hit counter script

مقالات مختارة - ران هاليفي

كباش إيراني - إسرائيلي وروسيا وحدها الحَكَم

السبت ١٥ شباط ٢٠١٨ - 06:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية - لو فيغارو

يشير المؤرّخ إلى أنّها المرّة الأولى منذ عقود، التي يتمكّن فيها النظام السوري من إسقاط طائرة مقاتلة للجيش الإسرائيلي.
«قصرٌ في الغابة»: هذه هي الصورة التي كان يحبّ الإسرائيليون إبرازَها في وصفِهم لوضعِ بلدهم وسطَ الشرق الأوسط الذي دمّرته صراعات دامية، مجازرُ جماعية وكوارثُ إنسانية. من «الربيع العربي» إلى هزيمة «الدولة الإسلامية» ومروراً بالحروب الأهلية في العراق وفي سوريا، ظلّت الدولة العِبرية بعيدة عن الفوضى الإقليمية.

فكانت تُراقب من قريب بيئتَها المحيطة، وتُحصّن جهازها الدفاعي ولم تَحرم نفسها، حين لزمَ الأمر، من إجراء ضربات جراحية على أهداف محدّدة: كقوافل أسلحة مُرسَلة من إيران إلى لبنان لصالح «حزب الله» أو مشاغل تصنيع صواريخ عالية الدقّة أو البُنى التحتية للجيش السوري أو بطارياته المضادة للطائرات أو موقع تصنيع الأسلحة الكيميائية بالقرب من حماة. نتكلّم عن المئات من العمليات التي أُجريَت خلسةً وبلا عقاب، بعيداً من الكاميرات والميكروفونات.

تمَّ إنهاء هذه الحالة من الصراع الكامن فجأةً بعد الاشتباك الأخير الذي كاد يتطوّر إلى حرب جديدة: إسقاط طائرة إيرانية بلا طيّار دخَلت المجال الجوّي الإسرائيلي وفقدان طائرة قتال تابعة لجيش الدفاع الإسرائيلي والتي ضربتها البطاريات السورية، والردّ الإسرائيلي الذي تبعَ ذلك على مستوى غير مسبوق منذ 35 عاماً. وهنا نقطة تحوُّل تفتح صفحة جديدة في الحرب الصمّاء بين إسرائيل وإيران، إضافةً إلى سوريا.

ولأوّل مرّة، هجَم الإيرانيون في وضَح النهار، من دون وساطة عملائهم المعتادين. ما زلنا نستطيع التعليق طويلاً حول أسباب إطلاق الطائرة بلا طيّار من قبَل حرس الثورة الإسلامية، والتي تمَّ رصدها عندما أقلعت قبل ضربها. أكان خطأ مِلاحي؟ أم استفزاز مقصود؟ أم بعثة استطلاع؟ على كلّ حال، ما إن طار الجهاز حتّى تمَّ إرسال الطائرات الاسرائيلية بالقرب من تدمر لتدمير الوحدة المتنقلة، مع استهداف «المستشارين» الإيرانيين عمداً.

ولكن، للمرّة الأولى منذ عقود، نجَحت صواريخ سوريّة في إسقاط طائرة قتال جيش الدفاع الإسرائيلي فوق الجليل، في حين أنّه طوال الحرب الأهلية، كان يمتنع نظام دمشق عن الردّ على الضربات الإسرائيلية على أراضيه: إستعاد الأسد بعضاً من حرية التصرّف التي أمَّنتها نجاحاته في الحرب الأهلية، ولا ينوي حِرمان نفسه منها بعد الآن.

ولأوّل مرّةٍ أيضاً، كانت تستهدف عمليات الانتقام الإسرائيلي دفاعَ سوريا الجوّي – الذي دُمّر إلى حدّ كبير – بالإضافة إلى العديد من مواقع الاتصال الإيرانية.

وأخيراً، وللمرّة الأولى منذ فترة طويلة، كان بإمكان السوريين والإيرانيين إثارة إعجابِ جمهورهم من خلال عرضِ صورِ حطام الطائرة المحروقة التي تمّ إسقاطها، وقد نشرَتها... السلطات الإسرائيلية قبل أن تغيّرَ رأيَها، ولكن كان قد فات الأوان.

