hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

شهران على اغتيال علي عبدالله صالح

الأربعاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٨ - 06:22

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

بعد أيّام قليلة، يمضي شهران على اغتيال الحوثيين (انصار الله) لعلي عبدالله صالح، رئيس الجمهورية العربية اليمنية ثمّ الجمهورية اليمنية من منتصف 1978 الى مطلع 2012. لا يزال السؤال المحيّر يطرح نفسه، كيف يمكن لرجل حذر مثل صالح استطاع البقاء في السلطة كلّ هذه السنوات، ان يقع في الفخّ الذي نصبه له عبدالملك بدر الدين الحوثي الذي يعتقد ان لديه حسابا يريد تصفيته مع ذلك الذي حكم اليمن طوال ما يزيد على 33 عاماً.
من الصعب العثور على جواب عن مثل هذا السؤال، حتّى لشخص عرف صالح منذ العام 1986، حين كان يرفض اجراء حوار صحافي مباشر، إلى أن صار بعد 1995 يريد ان يكون صاحب الأسئلة والاجوبة في المقابلة الصحافية.
ربّما ساهم تبسيط الامور في فهم لماذا استطاع الحوثيون محاصرة صالح في بيته وقتله بطريقة وحشية، بذريعة انّه وراء مقتل حسين بدرالدين الحوثي، شقيق عبدالملك الحوثي، في 2004.
على الرغم من امتلاكه ذكاء فطريا من النوع يجعل منه سياسيا استثنائيا، يظلّ علي صالح إ نسانا بسيطا ذا ثقافة متواضعة. المرجّح انّه كان يعتقد انّ في استطاعته الاعتماد على الذين دعمهم في الماضي من جهة وعلى قدرته على تجاوز كلّ أنواع الازمات من جهة أخرى.
كان يظنّ ان لديه قاعدة شعبية واسعة وانّ القبائل المقيمة في محيط صنعاء والتي تسمّى «قبائل الطوق» لا يمكن ان تتخلّى عنه، خصوصا انّه قدّم لها الكثير طوال سنوات حكمه الطويل. لم يدرك انّ هذه القبائل اختارت السير مع الحوثيين منذ فترة طويلة وانّ زعماءها كانوا يقولون في مجالسهم الخاصة: نخزّن مع الرئيس، أي نمضغ القات معه، ونقاتل مع الحوثي.
جاء عشرات الآلاف من رجال القبائل الى ميدان السبعين في صنعاء في أغسطس الماضي للمشاركة في احتفال ضخم في الذكرى الـ 35 لتأسيس «المؤتمر الشعبي العام»، وهو الحزب الذي اسسه صالح العام 1982 وكان من بين الأدوات التي استخدمها للامساك بالسلطة وتذويب الأحزاب الصغيرة واحتوائها. بعد ساعات قليلة من انتهاء الاحتفال، عاد رجال القبائل من حيث أتوا. تلقّى صالح في ذلك اليوم سلسلة من التحذيرات، من بينها منعه من القاء كلمة طويلة في الاحتفال. اقتصرت كلمته على نص قصير اخضع مسبقا لموافقة الحوثيين الذين نشروا قنّاصين في مواقع تشرف على المنصة التي كان يجلس فيها الرئيس السابق.
كان علي صالح يعرف الحقيقة لكنّه اصرّ على المكابرة. كان يعرف تماما انّ «قبائل الطوق» صارت في مكان آخر، لكنه لم يصدّق لحظة انّ هذه القبائل لن تهب، في اللحظة الأخيرة، لنجدته عندما تصبح حياته في خطر. ذهب ضحيّة المكابرة والايمان والثقة بقبائل كان يعرف تماما انّه لا يمكن الوثوق بها. هل من جاء واشترى هذه القبائل في مرحلة كان يمكن ان تدعم صالح في المواجهة الأخيرة مع الحوثيين؟
قبل ذلك، لم تعد هناك من قوات عسكرية بامرة صالح وذلك منذ اليوم الذي سلّم فيه الرئاسة الى نائبه عبد ربّه منصور في فبراير 2012. من بقي مواليا له من كبار الضباط في القوات المسلّحة، قتل في الصالة الكبرى خلال عزاء لآل الرويشان في صنعاء يوم الثامن من أكتوبر 2016.
