hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

العُكّاز

الثلاثاء ١٥ حزيران ٢٠١٨ - 06:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تطلع إلى السماء وقال: "سأحمل عصاي السحرية يا أبي، وأزيح عن الشمس الغيمات. أم أقول لك، سأحمل عكازي وأضرب الغيمات، فأسقط منها لنا أفضل القطرات. قطرات المطر تروي. قطرات الماء تشفي. قطرات الماء مرسال السماء. الكبار على خصام مع السماء. الكبار على خصام مع الأمنيات".

أبلغته بأنّ الغيمات لا تطالها عصا. أبلغته بأنّ الزرقة لا يمزّقها عكاز. حتى لو كان عكاز ابني، ولو كان سحرياً.
تطلّع بي وضحك. وتابع: "عالمك يا أبي مخيف. عالمك ينقصه أحلام ورديّة وأناشيد سماوية. قواعدكم يا أبي خشبيّة تسجن. وأنتم بحاجة إلى ما يحرّر. وما يحرّر هو الخيال في بحر الجمال".
فسألته عن عصاه. فقال: "عصاي من آمال ورديّة. عصاي من أحلام طفوليّة. عصاي من حب. عصاي تزرع العالم قصصاً ونغمات وتمسح الدمعات وتستبدلها بالندى وبالمياه النازلة قطرات. الدموع يا أبي آمال تسترجع طبيعتها. عصاي سقطت من شجرة سماوية. عصاي عصا إلاهية لذا فهي سحريّة. أطفئ محرّكات عقلك قليلاً واستسلم للحب والخيال. دع الحب يحملك إلى تلك الشجرة التي تسكنها أسراب العصافير وكل طيور لقلق والجبال. إفتح أذنيك جيداً كي تصغي. وافتح عينيك كي تبصر. عصاي عصا هارون. عصاي من شجرة جديدة وأرض جديدة يا أبي".
فكان أنْ عاد من عالمه، وسألني عن عكاز الملك. فأجبته: "عكاز الملك هيبة. عكاز الملك وقار. يصبح العكاز عوداً، إذا ما تعرّى الملك من الفضائل. ويصير تأديبه عقاباً وسحراً أسودا. يصير لعنة.
جراء غيّ الملوك، استنبط بعض البشر نظام حكم، أفضل ما فيه أنّه يمكّنهم من التخلّص من الحكّام، كل الحكّام بلا عنف ولا دماء. إلا أنّ أناسنا في مشرقنا، مازالوا في لاوعيهم يعتبرون بأنّ عرش الله يحاكي عرش الملك. وبأنّ الملك هو الله".
فأجاب: "تعال نسأل الساحر الجيّد أنْ يضع كل الملوك والحكّام على الطريق القويم. فهو يسمع مني. أنا أعلم ذلك".
لم أقبل. ولا طلبت إليه ذلك. فحَزِن. وسألني عن مشكلتي مع السحرة الطيّبين.
فأجبته: "نحن قوم لا نؤمن بالسحر بل بالآيات والعجائب. سقطنا حين استسلمنا للسحر. فللسحر مفاعيل تخدّر وتُعمي وتُنهي. المشكلة أننا انتقلنا من زمن الخير والبركة والتسليم إلى زمن قراءة الغيب والسحرة والمجانين. فحَمَّلْنا الساحر عكازاً وقلنا له:"الا فاحكم في ما بيننا. فساسنا بالسوط والجزرة، وتلطى بالله.
نعم، إننا في هذا الشرق يا ولدي، لا نقبل أن تُسحَبَ كرسي الله من قصر الحاكم. وذلك كي لا يعرّينا معه، ويبان الوهم. نخشى من الحقيقة ولا نتعرى إلا كي نُظهِر المفاتن ونُشبِع الرغبات. نُدمِنُ على الغاز. نفتش عنه. ننقّب عنه. نأكل منه. ونطير بفعله كي نتغرّب عن واقعنا".
فانتفض قائلاً: "سأذهب إلى الملك وأعطيه عكازي. علّه يعود. علّه بالحب يحكم. علّه بالجمال يحكم. علّه يعدل. علّه يصبح ملء قامة ما نرغب. فيؤدّب الناس ويعيد إلى الرعيّة التوازن".
فأجبته: "اليد تصنع العكاز، يا ولدي. ومن يده خضراء وعيونه جميلة يصنع العالم جميلاً لمن حوله. المسألة ليست في العكاز بل في من يحمل العكاز".
وتابعت: "من يحمل عكازك عليه أنْ يكون طفلاً بأحلام ورؤى ورديّة".
تطلع بي، وأردف: "أتعلم، عالمكم يوجع الرأس يا أبي؟ أدعوك أن توافي إلى عالمنا. ففي عالمنا قصص وسحرة يُبطِلُ عملها سحرة، وأبطال من نور ينتصرون دوماً للخير والبركة وصفاء العيش. تعال. وهلم نسأل أهل الخير عندنا أنْ يعملوا كي يقدِرَ من يحمل أمانات النور بأيدي من تراب عندكم من متابعة المسير كي يبقوا نماذج. فلا تتحوّل عكازاتهم إلى عصي وسوط وجزر لا تشبع إلا المعدة".
فاستكنت. وغادرت معه إلى عوالمه وأحلامه وآماله. وقد استحصل لي على دعوة من ملكه.

  • شارك الخبر