hit counter script

باقلامهم - البروفسور نسيم الخوري

جمهورية السبع

الإثنين ١٥ حزيران ٢٠١٨ - 06:12

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع


لماذا يسعى المواطن إلى تهنئة نائب أو وزير ملّت منه مقاعد البرلمان أو الوزارة إذ يتبوأ المنصب من جديد؟
أليست التهاني الحقيقية للوزير أو النائب أفضل له ولحزبه ووطنه لا عند فوزه بل عند خروجه من السلطة، خصوصاً إذا كان الأسف على فراقه وتركه موقعه أشدّ من السرور بوصوله إليه؟
هكذا يسعى النوّاب والوزراء في البلاد المتأصّلة في الحكم الديموقراطي، إلى الحصول على هذا التأسّف عند تركهم مقاعدهم النيابية والوزارية بدلاً من الحصول على سرور الناس وتملّقهم عند نجاحهم واختيارهم وقبل تبوئهم مقاعد السلطة.
لماذا ؟
1- لأنّ الوزير قد يتحوّل وزراً ثقيلاً ويحمّل الناس أوزاراً كارثية، والنائب يتحوّل نائبة (بمعنى مصيبة) على وطنه ومحيطه لا على نفسه أو حزبه بالطبع، مع أنّ الدكتور جوزف إلياس المقيم في بهاء اللغة العربيّة، حسم المسألة اللغوية في هذا المجال بعد دخول سيدات البرلمانَ اللبناني، فكتب أنّ النائب هو من ناب ينوب نيابةً، وتستعمل التسمية للذكور والإناث على السواء، لأنّ النائبة شأن لغوي مختلف. لا أدري لماذا العادة في استعمال كلمة النائبة؟ لربّما لكثرة النوائب والكوارث التي يحدثها أهل السياسة في لبنان!
2- لأنّ الجمهورية اللبنانية استهلكت خمسين عاماً من التشاوف في الحكم الديموقراطي على اللبنانيين والمحيط العربي، ورفعت من تمايزها بالحريات التي لا حدود أو أصول لها باقية. ومنذ الـ1968 يقف النظام اللبناني على رجلٍ دستورية واحدة هي القانون الأكثري، الذي كان يغلّف العمليّة الانتخابية بالطائفية، التي تكدّست فوق جسد لبنان من دورةٍ إلى أخرى، ومن "تعيين" البرلمان نوّابَه أو تمديده ولايتَه لأكثر من دورة، بما عزّز الطائفية وأذكى الكتل والمحادل الانتخابية وأثبت تناسخ العائلات والإقطاعيات في تعبئة البرلمان والإدارات وحشوها بالأزلام والمحاسيب والأقارب والعطالة والبطالة.
ولا مبالغة أبداً في الجهر بالقول إنّ الوزارة أو النيابة صارت أشبه بوظائف إدارية يشغلها موظّفون يدورون رهن أوامر رؤساء أحزابهم ومذاهبهم وطوائفهم المحصورة العدد، الذين يجعلونها جمهورية السبعة أشخاص. لقد حاصروا لبنان وأطبقوا عليه في مثلّث سياسي متساوي الضلعين، بين المسيحيين والمسلمين، مدعومين من تحت برجال الدين ورجال المال.
لنعترف بأننا انحدرنا بديموقراطيتنا بعد نصف قرن إلى مستوى يدمر بذور الديموقراطية، التي أخرجها فلاسفة عصر الأنوار وكلّفت البشرية ملايين الضحايا والتجارب الدموية بعد أن انجلت عبر مربع أرسطو وجمهورية أفلاطون في ساحات إسبرطة وأثينا في يونان ما قبل الميلاد ثمّ تجددت مع مونتسكيو وديديرو ونابليون وغيرهم في أوروبا والعالم بعد الثورة الفرنسية )1789).
لا تُستولَد الديموقراطية ولا تُستورَد ولا تترجَم، بل تتراكم بالثقافة والعلم والانتماء والنزاهة.
3- ولأنّ القفز بعد هذا الانتظار الطويل والثقيل من فوق "جلمود صخرٍ" انتخابي هو القانون الأكثري، إلى القانون النسبي الذي لا تتجاوز النسبية فيه حبة ترابٍ ديموقراطية، أعني الصوت التفضيلي الذي يسمح للمقترع بأن يختار واحداً من لائحة جامدة مبكّلة مفروضة عليه، وهو صوت يمكن شراؤه بسهولة، فمن الغرابة أن الجمهورية التي سمّت هذه النقلةَ تغييراً، لم تصن هذا التغيير على ضحالته عندما تقدّم نصف مجلس وزرائها إلى النيابة، مسخِّرين وزاراتهم، عدّة وعديداً، لضمان نجاحهم وتزويرهم، ولم تصنه بالطبع عبر الإنفاق المالي المخيف في بلدٍ سائر نحو خط الفقر، ولا بلجنة للإشراف على الانتخابات انعدمت سلطاتها التقريرية وسالت عبرها فضائح القصور والرشاوى، ولا بحملات انتخابية مضمّخة بالسباب والشتائم والحفر في الخنادق المذهبية والتهويل والكراهيات المقيتة، ولا بانكفاء المواطنين عن صناديق الاقتراع... وكلّها أمور آلت إلى نسف مفهوم النسبية، وحدّت من حريّة الاختيار الديموقراطي بالتشطيب، لتعيد إنتاج الطبقة السياسية نفسها، يجتمع في مداها الرحيب الأجداد والأحفاد والأصهرة والبنون والبنات وعدد محدود من المناصرين الذين وقفوا طويلاً على الأبواب وقفزوا نحو تعبئة الجيوب مع القافزين.
4- ولأن لا قيمة على الإطلاق لكلّ الحبر المهدور والكلام المكرور في مرحلة ما بعد الانتخابات، حيث يتلهّى اللبنانيون المنتمون إلى الأحزاب، وأصحاب المصالح ورؤوس الأموال اليوم، والنوّاب الجدد والوزراء القدامى لفترةٍ قد تطول وتقصر... في تقبّل التهاني والتعارف وسرد الكلام والبرامج والأفكار وتصريف الأعمال في الشاشات والصحف، وكذلك في انتظار رئيس الحكومة المكلّف وسورية والمملكة العربية السعودية، وربّما كثير من دول العالم، تسمية الوزراء وكتابة البيان الوزاري الذي ستتعثّر صياغته حتماً بكلمات "الشعب" و"الجيش" و"المقاومة" بعدما تعثّرت سابقاً مع كلمة رابعة تتعلق بنص القرار الظني للمحكمة الدولية.
ليست كتابة البيان بهذه الأهمية، لأنّ مسافات هائلة ترسّخت في الجمهورية بين النص والتطبيق، أو بين البيانات الوزارية وطريقة الحكم والإنجازات، أو بين الخطب والمواعظ السياسية والبرامج والسلوك السياسي.
منذ رياض الصلح رئيس حكومة لبنان الأولى، الى حكومة سعد الحريري المنتظرة... لن يجد قارئ هذه البيانات مثلي أو متصفحها جديداً سوى النصوص المستنسخة والمتكررة، والباقي على الله.

  • شارك الخبر