كان يتظاهر بالقوّة لكنّه لم يكن يملك شيئا منها على أرض الواقع. لم يبق معه سوى عدد قليل من المخلصين قاتلوا بشجاعة في الأيام الثلاثة التي انتهت باقتحام بيته وتنفيذ حكم أصدره عبدالملك الحوثي بحقّه.
ما يدلّ على ان صالح لم يكن يتوقّع في ايّ وقت ان يدخل «انصار الله» بيته، هو ان معظم الوثائق السرّية التي كانت تعود إليه بقيت سليمة في المنزل. الأكيد ان الحوثيين استولوا عليها ونقلوها الى حيث يجب نقلها.
ما الذي يمكن قوله بعد شهرين تقريبا من اغتيال علي صالح؟ لعلّ اوّل ما يمكن الإشارة اليه هو الافتقاد الى قيادات يمنية استطاعت ان ترث زعامته. كان صالح الشخص القادر على الحوار مع الجميع وعلى تقديم كلّ التنازلات المطلوبة متى تدعو الحاجة الى ذلك. كان رمزا للقدرة على الاخذ والعطاء في اليمن. لم يعد يوجد في البلد من يريد التعاطي مع الآخر. لا يوجد في الواقع ايّ مشروع سياسي يمكن ان يكون موضع اتفاق بين «شرعية»، تبدو في حال ضياع اكثر من أي وقت، وبين حوثيين تحوّلوا الى أداة إيرانية لا اكثر. ما الذي تريده ايران في اليمن حاليا؟ تريد تحويل الشمال الى ما يشبه قطاع غزّة الذي تديره «حماس» منذ منتصف العام 2007.
خسر صالح معركته في اليوم الذي قرّر فيه البقاء في صنعاء بعد وضع الحوثيين يدهم عليها في 21 سبتمبر 2014. بدأ العدّ العكسي للتخلّص منه في ذلك اليوم. كانت المسألة مسألة وقت لا اكثر. جاء التخلّص منه ليؤكّد ان مرحلة الحوار في اليمن صارت من الماضي. كانت الشراكة بينه وبين الحوثيين، وان كانت شكلية ومصطنعة ولا منطق لها، توحي بانّ باب الحوار لم يغلق كلّيا.
بقتلهم علي صالح، لم يغلق «انصار الله» باب الحوار نهائيا فحسب، بل وجّهوا في الوقت ذاته رسالتين: الاولى انّ لديهم رغبة في إقامة إمارة خاصة بهم في مناطق شمالية يمنية على تماس مع السعودية. ليس كلام عبدالملك الحوثي عن «شرعية ثورية» كلاما عابرا. هناك إصرار لدى الحوثيين على الغاء الجمهورية اليمنية التي تأسست في 1962 والعودة إلى الإمامة. بالنسبة إلى عبدالملك الحوثي، الغت «ثورة الواحد والعشرين من سبتمبر 2014» «ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962».
امّا الرسالة الاخرى التي وجهها الحوثيون، فهي تتمثّل في انّهم لن يخرجوا من صنعاء الّا بالقوّة. هل من يستطيع الحاق هزيمة عسكرية بهم تعيدهم الى كهوف صعدة التي انطلقوا منها في اتجاه المحافظات الأخرى وبلغوا عدن والمخا في مرحلة معيّنة؟
اذا كان من درس يمكن تعلّمه من اغتيال عبدالله صالح، فهذا الدرس هو انّ لا امان للحوثيين وانّهم وحدهم الذين يمتلكون مشروعا سياسيا في اليمن تقف خلفه ايران. انهّ مشروع متخلف على كلّ صعيد إلى ابعد حدود ولا أفق له في المدى البعيد، لكنّه مشروع قائم على تحويل اليمن شوكة في خاصرة دول الخليج العربي.
كذلك، يتبيّن الآن انّه لم يكن من بديل لـ «عاصفة الحزم» التي شنها التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية في مارس 2015. لم تكن هذه الحملة العسكرية، بغض النظر عن كلّ ما يقال عنها، سوى ردّ فعل في سياق الدفاع عن النفس في وجه المشروع الايراني في اليمن الذي كان علي صالح من ضحاياه!
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر