hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

فقدان رفيق الحريري... فقدان بعض الأمل

الأربعاء ١٥ شباط ٢٠١٨ - 06:18

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أكثر ما يحزن بعد ثلاثة عشر عاماً على اغتيال رفيق الحريري في بيروت يوم الرابع عشر من فبراير 2005، ذلك الشعور بأنّ اللبناني فقد الأمل في مستقبل أفضل له ولأفراد عائلته. لم يفقد كلّ الامل بعد، لكنّه فقد بعضه إن لم يكن الكثير منه.
هناك شعور بفقدان الأمل الذي كان يمثّله رجل عرف كيف يعيد الحياة إلى بيروت وكيف يعيد لبنان إلى خريطة الشرق الأوسط. هناك حتّى شعور بأنّ ثمّة إهمالاً للتفاصيل الصغيرة والكبيرة مثل أخلاق الناس وطريقة تصرّفهم في الشارع. حتّى الطرقات لم تعد تجد من يريد إصلاحها. لم يعد هناك من يؤمن بأنّ الرصيف يجب أن يكون موجوداً. هناك إهمال ليس بعده إهمال لمظاهر وجود دولة تعمل من أجل البناء والإعمار. إنّها دولة تعمل فعلاً من أجل إعادة الكهرباء وإيجاد سبل للانتهاء من أزمة النفايات في عالم يستطيع توفير حلول سهلة ومربحة في الوقت ذاته لمشاكل من هذا القبيل.
طاول الإهمال وسط بيروت الذي كان حلم رفيق الحريري الذي تحقّق والذي لم يعد يجد من يعتني بأرصفته ولا بمنع الوقوف في أماكن ممنوعة. تتسلل الفوضى إلى وسط بيروت من أجل يكون امتداداً للتخلّف والعشوائية بدل أن يكون منطقة نموذجية يجري تعميمها ليس على العاصمة وحدها، بل على كلّ لبنان أيضاً.
كلّ ما هو متوافر حالياً أمام اللبنانيين يتمثّل في الذهاب إلى انتخابات نيابية مؤجلة منذ أربع سنوات من أجل أن يكون هناك مجلس جديد للنواب يمتلك فيه «حزب الله» أكثرية، ولو أكثرية بسيطة لا تسمح له بتعديل الدستور. يُفترض في اللبنانيين إعداد أنفسهم منذ الآن إلى أنّ «حزب الله» سيكون قادراً على عمل الكثير بفضل أكثرية النصف زائدة صوتاً واحداً في مجلسّ النوّاب.
في أيام رفيق الحريري، كانت الوصاية السورية قائمة، لكنّه كان لا يزال هناك أمل في التخلّص منها وبيوم لا يعود فيه «حزب الله» الحزب المهيمن على البلد بالتفاهم مع النظام السوري. لم يكن «حزب الله»، في أيّام رفيق الحريري في حاجة إلى أن يكون ممثّلا في الحكومة بسبب كثرة ممثلي النظام السوري فيها، لكنّ مشروع الإنماء والإعمار كان يتقدّم. كان هناك عرب يأتون إلى لبنان كسيّاح وكمستثمرين. لعلّ أخطر ما نشهده الآن يتمثّل في عزلة لبنان عربياً من جهة والرغبة العميقة لدى فئة معيّنة في منع قيام أيّ مشروع حقيقي يصبّ في تحسين وضع البنية التحتية من جهة أخرى.
توجد نيّة لدى جهات كثيرة في نشر البؤس في البلد استكمالاً للانقلاب الكبير الذي بدأ تنفيذه قبل اغتيال رفيق الحريري في يوم «عيد الحبّ». بدأ الانقلاب مع التمديد لإميل لحود، رئيس الجمهورية وقتذاك، رغم صدور القرار 1559 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. من الواضح أنه كانت هناك ولا تزال توجد رغبة واضحة لدى جهات عدّة في أن يكون لبنان «ساحة» لحروب الآخرين ولا شيء آخر غير ذلك. مطلوب أن يكون لبنان مجرّد ورقة إيرانية وقبل ذلك ورقة لدى النظام السوري الذي عاش على سياسة الابتزاز... ابتزاز العالم وابتزاز المجتمع الدولي.
لا يزال لبنان يقاوم، لكنّ هذه المقاومة اللبنانية تزداد ضعفاً مع اقتراب موعد الانتخابات التي تجري في ظلّ قانون وضع من أجل تفتيت كلّ المجموعات التي ترفض مشروع «حزب الله» وتشكل حجر عثرة في وجهه. هنا تكمن الخطورة وهنا تكمن نقطة الضعف اللبنانية بعد تمرير قانون للانتخابات وضع على قياس تلك الميليشيا الايرانية التي ليست سوى لواء في «الحرس الثوري».
