hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - مصطفى كركوتي - الحياة

اختبار حرج للشراكة في سوريا

الأحد ١٥ حزيران ٢٠١٨ - 06:56

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

إذا كان ثمن إخراج إيران من، أو إضعاف وجودها في سورية كشرط لإعادة الاعتبار لقيادة بشار الأسد كرئيس للبلاد، تبدو إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب مستعدة لدفعه. هذه هي المسألة المحورية في التفاوض الراهن بين واشنطن وموسكو من جهة، وبين هذه الأخيرة وتل أبيب. الثمن ليس مشكلة ما دام ذلك يقود إلى تراجع استراتيجية إيران في الإقليم. لقد أوضح ترامب في أكثر من مناسبة في الأشهر الماضية أن تحقيق ذلك يبدأ من سورية.

موسكو تعتبر أن الأوضاع الأمنية والمعيشية في سورية لا يمكن أن تتحسن إلا بالإنهاء الشامل أو التقليص الواسع لوجود إيران الثقيل في البلاد. بعد إعلان ترامب عن سحب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، تعهد وزير الخارجية الأميركي في خطابه الرئيسي الأول في الشهر الفائت بمواجهة إدارة بلاده لوحدات «الحرس الثوري الإيراني» وشبكة الميليشيات الخاضعة لسيطرته، بما في ذلك «حزب الله»، المنتشرة في المنطقة لا سيما في سورية. وكان مايك بومبيو يرد على ما تباهى به قائد «فيلق القدس» سابقاً بأنه قادر على التنقل بأمن وسلام ومن دون أي عائق من طهران إلى بغداد ومنها إلى دمشق وبيروت.

التهديد الأميركي لا يزال محصوراً في إطار التهويل ولا يعرف بعد كيف ستقوم واشنطن بتنفيذ خطتها. الإدارات الأميركية السابقة فشلت بتقديم أية استراتيجية واضحة كفيلة بلجم النفوذ الإيراني المتنامي في سورية التي باتت أسخن ساحة لحروب الإقليم منذ 2011. الرئيس السابق باراك أوباما ارتكب خطأً استراتيجياً بإعلانه في بداية فترة رئاسته الأولى عن وضع نهاية لوجود بلاده العسكري في العراق من دون تقديم خطة بديلة، ما أدى إلى خلق حالة من الفراغ الخطر قامت بملئه على الفور إيران الطموحة نحو التوسع في الإقليم.

إلا أن ثمة تطورات أخيرة توحي بتوقع حدوث تحولات محتملة في ميدان المعارك السورية جراء إعادة التفكير الحثيث في صوغ أفضل السبل لتحقيق هدف احتواء إيران. ويبدو أن ذلك على وشك الحدوث من جراء شروخ بدأت تظهر في هيكل التحالف الروسي- الإيراني الذي لولاه لما استطاع نظام الرئيس الأسد على الاستمرار في السنوات الثلاث الأخيرة على الأقل.

فروسيا تقوم، من جهة، بخطوات استراتيجية بالغة الأهمية بالاتجاه نحو تعميق التنسيق السياسي والعسكري مع إسرائيل الذي يدخل في ضمنه تبادل المعلومات الجوهري على مستوى استخباراتي رفيع المستوى. رئيس وزراء إسرائيل بنجامين نتانياهو كان في أيار (مايو) الفائت ضيف شرف في الاستعراض العسكري الرئيسي الذي نُظِّمَ في موسكو بمناسبة انتصار روسيا في الحرب العالمية الثانية. وكانت تلك الزيارة الثامنة لنتانياهو ولقائه بالرئيس فلاديمير بوتين خلال عامين.

وفي أوائل الشهر الفائت أيضاً، وإثر ما يعتقد بإطلاق عناصر من «الحرس الثوري» بضعة صواريخ على مواقع إسرائيلية في مرتفعات الجولان المحتلة، ردت إسرائيل بغارات جوية غير مسبوقة، نوعاً وكمّاً، ضد أهداف إيرانية داخل الأراضي السورية. وتم ضرب ما مجموعه 50 هدفاً إيرانياً بين قواعد عسكرية ومواقع محصنة أدت إلى إضعاف قوة إيران العسكرية في سورية إلى حد كبير. واللافت للانتباه أن أياً من مواقع النظام العسكرية أو تلك التابعة لروسيا لم تتعرض لأي أذى.

