hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

في زواج الامير هاري من الدوقة ماغن

الثلاثاء ١٥ أيار ٢٠١٨ - 06:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

"ضعني كختم على قلبك، كوشم على ذراعك. لانّ الحب قوي كالموت. والعشق شرس كالقبر. يتقد نارا، يتقد لهبا. لا تطفئ المياه الكثيرة الحبّ ولا تغرقه الفيضانات". - الأسقف مايكل كاري في عرس الأمير هاري وميغان ماركل.
اسرتني كلمات الاسقف الأمريكي. فقد تمكن بمفردات قليلة من سرد القصة كل القصة. ووجوده في العرس كان حدثا. فكأنه قد اتى ليشهد لدفن العنصرية والعرقية في القصر الملكي في بريطانيا. علّه اتى كي يقول جئت كي اختم القبر على الفروقات العرقية وكي اعيد الاعتبار الى العائلة التي يشكل الزواج مدخلها.
لكن كان الاسقف الامريكي يختم قبرا من قبور الفروقات العرقية في القصر الملكي في المملكة المتحدة. بينما كان سواه يفتح مقابرا، ويعيد ترقيص جثث، ويستثمر في مخاوف الناس وفي كل ما اعتقدنا بانّ مارتن لوثر كينغ قد دفنه معه في القبر الى الابد.
كان عرس. وكان الأمير هاري يبتسم ويضحك مطمئنا، كأنه وجد في عروسه بعضا من اميرة ويلز. فصورته اليوم في العرس ذكرتني بصورته في الامس طفلا يرتمي في أحضان امه الليدي ديانا. فالعشق بحسب الاسقف الامريكي شرس كالقبر. لا بل انه يجر الى الشراسة والقبر. والاسقف كان ينادي بالحب في خطبته الذي يحرر ويلهب المحب والمحبوب. فيصير المحبوب محبا والمحب محبوبا. فيلتهبان سوية كشعلة. يلتهب العروسان بالحب الذي لا تطفئه المياه الكثيرة. والذي لا تغرقه الفيضانات. الحب الذي يجعل من الشريك ختم قلب شريكه، ووشم يده الذي لا يمحى ابدا.
كان الاسقف يتلو خطبته، والأمير بدا مسحور. فقد شعرت بأنّ في عينيّ الأمير هاري الذي كبر عطش الى ان يكون محبوبا. وقد وجد ضالته التي كان يبحث عنها طويلا. تلك التي اعادت الى قلبه دفء الورود البيضاء التي كانت لوالدته. وجود الدوقة ماغن جعله مطمئنا. فما من شيء يطمئنك الا ان تشعر بأنك محبوب. لا تطمئنك الألقاب ولا القصور ولا الأموال ولا الجيوش ولا العراقة والجمال والعلم والنسب.
غريب الانسان الذي يتبدل فقط حين يجد من يحبه حبا حقيقيا يريح ويطمئن.
وعظيمة المرأة التي لولاها لانطفأت شعلة الحب في هذا العالم. غريب عطش الرجل اليها. غريب عطشه الى قلب يطمئن له. ويشعر بانه يحبه عن حق.
رومانسية الأمير هاري هي الوجه المستتر لرومانسيتنا. وجميعنا حلمنا او نحلم بأميرة أحلام سكبت او تسكب علينا بعضا من عطر طفولي ضائع.
عرس لم يدس على العوائد الملكية التقليدية والجامدة، تضمنها لكنه تخطاها. الملفت فيه كان ومضات الحياة وقصة حب وعطش واطمئنان تكللت فصارت زواجا. عرس شكل محطة لتناغم الأعراق بدل تناحرها. ولقاء للأجيال وتفاعلها. فكان التاريخ يحضن الحداثة والعصر. وقد كان مناسبة لإعادة الاعتبار الى العائلة بالشكل الذي عرفناه، وذلك من خلال اقتران رجل بامرأة ببركة الله وحضور الجماعة. فالعائلة المالكة مازالت ولو ظاهريا خزان العوائد التي تذكر الانسان الغربي بتاريخه. ومازالت الشعرة التي تربطه بتاريخه وبعض قيمه، ومن هنا اهميتها. ولولا لم تكن كذلك، لتحولت الى فولكلور سياحي لا يمت للواقع بصلة.
العرس الملكي امس كان مناسبة لتذكير الانسان الغربي بأنّ المختبر والرحم المضيف لا يحلا مكان العائلة التقليدية. كان العرس مناسبة لتذكير المجتمعات الغربية بأنّ الانجاب عطية وثمرة الزواج والحب.
جميلة هي القواعد والنظم التي ترتكز عليها الحضارة الانسانية. وجميل التقليد إذا ما اقترن بالحداثة لصون الحضارة. والا قتل عصر الاتصالات وانعدام التواصل انسانيتنا وادخلنا الى الكهوف مجددا. فنعود نهوم في الامكنة بحثا عن الاطعمة لسد جوعنا. فنخسر البيت والوطن والانتماء. ونروح نتكاثر من دون ضوابط وقواعد وعائلات تماما كحيوانات. وهنا الازمة كل الازمة التي لا نريد لها ان تصير القاعدة.

  • شارك الخبر