hit counter script

باقلامهم - مازن عبّود

رأس أنفة صورتنا

الثلاثاء ١٥ حزيران ٢٠١٨ - 06:05

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"الخليقة ملكُ الله. والإنسان ساكن في بيت يملكه الله وليسَ ملكاً شخصيّاً للإنسان... الإنسان اليوم قد فقد الوعي بأن الحياة هي هبة من الله، حتى أنه نسي معنى الحياة الأساسي، جاعلاً من وجوده مركزاً للحياة، ومكتفياً بذاته. لذلك، لا يرى الإنسان اليوم أن بيئته تخصّه، بل يراها باباً للمتاجرة، والمنفعة الشخصيّة، والتسهيلات. إن الروح النفعيّة المنتشرة، والاستهلاك المُبالغ به يعزى إلى هذا العالم المُتغرِّب عن ذاته وعن الخليقة وعن الله"... من كلمة البطريرك يوحنّا العاشر في بكركي في 6 آب 2015 بمناسبة "الصلاة من أجل العناية بالخليقة".

هذا ما سمعته على لسان السيد البطريرك، وهذا ما علمَتْني اياه كنيستي منذ نعومة أظافري على لسان الآباء والأحبار والرهبان. وقد بلغني أن بعض القديسين أمسوا يتكلمون مع العناصر بعد أن استوت علاقتهم بالمحيط، تعلمت من الكنيسة أيضاً أن البحار والجبال والأنهار تسبِّح الرب هي أيضاً. علمتني جدتي وعلمني آبائي أن الاعتداء على المحيط خطيئة، لأننا بذلك نخدش صورة الخالق ونشوهها على الأرض.
لذا، فانّ موقفي من حماية الشاطئ، كل الشاطئ، كان ومازال مبدئيّاً، غير قابل للتبدل. حماية الشاطئ هي قضيتي في كل ظرف ومكان، في بيروت وكفرعبيدا وصور ورأس الناطور وفي أنفة وكل مكان، فكيف إذا كانت هذه المناطق الساحلية تتمتع بخصوصية وبميزات فريدة MedMPAnet) ص 23 و24، و"الاستراتيجية اللبنانية الخاصة بالمحميات البحرية" صفحة 29 و46)، لجهة احتوائها على كنوز أثرية غير مكتشفة لغاية اليوم، وتتمتع بهوية فريدة وطبيعة وصخور خلابة تستضيف أكثر من 32 نوعاً من الاسماك.
لا أعلم كيف صرنا في لبنان نعتبر مخالفة "مرسوم تصنيف الأراضي" وقرارات "المجلس الأعلى للتنظيم المدني" شؤوناً روتينية يمكن تخطيها أوتوماتيكياً بمجرد عرض الملف على مقام مجلس الوزراء، ثم كأنّ شيئاً لم يكن. لا أعلم كيف أمسى تشريع التعديات على الأملاك البحرية بموجب قوانين مؤشراً لكفاءة المستثمرين في بلدنا وقدرتهم وفاعليتهم.
ما يزعجني كثيراً في قضية أنفة، هو أن المستثمر وضع أبي والمؤسسة الكنسية في مواجهة مع الناس والبيئيين لتمرير مشروع تجاري واستثماري الطابع ليس له علاقة واضحة بخلاص البشر.
إنه لمن المؤسف حقاً أن يستخدم المستثمر ذكاءه فيستقوي علينا بالكنيسة لتسويق مشروعه، بغية إسكاتنا والضغط على المراجع المختصة عموماً، وكذا على مقام مجلس الوزراء تحديداً، من أجل الحصول على ترخيص لمشروعه الذي لا يتطابق، ولن يتطابق مع القرارات والقوانين المرعية الإجراء ولو شَرّع له مَن شرّع قانوناً غير قابل للتشريع، لتعارضه مع القوانين الطبيعية.
من المؤسف حقاً اللجوء إلى المرجعيات الروحية للرد على جهات تقنية (نقيب المهندسين) في موضوعات تقنية الطابع. أتمنى أن يكون "المجلس الاعلى للتنظيم المدني" ونقيب المهندسين على خطأ وعدم معرفة ودراية واطلاع، وأن نكون نحن على علم ودراية واطلاع أكثر في شؤونهم.
من المؤلم أن يصمت المستثمر وتنطق المؤسسة الكنسية بالنيابة عنه للرد على هذا السياسي وذلك التقني.
ومن غير المقبول اتخاذ المؤسسة الكنسية درعاً للمشروعات التجارية، بدلاً من أن نكون جميعاً الدرع الحصين لها.
من المؤلم أن لا نظهّر موقف كنيستنا وعقيدتها الثابتة ومواقفها الداعية إلى الحفاظ على المرافق الطبيعية وسلامة الكوكب، وصيانة علاقة الإنسان بمحيطه وعناصره التي أصابها التشوّه بفعل السقوط والخطيئة والطمع والرغبة في الاستئثار بالكون، ووضعه الربحية المباشرة فوق مصلحة الكوكب وكل البشرية، وأنّ نظهّر العكس.
إني أختلف، وبكل احترام وتقدير ومحبة، مع أبي المتروبوليت أفرام في معالجته هذا الملف، فلا أريد أن يساء فهم صورة كنيستنا التي تعتبر أنّ علاقة الإنسان بمحيطه البشري والطبيعي هي معيار لعلاقته بربه.
أختلف مع سيدنا ملاك طرابلس في هذه المسألة، فلست راغباً في أن يُستدرج آباؤنا، ممن هم غرباء عن هذا العالم ومنطقه، إلى دروب التسويق لمشروعات ربحية سياحية وتجارية الطابع، فيمسون في مواجهة سياسيين دفاعاً عن سياسيين ورجال أعمال، فينضمون من حيث لا يدرون إلى المنتدى السياسي التقليدي، إلى أن يقال إنّ المؤسسة الكنسية في حلف دائم مع الغني والمتسلط على حساب الضعفاء والطبيعة، فتزداد الشكوك، ويتعثر الناس في وقت نحتاج جميعاً إلى إراحتهم وإظهار نماذج كسيدنا أفرام، فيستدرجوننا جميعاً من حيث لا ندري إلى اللعبة السياسية والمالية في بلد قرفت أناسه من السياسة والربح المباشر. إني أصلي كي تبقى نماذجنا الحلوة مصونةً، وكي يبقى لنا أمل ورجاء في هذا العالم، وكي لا يقال: "ألا فانظروا، ليس من صلاح في الكنيسة".
وأنا أتفهم مناقبية سيدنا متروبوليت طرابلس وحرصه على ألا يكون ناكلاً بما وقّعه سلفه، ورغبته في السعي لإنفاذ مشروع يعتبره "نبيلاً"، ولم يتمكن المستثمر من تنفيذه لغاية اليوم، لكنّ ما لا أستطيع تفهمه أن نَظهر كأننا انتقلنا من الدفاع عن قيمنا وخلاص النفوس، إلى الدفاع أيضاً عن المشروعات السياحية ذات الطابع التجاري، التي لا يجمع على جودتها أبناء كنيستنا من بيئيين وغير بيئيين. أخشى أن لا نعود صوت الضمير وصوت الأرض وحماة صورة الله على هذه البسيطة.
 

  • شارك الخبر