hit counter script

مقالات مختارة - حسين معلوم - الحياة

مصر والسودان... تجاذبات الجوار الإقليمي

الخميس ١٥ آذار ٢٠١٨ - 07:09

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ما بين المحادثات التي أجراها رئيس الاستخبارات المصرية في السودان مع الرئيس عمر البشير، ووزراء الدفاع والخارجية، حول القضايا العالقة بين البلدين، والزيارة المفاجئة للرئيس السوداني إلى القاهرة، لبحث العلاقات المصرية- السودانية وكيفية تفعيل التفاهمات الأخيرة، لم يكد يمر من شهر آذار (مارس) سوى أسبوع واحد. هذه الفترة الزمنية القصيرة، هي ما تُثير التساؤل حول تذبذب منحنى العلاقات بين البلدين اللذين يجمعهما الجوار الجغرافي، من جانب، والجوار الإقليمي بما يتضمنه من ملفات مُعقدة ومتشابكة لها تأثيراتها في هذه العلاقات، من الجانب الآخر.

هذا التساؤل، وإن كان يجد مبرراته في تجاذبات الجوار الإقليمي، وملفاته؛ فإن ما يدفعه إلى الواجهة، في الوقت نفسه، هو حال التوتر الشديد الذي شهدته العلاقات بين البلدين الجارين، خلال الآونة الأخيرة. فقد شهد العام الماضي تصعيداً حاداً بين البلدين، خصوصاً بعد اتهام السودان مصرَ بإرسال أسلحة إلى متمردي دارفور، الأمر الذي نفته القاهرة بشدة. أيضاً، وصلت الخلافات المصرية- السودانية، مطلع العام الحالي، إلى حد دفع البعض إلى الحديث عن «احتمال نشوب حرب» بينهما، بخاصة بعد تداول تقارير عن انتشار حشود عسكرية مصرية، على الحدود الإريترية- السودانية، وسحب الخرطوم سفيرها من القاهرة. هذا، من دون مراعاة لخصوصية العلاقات بينهما، بحكم الجوار والتشابك في المصالح، والتداخل التاريخي والجغرافي والسكاني الممتد منذ قرون.

صحيح أن احتمال نشوب حرب مصرية سودانية، هو احتمال بعيد جداً من الواقع، بل وربما يكاد يكون مستحيلاً؛ إلا أنه يبقى من الصحيح، كذلك، أن التوتر يكاد يكون السمة الغالبة للعلاقات بين البلدين، ما يؤشر إلى عدد من الدوافع وراء التقارب المفاجئ، على رغم وجود اختلافات واضحة حول عدد من القضايا المهمة، خصوصاً ما يتعلق منها بالوضع الإقليمي.

ربما يستند التقارب الأخير بين القاهرة والخرطوم إلى وساطات عربية، وبالأخص خليجية، بهدف احتواء التوتر الناشب بين العاصمتين، نتيجة الزيارات القطرية والتركية، وتحديداً مع ارتفاع مستوى علاقات السودان مع أنقرة. هذا أحد الاحتمالات؛ أما الاحتمال الآخر فيرتكز على قاعدة «ضرورة ضبط عقارب الساعة» بين البلدين، كأساس يقوم عليه اعتماد كل منهما لضرورة التعاون جدياً مع الآخر، على الأقل من منظور إمكان تأثير الملفات الإقليمية سلبياً فيهما معاً. أياً ما يكن الأمر، فإن التقارب المفاجئ بين القاهرة والخرطوم، لا يمكن استمراره إلا في حال وجود تفاهمات جدية بينهما حول هذه الملفات الإقليمية، والقضايا المتعلقة بها.

فمن جهة، هناك ملف سد النهضة الإثيوبي الذي اتخذت القاهرة والخرطوم تجاهه مواقف غير موحدة؛ ففي حين تختلف القاهرة مع الخرطوم، في شأن ما تراه من دعم سوداني لإثيوبيا، تميل الخرطوم إلى محاولة إظهار «موقف متوازن»، عبر الالتزام بالاتفاقيات السابقة مع مصر، وفي الوقت نفسه مساندة أديس أبابا في مسألة السد. والاختلاف المصري - السوداني، في هذا الشأن، مسألة منطقية من حيث إن عدم وقوف السودان بجانب مصر - وكلاهما دولتا المصب لنهر النيل - وإنما بجانب إثيوبيا، دولة المنبع، يؤثر لا شك في موقف القاهرة، ويجعل مطالبها بوقف بناء السد حتى استكمال الدراسات في شأن آثاره السلبية، غير ذات جدوى.

