hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

نجيب بعقليني لعصام سليم عن كتابه الجديد: حبات براقة تحمل الود

الإثنين ١٥ شباط ٢٠١٨ - 11:29

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ألقى الأب الدكتور نجيب بعقليني كلمة في حفل توقيع كتاب الأستاذ عصام سليم "حبات من على الطريق"، وجاء فيها:

"لئن يُطلب منك الكتابة عن مؤَلَّف، لهو بالأمر الصعب. إذ يتوجب عليك الإحاطة بمضمون الكتاب وما رماه الكاتب من خلال ما كتب. فكيف إذا كان الكاتب صديقًا عزيزًا، تحمل له نفسُك كلّ الإحترام والمحبة والتقدير؟!
هنا تبدو المهمّة شاقّة وشيّقة في آن، تدفع بك إلى التهيؤ لعبور مرحلةٍ من حياتك، تنهل منها لا من الكتاب فحسب، بل مما يخزنه عقلك وقلبك، عن فرادة هذا الملتحف بدفتيّ وَليدِهِ، يحتضنه ويتدثّرُ به، فتحاول أن تُلبسه، مما خاط، بعضًا من أناهُ وإنسانيته المميّزة...
هو الصّديق الأستاذ عصام سليم، والحديث عنه وإن كثرُ لا يطول ولا يطاله...
لكنني في حضرتكم وحضرته الليلة، سأكتفي ب "حبّات" من على طريقهِ هو، أصوّرها على طريقتي، علني أهديه من عِطرِ وروده، بعضًا من ريحها.
"حباتٌ من على الطريق" ، عنوانٌ لافت.
 وكأنّي به يجمع الحصى، أجملها، ليرسم لمن ارتضى المسير إلى جانبه، على الطريق، أن يتلمّس روحه ويقرأه. يقرأه هو، في كتابٍ ، حوى حصاد بيدره، الذي تآلف والفلسفة المدموجة باللاهوت الإنسانيّ والروحانيّ والأدبي، وشذراتٍ من الذاكرة، على أمل أن ينسى معها، ومن خلالها، مطحنة الشرّ. تلك التي أراقت وعلى مدى عصور، بحيرات من الدمّ، تهدف بها تطهير النفوس من دنس الخطايا، كما حصل لأدونيس ( ص 99). غير أن دموع عشتروت أطفأت نيران الحقد، فروت الدّماء الحقول، ونبت الأقحوان الأبيض (ص 100)
لا أعلم إن كان ما كتبه "تساؤل العارف" أم حصاد السنون؟ أم أن إشكالية العلاقة بين الله والإنسان أغنت فكره، ورسمت مسارات وجوده، فأدرك أن تلك اليد الخفيّة التي تلغي دور العقل، هي ولا شك عنايةٌ إلهية أسلم معها صديقنا غَدّهُ، لِمن يعرف تمامًا أن يهتم به. فتجده في مطلع الكتاب يناجي الإله ويمجّده. ليسبّحه لاحقّا ببساطة لغة الأطفال التي ملأت قلبه بالإيمان. فراح معها يطرحُ الأسئلة الوجودية حول ماهية وجود الله، وصراع الحضارات، ويشير إلى "نقص المناعة الأخلاقية "لدى البشر، بصرخة المستغيث المتشبث بسلّم القيم. ويناقش بفكر نيّرٍ، غذّته الفلسفة، مسائل عدة: عن الزمن والبقاء والزوال والعدالة والثواب والعقاب، بالرّغم من يقينه واقتناعه بأن وحده "النور"، أي يسوع المسيح، يبقى الأقوى، فمتى أشرق لا يعود للظلام وجود.
عصام سليم، نهل من خوابيه المعتّقة خمرةً لذّ مذاقها، وفاحت منها رائحة الإنسان الهائم بالله والعاشق له بكلّ دقائقه... سنواتُه التي أثمرت على طريقه فلسفةً خاصة، اختصرت نظريات كُثر. نظرياتٌ حملت تناقضات واشكاليات، اختصرها أستاذ الفلسفة بكلمةٍ اعتبرها ، قادرةٌ على المغفرة وتجاوز الشرً وهي المحبة، بخاصةٍ إذا ما بلغت إلى مستوى الحبّ الإلهي ( ص 77). واكتفى بشحن ذاكرته بزيت الإرادة الطيبة والأمل المشرق ( ص 111). مقتنعٌ هو، بأنّ العلاج الأمثل للصورة الضبابية التي أحبطت النفوس، بسبب " نقص المناعة الأخلاقية"، هو التمسّك بالرّجاء، والعودة إلى منابع القيم الإنسانية والأخلاقية، واتّباع القاعدة الذهبية، التي وحدها، تعيد التوازن إلى العقل البشريّ، وتبثّ الحياة في الضمائر الميتة. تقوم هذه القاعدة على مبدأ أساسي وهو أن " تعامل الناس كما تريد أن يعاملوك". تلك هي الشريعة الطبيعية التي وضعها الله في قلوب البشر جميعًا ( ص 42). وبحسب رأيه، المعاملة بالمثل، قادرةٌ على إعادة البوصلة الإنسانية إلى الإتجاه الصّحيح وحماية النّاس من أنفسهم".
"حبات من على الطريق"، لملمتُها من كتابك يا صديقي، ذاك الذي حاولتَ، من خلاله، تنشيط وعينا الإنسانيّ، ونشر الثّقافة الأخلاقيّة، في مواجهة التراخي والإنحلال، الذي يرمي بأثقاله فوق أكتافنا جميعًا، محاولاً تنبيهنا إلى ما يلفّ عالم اليوم من فوضى، قد تُفقدنا هويتنا، وتطمسُ معالم رقينا الفكري والإنساني والإجتماعيّ، والصورة التي أرادها الله لنا كي نستحق ملكوته.
حباتٌ برّاقةٌ تحمل الودّ الذي عهدناه في شخصك أيها المربي الفاضل، والمحبة اللافتة التي تحتوي بها كلّ من تفيأ تحت أطراف فكرك وفلسفتك.
أيا صديقي، لن أطيل الكلام عنك، وما كتبتَ من عُصارة وجدانك الواعي والواعد، بل سأدعو كلّ من حضر، ومن عرفك مثلي، ومن لم يعرفك بعد، إلى مائدة أدبك الراقي، علّه يستقي منها زادًا لدربه، تلفحه شمسٌ مشرقة، ويملأ قلبه، ببذور ومياه نهر المحبة، التي اعتبرتها ، السور الحصين الذي يحمي من هجمات الشرّ ( ص 37)، علّنا جميعًا، بمعيّتك، نبني وطنًا يستحق " احترامنا واحترام العالم".
بارك خطواتك ودام حبر دواتك الموسوم بالأمل والرجاء والإنسانية". 

  • شارك الخبر