سَمحت هذه الفرصة، والصدفة السعيدة، بتزيينِ الذكرى السنوية للثورة الإسلامية الإيرانية في طهران، والتي يُحتفل بها بأسلوب مميّز مع اسعراضات وخطابات عسكرية، ناهيك عن محرقة أعلام الشيطان الأميركي والأفعى الصهيونية.

دورةُ العنف هذه أصبحت مغلقةً، لكن لم يتمّ ضبط أيّ شيء حتى الآن. الإيرانيون والإسرائيليون ما زالوا متواجدين على مسارٍ يعرّضهم لعمليات تصعيدٍ محفوفة بالمخاطر.

لا تنوي طهران التخلّي عن الفوائد الاستراتيجية لمشاركتها في الحرب الأهلية التي تدور في سوريا. وكان حرّاس الثورة الإيرانية، ومِن بَعدهم «حزب الله» والميليشيات الشيعية الأخرى، قد هبّوا لمساندة نظام بشّار الأسد، الذي يدين لهم ببقائه.

تسيطر الجمهورية الإسلامية اليوم على 4 عواصم عربية، هي صنعاء وبغداد وبيروت ودمشق. ووجودُها على الأرض السورية هو جزء من استراتيجية إقليمية تهدف إلى ترسيخ غلبةِ محورٍ شيعي. ما يفسّر مشاريعَها في سوريا لبناء مرفأ ومطار وقواعد عسكرية، ومنشآت لتصنيع صواريخ عالية الدقة لتسليح «حزب الله».

وبالنسبة للدولة العبرية، هذه كلّها مجموعة من الخطوط الحمراء التي نجحت في فرضِ احترامها حتى الآن. ولكنّها لا تنوي تحمُّل وجودِ ميليشيات شيعية مسلّحة على عتبةِ أبوابها. وحينها فقط، سيكون من الصعب عليها تنفيذ عمليات في سوريا من دون أن تتعرّض لعمليات انتقامية عنيفة. والإصرار العنيد لكِلا الطرفين يَجعل الكِباش بينهما أمراً حتمياً.

ولا يستطيع أيّ منهما التراجع، لأنّهما يَعتبران أنَهما يستغنيان عن مصالح أساسية. والقوّة الوحيدة اليوم القادرة على تفريقهما هي روسيا. وكان الرئيس بوتين هو من وضَع حدّاً للمواجهة العسكرية بعد أن طلبَ من إسرائيل إيقافَ اعتدائها.

وبعد هذه الحادثة، تمكنّا من قياس حجمِ الهيمنة التي تفرضُها موسكو في هذه البقعة من العالم، التي استغنَت عنها عملياً الولاياتُ المتحدة. ويدير الروس الأزمة الحالية بنفس الشراسة البراغماتية التي أظهروها في أماكن أخرى. فلم يَمنعوا الطائرة الإيرانية بلا طيّار من دخول المجال الجوّي الإسرائيلي، ولم يمنعوا إطلاق الصواريخ السورية على طائرات جيش الدفاع الإسرائيلي.

كما أنّهم لم يمنعوا الإسرائيليين خلال السنوات الماضية من قصفِ أهدافٍ لإيران و«حزب الله» في سوريا ولبنان، طالما إنّ هذه العمليات لم تُهدّد نظام الأسد، أو مصالحَ روسيا وقواتها العسكرية على الأرض. وحتى هذه الساعة، لا يَسمح الروس للميليشيات الشيعية بالاقتراب من الحدود الإسرائيلية في الجولان، ولكنّهم يضحّون بهم لخدمة الديكتاتور السوري.

ويبقى الرئيس بوتين وحده القادر على فرض الخطوط الحمراء في سوريا، خطوطِه الخاصة. ولكنّه غير متأكّد من أن يكون هو نفسُه قادراً على منعِ نشوبِ أعمالٍ عنفية تتحضّر لها بالفعل أطرافُ اللعبة.

  • شارك الخبر