وهنا، فإن ضرورة التفاهم حول هذا الملف، المعقد والشائك، تتبدى ضرورته في تقاطع المصالح بين مصر والسودان، في نقطة رئيسة تتمثل في الغذاء والكهرباء. فعلى الجانب المصري، تتبدى أزمة الاكتفاء الغذائي، الأمر الذي دفع الدولة إلى اعتبار مشروع استصلاح 1.5 مليون فدان مشروعاً قومياً؛ ومن ثم، فإن امتلاك السودان ملايين الأفدنة «الخصبة» التي تحتاج إلى الاستثمار، يُمثل أحد عوامل التقارب بين البلدين، في حال تمكنت مصر من ضخ المزيد من الاستثمارات، لاستغلال بعض هذه الأراضي في إنتاج نسبة النقص في غذائها، بشكل آمن ومستمر، ويضمن لها التفاهم مع الخرطوم في شأن سد النهضة. أيضاً، فإن حاجة السودان إلى الكهرباء، يُمكن مصر أن تُساهم في تغطيتها، خصوصاً أنها حققت فائضاً في إنتاج الكهرباء خلال السنوات الماضية. بذلك، تلتقي القاهرة والخرطوم، حول الغذاء والكهرباء، وهو ما يحرم إثيوبيا من إحدى الأوراق في علاقتها مع السودان، أي الوعد بإمداده بكهرباء سد النهضة.

من جهة أخرى، هناك الملف الليبي الذي يُعد من أبرز نقاط الخلاف بين البلدين؛ فمصر تُساند عملية الكرامة التي يُنفذها الجيش الوطني الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، في حين يتوجه الموقف السوداني إلى دعم الفصائل «ذات الخلفية الإسلامية» المقاتلة في ليبيا، وعلى رأسها جماعة «الإخوان المسلمين»، والميليشيات المنتمية إليها وفي مقدمتها ميليشيات «فجر ليبيا»؛ وهو ما يعني تناقض التوجهات السياسية لكل من القاهرة والخرطوم. هذا، فضلاً عن استضافة السودان بعض الهاربين من مصر من أعضاء الجماعة، واتخاذ الكثير منهم السودان كنقطة للوصول إلى قطر وتركيا؛ وهو الأمر الذي دفع القاهرة إلى اشتراط الموافقة الأمنية على سفر المصريين إلى السودان، مما أدى بالخرطوم إلى اعتبار هذه الخطوة معادية، ومخالفة لـ «اتفاق الحريات الأربع».

وهنا، فإن الواضح أن العلاقة بين النظام السوداني وجماعة «الإخوان المسلمين» لم تكن جيدة على عكس ما يظن الكثيرون؛ فالنظام السوداني ينتمي إلى فرقة منشقة عن الجماعة، كان قد أسسها الراحل حسن الترابي. ولعل مسيرة النظام السوداني، طوال خمس وعشرين سنة مضت، تؤشر إلى درجة الاختلاف القائم بينه وبين «الإخوان المسلمين» المصريين. ومن ثم، فإن درجة التفاهم بين القاهرة والخرطوم، حول الملف الليبي ومسألة الجماعة، والاتفاق على خطوط رئيسة تُراعي الأمن القومي المصري، سوف يؤدي إلى التعاون بين البلدين سياسياً واقتصادياً، مما يُمكن أن يُساهم في استقرار العلاقات بينهما.

من جهة أخيرة، هناك ملفات من قبيل قضية حلايب وشلاتين، التي يمكن تجميد الاختلاف بشأنها، على الأقل خلال مرحلة زمنية محددة؛ هذا، بالإضافة إلى ملف العقوبات المفروضة على السودان في مجلس الأمن، تلك الخاصة بحظر بيع الأسلحة للسودان، والتي يتم تمديدها دورياً؛ وهو ما يمكن أن تساهم مصر، ديبلوماسياً، بمشاركة المجموعة العربية، في تخفيف آثاره إلى حين يتم وقف التمديد. إلا أن الملف الأخطر، الذي يحتاج إلى قدر كبير من التفاهم بين القاهرة والخرطوم، هو ذلك المتعلق بالاتفاق مع تركيا، خلال زيارة الرئيس التركي أردوغان، على تسلم إدارة جزيرة سواكن الواقعة في البحر الأحمر، لفترة زمنية غير محددة.

وهنا، فإن التساؤل الذي نطرحه هنا، هو ذلك الذي يدور حول إمكان «المثلث العربي»، مصر والسعودية والإمارات، في الاستثمار من أجل تنمية هذه الجزيرة، التي تمثل نقطة استراتيجية مهمة لأمن مصر والخليج عموماً.

في هذا السياق، يتبدى بوضوح مدى الأهمية التي تدفع مصر والسودان إلى طريق التعاون والاستقرار في العلاقات بينهما، بعيداً من توقيع المزيد من الاتفاقيات؛ إذ، في نظرنا، فإن الاتفاقيات الموقعة بين الجانبين طوال عقود مضت تكفي، وربما تزيد عن الحاجة؛ خصوصاً إذا اعتبرنا أن السودان هو الحديقة الخلفية لمصر، وأن مصر هي الواجهة الأمامية التي لا بد منها للسودان، خصوصاً بعد انفصال الجنوب عنه.
حسين معلوم - الحياة

  • شارك الخبر