يقاوم اللبنانيون الذين يعرفون تماماً مَن اغتال رفيق الحريري ومن سعى إلى تدمير كلّ مؤسسات الدولة اللبنانية. يفعلون ذلك منذ ما قبل تفجير موكب رفيق الحريري وقبل اليوم الذي تعرّض فيه مروان حمادة لمحاولة اغتيال نجا منها بأعجوبة الأوّل من أكتوبر 2004.
لا تزال هناك نواة لمقاومة يجسدها سعد الحريري رئيس مجلس الوزراء الذي يعرف معنى انهيار الحد الأدنى من الاستقرار الذي ينعم به بلد فيه حزب مسلّح بات شريكاً في الحرب على الشعب السوري ويلعب أدواراً في العراق والبحرين واليمن، ويسعى إلى وجود في كلّ دولة من دول المنطقة من منطلق ميليشيوي ومذهبي ليس إلّا. يظل السؤال في نهاية المطاف أن لبنان عانى الكثير من إيران، التي تستخدم «حزب الله» في مشروعها التوسّعي الذي بات يتجاوز البلد. هل هناك رغبة دولية جدّية في التصدي لهذا المشروع الذي يكاد يقضي على لبنان أم لا؟
تبقى المقاومة الخيار الوحيد أمام اللبنانيين في بلد يعاني من سياسة إيرانية تصبّ في عملية تطويع للبلد تتكلّ على امتلاك النفس الطويل. فمن اغتيال رفيق الحريري وصولاً إلى قانون الانتخابات الحالي، كانت حرب صيف 2006 وكان الاعتصام في وسط بيروت وكانت غزوة بيروت والجبل في مايو 2008 وكانت بالطبع سلسلة الاغتيالات التي استهدفت اللبنانيين الشرفاء فعلاً، بما في ذلك جبران تويني وسمير قصير كي يحلّ بجريدة «النهار» ما حلّ بها وبالصحف اللبنانية الأخرى التي تعاني من أزمات لم يسبق أن مرّت بمثلها في يوم من الايّام. هناك خيط رفيع يربط بين كلّ الأحداث التي تلاحقت بين 2005 و 2018. هذا الخيط هو كيف وضع لبنان مجدداً تحت الوصاية.
بعد ثلاثة عشر عاماً على غياب رفيق الحريري، يفتقده لبنان أكثر من أيّ وقت. تزداد الحاجة إليه في منطقة تغيّرت فيها التوازنات كلّيا بعد كلّ الذي حصل في سورية. العزاء الوحيد أنّ دمّه لم يذهب هدراً. أخرج الجيش السوري من لبنان وسيخرج بشّار الأسد من سورية عاجلاً أم آجلاً. لكنّ نقطة الضعف الأساسية تبقى في غياب مشروع لبناني جامع يستطيع الوقوف في وجه ما يعدّ له «حزب الله» ومن خلفه إيران. يُضاف إلى ذلك، أنّ الدعم العربي للبنان صار غائباً، بل شبه معدوم. صحيح أنّ لبنان ساقط عسكرياً، لكنّ الصحيح أيضاً أنّه لم يسقط سياسياً بعد سقوطاً تاماً. هناك قوى لبنانية تقاوم وهناك دول ما زالت تدعمه وتعرف معنى استخدامه كـ«ساحة» صراع بين قوى إقليمية ودولية وابعاد ذلك.
نعم، يشعر اللبناني بفقدان الأمل. يشعر أن القليل بقي من حلم رفيق الحريري. لكنهّ يشعر أيضاً أنّ المشروع البديل من لبنان ليس قابلاً للحياة، لا لشيء سوى لأنّه مرتبط بفكرة نشر البؤس والتخلّف لتطويع اللبنانيين بدل نشر العلم والثقافة ودعم الجامعات وتخريج طلاب لبنانيين من أفضل جامعات العالم، كما فعل رفيق الحريري.
هذا المشروع البديل من مشروع رفيق الحريري، المرتبط أصلاً بثقافة الموت، يمكن أن يقضي على لبنان إذا لم يجد من يتصدّى له عبر مشروع مضاد متكامل. إنّه مشروع مضاد يستند إلى إيمان المجتمع اللبناني بثقافة الحياة والبدء بترميم بيروت وإعادة الاعتبار الى الرصيف قبل أيّ شيء آخر... وصولاً إلى الاقتناع بأنّ لا سبيل للتعايش مع سلاح غير شرعي يعمل يومياً على جعل مؤسسات الدولة اللبنانية، وما بقي منها تتآكل من الداخل.
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر