hit counter script

باقلامهم - مازن عبّود

في بلاد العجائب

الثلاثاء ١٥ أيار ٢٠١٨ - 06:15

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

قصّ عليّ قصة "اليس" في بلاد العجائب، وبدا متحيرا في الارنب الذي يتكلم، والذي قاد "اليس" الى ما تحت الأرض، الى بلاد العجائب. أبلغني بانّ العالم يختلف وفق الحجم الذي نتخذه او نقرر ان تخذه. فما نراه كبيرا يصغر جدا عندما نكبر. وما نراه صغيرا يكبر كثيرا عندما نصغر. والسر كل السر في ان نشرب او لا نشرب من الماء العجيب كي نكبر. وان نأكل او لا نأكل من الصحن العجيب كي نصغر. والمهم بحسبه ان نعود الى بلادنا واحجامنا بعد رحلة الفضولية.

قال لي بأنّ العالم لو اضحى ما أردناه واشتهيناه لصار مملا. واعتبر بانّ الفضولية تتعب. لكنها اوجدت لهدف. والهدف منها اكتشاف العالم، فندرك من نكون في هذا العالم. وسألني من يكون هو. فهويته واكتشاف هويته وسبب وجوده كانا اللغزين الأكبرين في حياته. ثمّ سأل عن أسباب الجنون في هذا العالم. وسأل عمَ إذا كنّا جميعا مجانين.
فكان ان اجبته بانّ ما قاله كان صحيحا. وبأننا نلتقي الكثير من الارانب في حياتنا التي تجرنا بالفضولية الى اكتشاف أنفسنا. وبانّ رؤيتنا للعالم تختلف بحسب موقعنا وحجمنا. وباننا نحن من يصنع احجامنا بخياراتنا. فإما ان نشرب مياه الحياة والكبر كي نكبر. او نستسلم الى صحن المآكل والشهوات فنصغر. ونصير نذرف دموعا ونطوف في بحر دموعنا في الخنادق في عمق الأرض، تماما كما حصل مع "اليس". فتحررنا بحور الدموع تلك. وتفتح لنا مخارج الخنادق. المهم ان نبكي كل ما شعرنا باننا قد صغرنا وعلقنا. المهم ان تنساب الدموع، لانّ للمياه مفاعيل عجائبية. مفاعيل تفتح الخنادق. وتحرر العالقين في الخنادق تحت الأرض.
واجبته عن هويته. فأبلغته بأنه ابن الانسان الذي وجد كي يتمتع بالأرض ويتكامل مع كل عناصرها. هو الومضة التي ولدت كي تكتشف الغاية من وجودها على هذه الأرض. والغاية من وجوده ان يتكامل مع كل ما يعيش، فيصير جزءا من مشهدية الكون الى ان يتحد بروح الكون. لكن المهم ان يكون نافعا وضروريا كي تصير حياته سيرة، والا تحوّل الى عشب يزيله الزارع عن وجه الأرض، كي يحفظ الأرض.
ثمّ سألني عن "اليس" وعوالم الخيال. فأبلغته بأنها قصة، والقصص من خيال. لكنّ الخيال طعام الأطفال.
قلت: "يكبر الاطفال أيضا بالخيال". ابلغته بانّ كلّ عمل يبدأ فكرة. والفكرة ومضة او شيء من خيال".
وتابعت: "ينتهي الانسان إذا ما هجره الحلم وخاصمه الخيال. قلت "بانه على اريكة الخيال يتأرجح الابطال ويلدون الابداع".
ابلغته باننا كلنا مجانين على هذه الأرض. لكن كل مجنون على طريقته. ولولا الجنون لكنا متنا قبل ان نموت. الجنون يرسم للحياة ميزاتها، وللأفراد فرادتهم.
وأوضحت له: "بأنّ الجنون فنون وطرائق وأنواع. لذا، فعلينا ان نتفهم جنون بعضنا البعض".
وتابعت: "مسكين من اعتقد نفسه عاقلا في عالم لا منطقي. انّ الجنون يا ولدي سر يجعل من العالم مختلفا. فبعض الجنون ابداع، وبعضه الاخر فراغ. هو أساس التقدم والتدهور. لكن المسألة كل المسألة، أي نوع من أنواع الجنون تختار".
واستكان ابني. وتابع رحلته مع "اليس" في عوالمها. وانا رحت اقرأ اخبار رحلاته واندهاشه من حركة عينيه اللتان كانتا تبحران كزورقين.
 

  • شارك الخبر