

الأربعاء ١٥ آب ٢٠١٨ - 06:44

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بعد أن تحوَّل كلّ استحقاقٍ إلى أزمة، وكلّ قرار إلى شلل.

وبعد انهيار المؤشّرات الاقتصادية ووصولها إلى القَعْر.

وبعد أن اضمحلّت الحماية الاجتماعيّة حتّى الحضيض... ها هي أوجاع اللبنانيّين تتعاظم صحّيّاً وتعليميّاً وسكنيّاً.

لقد تآكلت بُنانا التحتيّة. التلوّث في أوجه. النفايات تأكلنا، وثروتنا المائية تُهدر.

وفي الوقت الذي نحتاج فيه إلى خلْق ثلاثين ألف فرْصة عمل سنويّاً أمام شبابنا، هَيهات أن نتمكّن من تأمين خمسة آلافٍ منها.

لقد ضاعت المعايير، وقلّة تدرك أين يجب أن تقف حدود اللعبة السياسيّة أمام أولوية الأمن القوميّ الوطنيّ، والتي على أساسها يجب أن تبنى القرارات.

إزاء هذا الواقع، ولأنّنا دون أدنى شك في خضمّ زمن الأزمات والمتغيّرات التي سيَليها حتماً زمن التسويات، نسأل: هل كُتب على لبنان ألاّ يُقبل على البحث في إعادة تجميع أوضاعه، إلّا على الساخن ووفق مصالح الآخرين، أو وسط شلل قاتل وانهيار مخيف؟

وماذا عن اليوم؟ أليس من فرصة لقلب مثل هذا المشهد المؤلم؟

إنّ الأمن القوميّ الحقيقيّ إنّما ينبع من معرفتنا العميقة بمختلف العناصر التي تشكّل القوّة الوطنيّة الشاملة، لحمايتها. وهي تتجسدّ في أبعاد مختلفة ومنها البُعد الاجتماعي، والبُعد الاقتصاديّ، والبُعد الأيديولوجيّ لفكرة لبنان، والبُعْد البيئيّ، والبعد الاغترابيّ، والبعد السياسيّ، والبعد العسكريّ. ولقد آن أوان المبادرة البنَّاءة، لا بل تأخرنا كثيراً عليها.

فلنقبل كالشجعان نبني أمننا القوميّ الحقيقيّ، في معادلة لبنانيّة صرف. معادلة صانِع القرار العالِم، والعالِم أنّ الالتزام الجدّي ببناء دولة منتجة بروح الخدمة المتجرّدة المقرونة بالمناقبيّة والكفاءة والفعاليّة، هو طريق من أجل لبنان أفضل نطمح إليه جميعاً.

وطن ينقلنا من الأحقاد المتبادَلة إلى دولة التألّق والإبداع، ومن دولة الحروب المستترة إلى وطن السلام الدائم، القادِر على صناعة القرار.
وإذا ما سُئلنا عن المثال، فهاكم مؤسّسة الجيش اللبنانيّ.

مؤسّسة تبني قراراتها على الشرف والتضحية والوفاء.

مؤسّسة أرست قواعد عملها على الإنتاجيّة والقيمة المضافة، وليس على الكيديّة السياسيّة أو المذهبيّة أو المناطقيّة.

مؤسّسة أطلقت العنان لضباطها ورتبائها وجنودها ناحية الاحتراف.

مؤسّسة فتحت مساحات التفاني مشرّعة، وبالدقّة تميّزت، لتبقى الشاهد الحيّ على واحدة من أواخر المربّعات المنتجة والفعّالة في الدولة اللبنانيّة.

إنّه إلى تعميم مثل هذا النموذج نتوق.

وإذا كنّا نتطلّع إلى اليوم الذي نجهّز فيه جيشنا بعرق جبيننا، فنحن قادرون على ذلك إذا رسّخنا حقيقة مفهوم أمننا القوميّ بالتكامل مع نهضة اقتصاديّة حقيقيّة، وإذا استحدثنا حماية اجتماعيّة شاملة. ولا طريق إلى ذلك إلّا عندما يصبح وطننا منتجاً وفعّالاً، وعندما نعيد الحياة إلى بنانا التحتيّة، وعندما نوقف الهدر ونكافح الفساد، وعندما نستعيد القيم إلى دولة تعتمد الحوكمة الرشيدة، وهي تعني الانسان في الأساس.

ما هو واضح، أنّ الوطن ما عاد يحتمل استمرار هذا الخلل البنيويّ المتمادي في نظامه التشغيليّ السياسيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ، حيث إدارات الدولة معطّلة، والمواعيد الدستوريّة مستباحة، والأبعاد الاقتصاديّة افتراضيّة، والمسائل الاجتماعيّة زبائنيّة ريعيّة.

كما أننا لم نعد نستطيع تحمّل أن نبقى أسرى مسائل إقليميّة ودوليّة، لا علاقة لمصلحتنا الوطنيّة العليا بها.

وإذا كانت قد جمعتنا نيّة العيش معاً في المئوية الأولى من حياة الوطن، فإنّ الممارسة أكدت الفشل الذي وصلنا إليه. وبات من الضروري تطوير عقدنا الوطنيّ بشكل نضيف إلى العيش معاً لأزمة الإنتاج. فالطموح إلى لبنان مجدّد على قواعد الاستقرار والنموّ الاقتصاديّ الجامع لا يمكن أن يترجم عمليّاً، إلّا من خلال عيش مشترك منتج بدلاً من عيش مشترك عقيم.

أليس هذا ما جسّدته مؤسّسة جيشنا الوطنيّ؟

أليس هذا ما يطبع الجيش قيادة وضباطاً ورتباء وعناصر؟

***

في عيدكم أيها العسكريّون، أناديكم المنتصرون أنتم من كَثرة هزائمنا.

تُناديكم المصاحف والأناجيل.

لقد رفعتم الشهادة مرَّتيْن: مرة في ترسيخ عقيدة مؤسّستكم نِقطة تواصل بين أفرقاء حاصرتْهم ثقافة العَداء والقطيعة. وأنتم تمسَّكتم بالانضباطيّة والمَسْلكيّة والمناقبيّة، شرفاً وتضحيّةً ووفاء. ومرة بالدمّ على مذبح الوطن، في مواجهة أيادي الغدْر والإجرام والإرهاب.

لقد تألَّقتم شاهرين الملاحم عالياً، ناقلين معكم ومعنا الوطن المُهان في هيبته، إلى الوطن القادر والقويّ والمُهاب.

وإن ارتوَت أرضكم مجدَّداً وتكراراً بعظيمِ حبّكم، فدمكم هو الشهادة مضرّجة ببخورها. وهو امتحان الأحرار والأبطال والقدّيسين. 

  • شارك الخبر