hit counter script

الحدث - جوزف قصيفي

إسقاط الـ"أف 16" ومعادلة "الرد بالرد... والبادئ اظلم"

الثلاثاء ١٥ شباط ٢٠١٨ - 06:09

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

إسقاط الدفاعات الجوية السورية لطائرة "اف ١٦" اسرائيلية، كان الحدث الابرز الذي خطف الاضواء دوليا واقليميا حاملا معه رزمة من الرسائل في غير اتجاه. فهذا التطور الخطير الذي اقتحم المشهد السوري بكل تعقيداته وامتداداته، سوف يؤسس في طالع الايام لنهج جديد من التعامل مع الدولة العبرية التي تعمل على اطالة امد الحرب الكونية على دمشق، ليس بغرض ضرب النظام فحسب، بل لفرض واقع جديد يطاول بنية الدولة السورية ووحدة راضيها، والقضاء على السيادة الوطنية، ومحاصرة سوريا من خلال اقامة شريط حدودي في جنوبها تكون اليد الطولى فيه لاسرائيل، اضافة الى مناطق عازلة يسيطر عليها الاكراد في "كانتونات" مستقلة بدعم مباشر من واشنطن في كل من شرقي البلاد وشمالها، عدا منطقة نفوذ تركي يصر الرئيس رجب الطيب اردوغان تثبيته عبر انتهاج سياسة بهلوانية تستفيد من التناقضات الدولية القائمة على الارض بين الولايات المتحدة الاميركية وروسيا الاتحادية، وكذلك من الصراع المكشوف بين المملكة العربية السعودية وايران.

ان اسقاط الطائرة الاسرائيلية ينبئ من دون شك بتغيير قواعد اللعبة، ويبعث برسالة قوية الى رئيس وزراء الكيان العبري بنيامين نتنياهو بان زمن الاستفراد قد ولى، وان لا مجال بعد اليوم لعربدة طائراته من دون رادع، وان السلاح النوعي الذي تمتلكه سوريا التي حصلت عليه من موسكو لن يبقى حبيس المستودعات والمخازن، وعرضة للغارات التي تستهدفها، من دون ردع ايا تكن النتائج.
وتفيد التقارير ان روسيا التي كانت تحث النظام في كل مرة تتعرض فيها مواقعه داخل سوريا على ضبط النفس، والسكوت على مضض، لن تتدخل هذه المرة لثنيه عن سلوك المواجهة. وهي ازدادت اقتناعا بأن معادلة جديدة يجب ان تنشأ على قاعدة: كل اعتداء يواجهه رد بحجمه، فلا ضبط ولا انضباط عندما يتعلق الامر بسيادة سوريا برا، جوا وبحرا ايا تكن النتائج. فالاسلحة النوعية التي حصلت عليها دمشق لا يجوز ان تتحول نوعا من "ماتش بوكس". انما هي للرد على طريقة: "كل ضربة تقابلها ضربة، والبادئ اظلم"، ولا يعني ذلك ان سوريا تمشي الى الحرب، لكنها تتوسل الردع سبيلا لوقف الاعتداء، وعدم الاخلال بقواعد اللعبة والا ستجد نفسها، مضطرة للاخلال بها بدورها، متحررة من اي التزام او تعهد سواء تم الاتفاق عليهما او لم يتم. وقد فوجئت اسرائيل بحجم الرد عليها ونوعيته، كما فوجئت بالنتيجة، ووقعت في حال من الارباك. وهي حال دفعتها الى مراجعة موقفها، والبحث بعمق وجدية في تداعيات ما حصل، وعدم الاستهانة به. وهذا ما عكسته وسائل اعلامها، وتحليلات كتابها السياسيين ومعلقيها العسكريين. ان قواعد اللعبة تغيرت ولا مجال للمكابرة، وروسيا التي دخلت على خط التهدئة لم تنكر حق دمشق في حماية اجوائها لان ما حصل ضدها هو اعتداء على سيادتها الوطنية، وهي لا تزال تلملم آثار الضربة الموجعة التي تمثلت باسقاط طائرة "سوخوي ٢٥" تابعة لسلاحها الجوي وقتل طيارها في ادلب بواسطة دفاعات جوية متطورة اميركية الصنع تسلمتها قوات من المعارضة على تواصل وتنسيق مع واشنطن.
ويمكن - بشكل او بآخر - اعتبار اسقاط الطائرة الاسرائيلية رسالة مقروءة المباني والمعاني الى كل من يهمه الامر ولاسيما ادارة الرئيس دونالد ترامب. ويبدو ان الحبل على الجرار بحيث لن تمر اي محاولة خرق للمجال الجوي السوري من دون رد مناسب. وتقول المعلومات ان الرئيس الروسي ڤلاديمير بوتين ابلغ بنيامين نتنياهو الذي اتصل به بعد الحادثة، ان بلاده لن تغل يدي الرئيس بشار الاسد اذا واجه اي اعتداء بما استطاع من امكانات، وهي لن توجه له اي لوم ولن تسوق اي اعتراض اذا دافع عن ارضه واجوائه ومياهه، لان حق الدفاع كرسته الاعراف والمواثيق الدولية، ولا مجال لتجاهل هذا الموضوع.
ان الرد السوري فضلا عن الدوي السياسي والعملاني الذي احدثه، حقق حالة استنهاض معنوية في الداخل السوري ولدى كل قوى الممانعة على امتداد العالم العربي، واوحى بولادة زمن آخر مختلف. ولعل من اسباب التشجيع الروسي الضمني، وسكوتها عن تحريك "الستاتيكو" الاقليمي ودفع اللعبة في اتجاه مختلف يعود اساسا الى استيائها من الدور المزدوج الاسرائيلي - الاميركي الذي يمنع بالنار جوا وبرا في بعض الاحيان الجيش السوري من التقدم في بعض المناطق، وخصوصا في دير الزور وريف حمص ومنعه من تحقيق انتصارات كبرى على معارضيه، في مسعى مكشوف لاجهاض محاولة استعادة ما تبقى من مناطق الى كنف الشرعية.
باختصار امام نتنياهو خيارين: اما ان يبلع الموسى في انتظار تطور ما يسمح له بالانتقام، أو ان يقدم على مغامرة لن تكون محمودة العواقب لانها قد تؤدي الى حرب ليس مستعدا لها ولا يبدو ان المجتمع الدولي مهيئ حاليا لاستيعاب تداعياتها.
 

  • شارك الخبر