وقد بات من المعروف الآن أن إسرائيل أبلغت روسيا من خلال الخط الساخن بينهما مقدماً بنيتها ضرب المواقع الإيرانية. موسكو الحليفة لطهران عملياً، كانت تستطيع من خلال قاعدتها الجوية القوية في حميميم في شمال غربي سورية وأجهزة رادارها الدقيقة وصواريخ أرض- جو التابعة لها، أن تعرقل أو تشوش على الغارات الإسرائيلية. إلا أن القوات الروسية لم تفعل أي شيء من هذا القبيل. وتكرر الأمر عندما قام الطيران الإسرائيلي بقصف مواقع تابعة لنظام دمشق وعناصر من ميليشيا «الحشد الشعبي» العراقي أخيراً، إذ بقيت روسيا في موقف المتفرج.

لاعبان رئيسيان آخران في الإقليم، تحديداً الولايات المتحدة وتركيا، توصلا في ما يبدو إلى مستوى عملي من التفاهم في شأن تنسيق نشاطهما في المناطق ذات الكثافة السكانية الكردية في شمال سورية، وعلى وجه الخصوص في منطقة منبج. فقد باتت قوات أميركية- تركية تسيّر دوريات أمنية مشتركة بالتنسيق مع مجالس «قوات سورية الديموقراطية» (قسد) العسكرية الأربعة في هذه المنطقة. ومعروف أن أنقرة كانت تعتبر «قسد» ضمن القوات المعادية لها النشطة في شمال شرقي سورية. ولا شك أن هذا التنسيق قد أدى إلى خفض التوتر الذي يشوب العلاقات بين الطرفين بين الحين والآخر.

ولكن في ضوء التوتر المتزايد في شبكة علاقات القوى الثلاث الرئيسية المتنافسة في سورية، وتحديداً روسيا وإسرائيل وإيران، فإن مصالح هذه الدول الثلاث في الساحة السورية تبدو متجهة نحو التصادم. فكل من روسيا وإيران وضعتا قوتهما العسكرية الضاربة في خدمة هدف جوهري واحد (ضمن أهداف أخرى طبعاً)، وهو المحافظة على حكومة الأسد. فلولا هذا الدعم المباشر لما تمكن هذا الأخير على البقاء في قصره حتى هذه اللحظة.

من ناحية أخرى، يبدو واضحاً أن موسكو تحاول لعب دور توازني بين إسرائيل وإيران في مسعى منها لخدمة مصالحها الاستراتيجية قبل أي شيء آخر. لقد أبقى الروس أجواء سورية ولبنان مفتوحة أمام الطيران الإسرائيلي للضرب وقتما يشاء. وليس هناك ما يوحي أن هذا الموقف الروسي إزاء الطلعات الإسرائيلية في هذه الأجواء سيتغير قريباً. فلم يعد سراً وجود خط اتصال ساخن ودائم يعمل بفعالية بين تل أبيب وموسكو لضمان سلامة عمليات الطرفين في سورية.

مادا يعني دلك بالنسبة لاستراتيجية روسيا؟ هل حان الوقت كي تعيد موسكو النظر بتحالفها مع طهران؟ ما هو واضح أن الطرفين فقدا قدراً لا بأس به من الثقة بينهما في هده المرحلة الحرجة من الحرب. موسكو ترغب في أن تنتهي الحرب في سورية قريباً وتُعد البلاد لاستقبال العون الدولي من أجل إعادة الإعمار، وهي تدرك أن تدفق مثل هدا العون لن يحصل ما لم ينته الوجود الإيراني الثقيل أو يتقلص كثيراً في البلاد.
 

مصطفى كركوتي - الحياة

  • شارك الخبر