hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

في قراءة لحفل تدشين المقر الجديد لبطريركية السريان في العطشانة

الثلاثاء ١٥ حزيران ٢٠١٨ - 06:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كان احتفال تدشين المقر الجديد لبطريركية السريان الأرثوذكس في العطشانة ملفتاً واستثنائياً بتوقيته، وبنوعيّة الحضور، كما بحجم الصرح الذي هو بحجمه أكبر بكثير من مقر بطريركي موقّت.

فكأن هذا الحدث الكبير قد شكّل تكريساً لمفصل جديد ما في تاريخ هذه المنطقة. وشكّل رسالة أو مجمل رسائل في عدد من الاتّجاهات. الأخطر أنّه قد يُفهم كتكريسٍ لمرحلة انحسار السريان من أرضهم بعد أنْ ضاقت بهم سبل العيش فيها، قبيل انتهاء الحروب في سوريا.
وأنا لا أريد أنْ يرتد هذا على مجمل العائلات الأخرى التي أعطت تلك الأرض نكهات وألواناً في حضارتها. كلبناني للوهلة الأولى فَرِحْتُ بأن يصبح "ليبنون اي قلب الله" كما قال البطريرك افرام الثاني، لبّ هذه الجماعة ومقرّ بطريركها. إلا أنّني عدت فحزنت، لأنّ لبنان لا يكون "ليبنون"، إذا ما فقد امتداده العراقي والسوري والعربي. فنصير جميعاً جماعات معزولة متمركزة على البوابة البحريّة للشرق، تنتظر الهجرة الحتميّة.
وأنا لا أريد لجماعتي أنْ تنحسر عن عمق الأرض التي منها خرجت. لا أريد لجماعتي أنْ تتغرّب عن أرض أعطت الأرض لونها وتسميتها. وكلّنا سريان بمعنى الانتماء لهذه الأرض، وهذه اللغة، وهذه الحضارة. وذلك على الرغم من أنّ أهلنا في المدن الساحليّة نطقوا اليونانية. لا أريد أنْ تتعرى أرضنا وتتراجع حدودنا، كما تعرّت أرض أنطاكية على أثر تدميرها في العام 1268، وبعيد انتقال الكرسي الأنطاكي إلى مدينة دمشق، المدينة الأهم في تلك البلاد في تلك المرحلة. ومع تعرّيها من أناسها الأصليّين ما عادت أنطاكية، أنطاكية. بل صارت مدينة جديدة بهوية جديدة لا تشبه نفسها البتة بشيء. وانتهت معها قصّة من قصص الحضارة الإنسانية على هذه الأرض.
لا يجوز أنْ نهجُرَ مدائننا، مدينة بعد مدينة، وقرانا وبلداتنا ونستقر في بيروت وضواحيها. لأنّ ما بعد بيروت سيكون البحر، وعاصمة ما واقعة ما وراء البحر، ومن بعد تلك العاصمة لن يكون لنا وجود ودمغة وهويّة وكيان.
أخشى أنْ أقول إنّ افتتاح مقرّ بطريركي بهذا الحجم في العطشانة (ضواحي بيروت)، وفي مثل هذه الظرف يشكّل رسالة خطرة برسم كل من قرّر البقاء، وبرسمنا جميعاً.
وما قاله صاحب القداسة على "مواصلة تقديم الشهادة الحيّة للمسيح" لا تعكسه خطوة افتتاح مقر بهذا الحجم في هذا الظرف، بل تُفهَم بغير ذلك تماماً.
أيكون قداسة البطريرك افرام الثاني مار سويريوس الجديد "الذي أُرغِمَ على ترك مقرّ كرسيّه الرسولي، وأصبح لاجئاً في لبنان هذه المرّة وليس في مصر، حيث قوبل بالترحيب والتقدير؟
وتجدر الإشارة إلى أنّ كنيسة الصرح البطريركي السرياني الجديد في لبنان تمّ تكريسها على اسم القديس السرياني العظيم مار سويريوس البطريرك الأنطاكي الذي بحسب البطريرك افرام "أُرغم على ترك مقر كرسيه الرسولي، وأصبح لاجئاً في مصر، حيث قوبل بالترحيب والتقدير من قبل أبناء كنيسة الاسكندرية الشقيقة". وقد أعاد ذخائره إلى كرسيّه، الذي "سُلِبَ منه بسبب الاضطهادات التي تعرّض لها من جهة والاتهامات التي وُجّهَت إليه جذافاً من جهة أخرى"، البابا تواضروس الثاني بعد ألف وخمسمئة عام.
أخيراً، لا نريد أن يكون التدشين رسالة في الاتجاه الذي ذَكَرت. ولا نريد له أنْ يكون مقدمة لتعرية الأرض من أهلها. فأهلنا في سوريا والعراق هم امتدادنا الطبيعي والتاريخي. نريدهم أن يبقوا في أرضهم أعزّاء كي نبقى جميعاً في هذه الأرض. ومن هنا ضرورة التنبّه ودعمهم كي يصمدوا في أرضهم قادة روحيّين وأفراد، فيصمد التنوّع والعيش والحوار والشرق والسلام معهم. فيستمر لبنان في رسالته ولا يزول المشرق ولا تتعرّى سوريا.
 

  • شارك الخبر