hit counter script

مقالات مختارة - بروفسور غريتا صعب - الجمهورية

ماكينزي وسيلة لتمهيد الطريق نحو الإصلاح

الخميس ١٥ كانون الثاني ٢٠١٨ - 06:33

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ليس جديدًا ان تقوم الشركات الاستشارية بتقديم المشورة للحكومات في المنطقة والعالم، وان تضع تقارير تتضمّن خططا طموحة من اجل التحوّل والتنوّع الاقتصادي في البلد بشكل عام.

تتلقى الشركات الاستثمارية في أميركا سنويًا ما قيمته ٢ مليار دولار واكثر لخدماتها. لذلك قد يكون من المجدي فعلًا ان نسأل انفسنا من هم هؤلاء المستشارون الذين أوكلوا مهمة اجراء البحوث واصدار التوصيات وفي الكثير من الاحيان مراقبة التنفيذ.

السؤال الذي يطرح نفسه لماذا الاستعانة بالخبراء الاجانب ونحن لدينا خبراء داخل البلد يستطيعون القيام بذلك؟

للعلم فقط ان الكثير من قيمة وخبرة هؤلاء المستشارين تأتي من عملهم على مشاكل مماثلة في الدول، وهم يعالجون ايضًا الكثير من الامور الواجب تجنبها، كذلك يملكون رؤية واسعة، وهذا غالبًا ما يفتقده المستشار المحلي ولا يستطيع التعاطي معه بشكل ايجابي او بالاحرى الحيادية، ونقل الدروس المستخلصة في اي دولة اخرى قيد الدرس.

جدير بالذكر ان كلمة تغيير تثير الكثير من ردات الفعل المتناقضة، وغالبًا لا يلجأ اليها الناس الا في حال الضرورة، كما هو الوضع في لبنان الآن، سيما ونحن نعاني من تراكم الديون التي باتت خطيرة على الاقتصاد وتترتب عليها فوائد باتت عبئًا نرزح تحته مما يعني انه لا بد من حدوث خضة تعيد خلط الاوراق وتؤدي الى خطة طريق وبرنامج عمل يزيد من الانتاجية وتكافؤ الفرص، ويحدّ من الهدر.

لذلك قد يكون وجود الاستشاري ضرورة لا بد منها والتكيف معه الزامي آخذين بالاعتبار جملة امور كي نستطيع اجراء الاصلاحات اللازمة دون حدوث خضات نحن في غنى عنها.

وهنا يستطيع المستشار المحلي لعب دور مهم في العمل على تحقيق الهدف المرجو من وراء هذه العملية الاستشارية.

ان وضع ماكينزي في لبنان يختلف عنه في دول الخليج، وسوف تضع ماكينزي دراستها بالتعاون مع الخبراء الوطنيين التكنوقراط وبالاشتراك مع ممثلي الجمهور عكس الدول العربية حيث لا تجد ماكينزي اي ضرورة لذلك، ولا توجد اية قيود ولا هي عرضة لاراء التكنوقراط. وللعلم، كانت الرؤية الاقتصادية لماكينزي في مملكة البحرين حقل تجارب حيث وضعت خطة للعام ٢٠٣٠ وعملت ايضًا في ليبيا قبل سقوط القذافي، وهي الآن تعمل مع المسؤولين السعوديين لارساء خطة العام ٢٠٣٠ في المملكة العربية السعودية.

وباختصار فإن كل دولة خليجية كلفت شركة استشارية عالمية لتوجيه اقتصادها في فترة ما بعد النفط وهذه الرؤى الاقتصادية متشابهة بشكل ملحوظ وتتلخص بتنويع الاقتصاد بعيدًا من الاعتماد على النفط وتحويلها الى مركز مالي وسياحي متطور. الا ان وضعية لبنان مختلفة جدًا لا سيما وانه يعتمد على السياحة والصناعة المصرفية مما يعني ان تحسين القطاعات الانتاجية باتت ضرورة لا بد منها ومحاولة ترشيق الانفاق ووقف الهدر وخصخصة القطاعات.

وهنا وجب التوضيح ان لبنان وعلى عكس دول أخرى، سوف يشارك من خلال التكنوقراط واللجان الاقتصادية في تنقيح عمل ماكينزي وتحديد برامجها بشكل يحمي المواطن ويساعد على تحفيز الاقتصاد وتحويله الى اقتصاد منتج ضمن خطة طموحة ترتكز على امور اقتصادية منها الكفاءة والتعاون وغيرها من الامور التي سوف تكون ركيزة في هذا التحول وسيكون الدور الذي ستلعبه الشركة الاستشارية في لبنان اقل بكثير منه في المملكة العربية السعودية لا سيما وان وقت عملها محدد لفترة ستة اشهر تضع خلالها خطة عمل اقتصادية اصبحنا في أمسّ الحاجة اليها. والخطة الاقتصادية الجديدة قد تسعى الى زيادة دور القطاع الخاص وتخفيض نسبة البطالة ورفع الانتاجية ووقف الهدر.

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا هذا التوقيت سيما وانه كان من المجدي ان نستعين بخبرات الاستشاريين في التسعينات من القرن الماضي حيث كان يمكن ان يكون لها دور فاعل دون ضغوطات المديونية وفوائد الدين ونسب البطالة.

الامر الاكيد الآن ان الاقتصاد الوطني بات لا يحتمل هذه المديونية وتكاليفها ولا هذه الفوارق في ميزان المدفوعات بما يعني ان ناقوس الخطر قد دقّ، سيما ونحن نتعاطى مع الامور بشكل استنسابي غير قادرين على اجراء التغييرات الاقتصادية اللازمة، وقد تكون خطة ماكينزي ضرورية لالقاء الضوء على جملة امور واجراء التغييرات الضرورية واخراج الاقتصاد من زواريب المنافع الشخصية وتغيير عقلية المواطن في التعاطي مع الدولة، وجملة امور اخرى باتت ضرورية، بحيث تحولت ماكينزي الى اداة لوضع هذه الامور ضمن رؤية موحدة على سكة الاصلاح.

ويستدعي الامربعدها انشاء وزارة التخطيط التي سيكون عليها متابعة ورصد ما حددت اطره ماكينزي من اجل اجراء هذا الاصلاح.
التحديات الكبرى التي ستواجه ماكينزي ستكون من خلال تعاطيها على الساحة اللبنانية ورغبة القيادات السياسية في تنفيذ خارطة الطريق هذه.

وعادة ما تكون الخطط الاصلاحية واعدة، ويبقى السر في التنفيذ لذلك ستشكل خطة ماكينزي خطوة اولى. ولكن كيف ستكون ردة فعل المواطن اللبناني على هذه الاصلاحات، سيما وان الدولة سوف تطلب المزيد من مواطنيها، فهل سيبدأ المواطنون بدورهم بمساءلة الحكومة ومحاسبتها ومطالبتها بالمزيد؟

سوف تُظهر الشهور المقبلة كيف ستقوم الدولة بتنفيذ الاصلاحات الاقتصادية التي نحن في أشدّ الحاجة اليها دون ارهاق الشعب واشعاره بالنفور.

اخيرا، وان جاءت خطة ماكينزي متأخرة بعض الشيء الا انها تبقى ضرورية جدًا لاخراج البلاد من هذه الدوامة التي باتت تهدد الكيان والاقتصاد و تنذر بامور باتت خطيرة.

بروفسور غريتا صعب - الجمهورية

  • شارك الخبر