hit counter script

مقالات مختارة - نبيه البرجي - الديار

الخطر الإيراني أم الخطر الباكستاني؟

السبت ١٥ آذار ٢٠١٨ - 07:14

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

...وأنت تقرأ الأبحاث المستقبلية التي تصدر في الغرب، لا داعي لأن تستشعر الذهول، أو الصدمة، أو حتى النكبة. ليس فقط لا مكان للعرب في القرن. لا وجود للعرب. البقاء، بكل ذلك الارث اللاهوتي الثقيل، على ضفاف العدم.
هناك تجد تركيا، وتجد ايران، وتجد باكستان. اسرائيل بطبيعة الحال. لن تجد مصر التي يزداد فيها النيل كآبة، بعدما كان المسافر الذي زاده الخيال...
ذاك السؤال الرهيب الذي تطرحه بعض الأبحاث : المنطقة العربية ضاحية ايرانية أم ضاحية باكستانية؟
يقولون ان ايران تحاول المساكنة بين الايديولوجيا الصاخبة والبراغماتية من جهة والتحديث التكنولوجي من جهة أخرى. ثمة حضارة فارسية مترامية. ولن تستطيع اللوثة اللاهوتية، بايقاعها الجنائزي، أن تدفع بالتاريخ الى الزاوية. لا مجال للعمامة أن تلقي أرضاً بالخوذة التي على رأس قوروش أو ارتحششتا.
باكستان ابتعدت عن تاريخ شبه الجزيرة الهندية. مؤسسها (الشيعي) محمد علي جناح قرر اقامة نظام اسلامي لتكريس البنية العقائدية للدولة في مواجهة النرفانا في الوعي، أو اللاوعي، الهندوسي.
لهذا أوكل الى المفكر النمساوي ليوبولد وايس الذي اعتنق الاسلام، وبات اسمه محمد الأسد، أن يستخلص من القرآن والحديث، هيكلية الدولة. بعد عامين من التنقيب في النصوص، وفي ما وراء النصوص، لاحظ ألا أثر لذلك الشيء الذي يدعى النظام الاسلامي.
الدولة التي ولدت حديثاً، واسمها بالأردية «اسلامي جمهورية باكستان»، اعتمدت العبارة الفضفاضة اياها «الاسلام دين الدولة»، حتى اذا ما ظهر أسامة بن لادن في أفغانستان، ومعه تنظيم القاعدة، كان لنخب اسلامية، متشددة في مواجهة التعصب الهندوسي، ولقبائل متداخلة، أن تتفاعل مع تلك الهيستيريا الديماغوجية.
ثمة باحثون يرون أن باكستان، وبالرغم من المؤسسة العسكرية التي أخذت الكثير من القيم الانكليزية، قد تتحول، ومعها ترسانتها النووية، وبتأثير التفاعلات السوسيولوجية والجيوبوليتيكية، الى الراديكالية الدينية.
بعض الأبحاث لا يستبعد أن تحتل باكستان، بالحمولة الديموغرافية (أكثر من 200 مليون نسمة)، وبجيشها القوي، أفغانستان، بعد ذلك النزاع الحدودي الطويل، وقد تفكر بتفكيك ايران، وصولاً الى الأرض العربية.
الباحثون يرون أن الصراع السعودي ـ الايراني، وحيث قرع الطبول ينحو، بايقاع دراماتيكي، الى الذروة، تمكن من ارساء «أسوار الكراهية» بين السنّة والشيعة، دون أن يكون بالامكان هدمها في العقود المقبلة.
رجب طيب اردوغان حاول أن يلعب جيوبوليتيكياً وايديولوجياً ليتوج سلطاناً على السنّة. مشكلته أنه حاول أن يستخدم «الاخوان المسلمين» كـ«نيوانكشارية» في البلاط النيوعثماني، بحسب نظرية أحمد داود أوغلو الذي دعا الى اقامة الكومنولث العثماني.
مشكلته الأخرى أن تركيا دولة مركبة اتنياً وطائفياً. بالاضافة الى كل مظاهر القوة، هناك الهشاشة البنيوية التي ظهرت بعد رقصة الفالس الطويلة فوق جثث السوريين. بدت تركيا نفسها مهددة بالانفجار.
باحثون غربيون لاحظوا مبادرة جنرالات باكستانيين الى طرح هذا السؤال «لماذا ايران وليس نحن؟». الشيعة أقلية في باكستان (نحو 20في المئة). هذا لا يحد من النظرة الأمبراطورية التي بدأت تتشكل حتى داخل المؤسسة السياسية اذا كان لا بد من التوازن مع «الامبراطورية الهندية».
الباكستانيون يدركون مدى الارتجاج الدموي داخل الحالة العربية. كثيرون منهم درسوا في كمبريدج واكسفورد، ويعلمون أن القوة النووية وحدها لا تكفي وحدها لتكريس الدولة بالتأثير الاستراتيجي المتعدد الأبعاد.
هنا لا بد من الاشارة الى أن ساسة باكستانيين طالبوا، وفق منطوق الشريعة الاسلامية، بـ«حصتنا من النفط والغاز»، دون أن يتنبهوا الى أن المملكة التي دفعت المليارات لبناء «القنبلة الوهابية» في باكستان، هي من مولت صناعة القنبلة النووية.
لا يعوز الباكستانيين الخيال ليتطلعوا الى قيادة «العالم السني». وحين يكون الجنود الأتراك في قطر، لماذا لا يكون الجنود الباكستانيون في السعودية ؟ هذا ما حصل وما يحصل الآن.
قد لا يحول شيء دون تحقيق ذلك اذا ما أخذنا بالاعتبار حساسية الاحتمالات في الباسيفيك، وانعكاساتها على الشرق الأوسط. لنتذكر أن العثمانيين أتوا من هناك. المغول أيضاً...
العربي لا يزال ذلك البدوي التائه على ظهر ناقة...!
نبيه البرجي - الديار

  • شارك الخبر