hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - مشرق عباس

شعبك... عندما يغضب

الأحد ١٥ تموز ٢٠١٨ - 06:55

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

وكأن غضب شعب مبتل كشعب العراق مشهد مفاجئ، خارج عن السياق، وعن المتوقع، وعن الطبيعة الإنسانية، وغير قابل للتحليل. وكل التحذيرات من نتائج الفشل السياسي والاقتصادي والأمني كأنها واهمة، وماكينات الفساد العملاقة كأنها كانت لسنوات تحفر في جسد ميت، وليس في ضمير شعب تاريخي حي وجسده.


ضع جانباً تلك الورقة التي كتبها لك مستشاروك عن قائمة الأسباب التي قادت إلى انتفاضة الجنوب العراقي خلال الأيام الماضية، ولا تتورط بترديد الاتهامات الأحفورية عن «البعث» الذين يقود مخططاً كونياً لإسقاط الأحزاب الإسلامية، و «داعش» الذي يعمل على اختراق سور الطائفة العالي، بل عليك أيضاً أن تهمل تهمة تورط إيران بالتظاهرات أملاً بتجنب العقوبات الأميركية، وانتبه إلى جوهر المسألة: «شعبك غاضب فعلاً... غاضب منذ اللحظة التي قرر فيها زعماء الطوائف في رعاية أميركية - إيرانية تحويل دولة كبرى في المنطقة إلى ملعب للصراعات الإقليمية، ومنذ كتابة الدستور، وتزوير كل انتخابات، وسرقة أموال النفط، والفشل في حل مشكلة الكهرباء، والعجز عن النهوض بالاقتصاد الأعرج، والخوض في دماء الشباب العاطلين من العمل في ساحات النزاعات العبثية».

كان الشعب في حاجة إلى القليل من الإنصاف وهو يخرج مترنحاً من مذبحة «داعش»، لم يتطلب الأمر سوى فهم مستوى الكرب والإنهاك والذبول الجماعي الذي قاد إلى أكبر مقاطعة لانتخابات 2018، بديلاً من الخوض في استعراض حزبي مخيف للإمكانات المالية والدعائية، وكان يمكن استثمار المرحلة للبدء بمصارحة تاريخية حول المستقبل والتعايش وأخطاء العملية السياسية وخيارات الصمود في مركز الزلازل، بديلاً من المراهنة على ضعف ذاكرة الشعوب.

من السهل القفز إلى نظرية المؤامرة للحديث عن اختيار إيران شهر تموز (يوليو) اللاهب لقطع إمداداتها الكهربائية عن مدينة البصرة التي بدأت منها الأحداث، وهو الوقت ذاته الذي أطلقت فيه تركيا «سد اليسو» الذي يهدد آخر قطرات ماء عذبة تصل إلى المدينة، كما أنه الوقت الذي اختارته الحكومة العراقية لإطلاق يد شركات نفطية في الاستيلاء على مزراع أهلية تقع فيها آبار النفط. لكن الحكومات العراقية فشلت في توفير الطاقة الكهربائية والخدمات الأساسية بعد هدر عشرات البلايين من الدولارات في مشروعات فاسدة وغير منتجة يمكنها على الورق إنتاج طاقة تكفي غالبية دول الشرق الأوسط، وذلك بحد ذاته مبرر كاف للغضب.

أن ينتقل الغضب التموزي من البصرة إلى النجف وبغداد والموصل، ليس مفاجأة أيضاً، فيد السارق التي امتدت لقوت الشعب في العراق واحدة، وواقع العجز والفشل وتردي الخدمات وضعف القرار السياسي يكوي الفقير والمعوز والمفلس الذي يمثل غالبية الشعب، من دون أن يطاول المسؤول الحزبي، والإداري المرتشي، وشيخ العشيرة المزايد، ورجل الدين المرابي، والتاجر السياسي، والمثقف الفاسد.

أن يسجل العراق بنهريه وأرضه الخصبة وبحر النفط الذي ينام عليه، «ثورة جياع» فذلك خبر ليس مفاجئاً أيضاً، وإذا لم نسمع به اليوم، قد يصبح واقعاً غداً في ضوء استمرار آليات الدولة العاجزة عن كسر دائرة الفشل المغلقة.

يعتقد قادة الأحزاب الذين مرروا انتخابات طعن في شرعيتها منذ لحظة المقاطعة الشاملة لها، أن في إمكانهم عبر جلسات السمر الليلية، إهمال إرادة الشعب بكسر المحاصصة الحزبية، والإبقاء على مهزلة «قسمة الغرماء» لمؤسسات الدولة في حكومة 2018، ومع كم النصائح التي قدمت لهم، كانت النظرية الوحيدة المتاحة للتطبيق هي تلك التي اقترحها قاسم سليماني، عبر حكومة تضم الجميع يأخذ كل حزب حصته منها لتمويل نشاطه من جسد الدولة ما دام رئيسها شيعياً ينتمي إلى الأحزاب الإسلامية، ليس لأن سليماني بعبعاً لا يمكن الوقوف أمام إرادته، فتلك خرافة أيضاً، بل لأن المقترح الإيراني مفصل على مصالح قادة الأحزاب وضامن استراتيجيات النهب المنظم. اترك من يدك الورقة التي كتبت لشيطنة متظاهرين ضاق وطنهم بهم، وازدحمت جدران منازلهم بصور ضحاياهم، وصارح شعبك الغاضب بالحقيقة... كن جديراً به، وفياً لغضبه، فاليوم يمكن تجاوز تموز وتأجيل حتمياته، لكن لن يكون في إمكان أحد إيقاف المحتوم غداً.
الحياة

  • شارك الخبر