hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - مسعود المعلوف

أين موقع الشرق الأوسط في استراتيجيا إدارة ترامب؟

الأربعاء ١٥ كانون الثاني ٢٠١٨ - 06:52

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

تنفيذاً لقانون صادر عن الكونغرس الأميركي في تشرين الأوّل 1986، ينبغي على الإدارة الأميركية تقديم مستند يُعرف بـ«استراتيجيا الأمن القومي» مرّةً واحدة على الأقلّ في ولاية كلّ رئيس. هذا المستند يتضمّن تشخيصَ الرئيس وإدارته لمصالح الولايات المتحدة والتحدّيات والمخاطر المحدِقة بها مع تصوّرٍ لطرقِ وأساليب مواجهة هذه التحدّيات.
الرئيس دونالد ترامب قدّم الاستراتيجيا الأمنية لإدارته بتاريخ 19 كانون الاوّل الجاري، وفيها كما هو مطلوب، سردٌ مفصَّل للمصالح الأميركية داخلياً وفي العالم وتصوّر الرئيس لمعالجتها.

تجدر الإشارة هنا الى أنّ جوهر استراتيجيا ترامب تقليدي بصورة عامة وشبيه بما قدّمه رؤساء سابقون، إلّا أنّه وضِع تحت شعار ترامب المفضّل «أميركا أوّلاً» وتضمّن بعض الأفكار التي ركّز عليها الرئيس في حملته الانتخابية وبعد تسلّمِه الرئاسة مِثل التشدّد في قبول المهاجرين واللاجئين الى الولايات المتحدة وبناء الجدار الفاصل مع المكسيك والاتّفاق النووي الإيراني الذي عبّر الرئيس في مناسبات عديدة عن رغبته بإلغائه، كما أنّ المستند يتضمَّن فقرات عن مختلف مناطق العالم ومواقف الولايات المتحدة تجاهها.

سنركّز هنا على الموقف الأميركي في عهد ترامب من منطقة الشرق الأوسط كما يظهر في استراتيجيا الأمن القومي وفي مختلف مواقف وتصريحات الرئيس.

لا بدّ مِن التوضيح في البداية أنّ ترامب شدَّد منذ بداية حملته الانتخابية على عزمِه وتصميمه على حلّ النزاع في الشرق الأوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين للوصول الى ما يُسمّيه «الصفقة النهائية»، وتحقيقاً لهذه الغاية فقد عيَّن بعدما أصبح رئيساً أقربَ المقرّبين إليه صِهرَه جاريد كوشنير رئيساً لفريق السلام المكلّف بهذه المهمة. لذلك كان لا بدّ من التوقّع بأن تحتلّ قضية الشرق الأوسط مرتبةً عالية في سلّمِ أولويات هذه الاستراتيجيا، إلّا أنّ الواقع لم يعكس ذلك إطلاقاً.

فالاستراتيجيا ركّزت، في شقّها المتعلق بالشرق الأوسط، على انتشار الإرهاب الذي يسمّيه ترامب «الإرهاب الراديكالي الإسلامي»، وعلى إيران التي يَعتبرها من أكثر الدول رعايةً للإرهاب، كما تشير الى عزمِ الإدارة على إيجاد حلّ للحرب السورية وتعزيز العلاقات مع العراق والى استمرار الإلتزام الأميركي في «المساعدة لتسهيل إيجاد اتفاق سلام شامل يرضي الإسرائيليين والفلسطينيين».


مع أنّ مجرّد ذِكر مسألة الشرق الأوسط بصورة عامة يعني بديهياً النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني، إلّا أنّ هذه الإستراتيجيا تغرِق هذا النزاع ضمن مجموعة من المسائل الأخرى التي، وإن كانت شديدة الأهمية، فهي تبقى متفرّعة من القضية الأساسية. فالإرهاب ذو الطابع الديني بدأ نتيجةً لفشلِ الأنظمة العربية والإيديولوجيات المختلفة في إرجاع حقوق الفلسطينيين، كما أنّ تفكيك العالم العربي جاء، بنظر الكثيرين، لحماية إسرائيل من الدول العربية تحت ذرائع متنوّعة، ولذلك فإنّ السعي الى معالجة مشكلة الإرهاب والحرب السورية التي هي ضرورية وأساسية لا يكفي لإعادة السلام الى المنطقة ما لم يتمّ حلُّ لبِّ المشكلة، أيّ النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني الذي يبدو، من استراتيجيّة الإدارة الأميركية ومن مواقف الرئيس، أنّه ليس في طليعة الأولويات الأميركية في عهد الرئيس ترامب للأسباب التالية:

• عند استقبال ترامب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض بعد فترة قصيرة من تسلّمه الرئاسة، قال ترامب أمام الحاضرين انّه لا يهمّه إن كان الحلّ في المنطقة دولتين أو دولة واحدة، فهو يوافق على أيّ حلّ يتفق عليه الفريقان. معلوم أنّ الفريقين لم يتّفقا منذ نحو سبعين عاماً على الرغم من المساعي الدولية، فكيف يمكن لهما الآن ان يحلّا المشكلة وحدهما، وأحدهما عنده أحد أقوى جيوش العالم ويمتلك أحدثَ وأعتى الأسلحة بما فيها النووية، والآخر سلاحه الحجارة وبعض الصواريخ اليدوية الصنع.

• إنّ الفريق المكلف إيجادَ الحلّ وعقد «الصفقة النهائية» ليس بالفعل مهيَأً للنجاح في هذه المهمة الصعبة. فصِهر الرئيس، الشاب جاريد كوشنير، ليس لديه أيّ خبرة في الشرق الأوسط سوى ما يُعرف عنه وعن والده من دعم ماليّ ومعنوي للمستوطنات غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية، كما أنّ عضو الفريق جايسون غرينبلات لا يَعتبر المستوطنات عائقاً للسلام وهو من الداعمين لسياسة الاستيطان، والسفير الأميركي في اسرائيل دايفيد فريدمان معروف بتأييده القوي لليمين المتطرّف الإسرائيلي وابنتُه حصلت على الجنسية الإسرائيلية في آب هذا العام. هكذا فريق لا يمكن أن يكون وسيطاً شريفاً ولا يمكن أن يكسبَ ثقة الجانب الفلسطيني.

• لقد سبقَ لنائب الرئيس مايك بنس أن وجّه رسالة بالفيديو الى اسرائيل منذ شهرين، يصف فيها القدس بأنّها «عاصمة الشعب اليهودي الأبدية وغير القابلة للتقسيم» ولم يقم ترامب بالتعليق على هذا التصريح أو نفيِه أو حتى توضيحه، ممّا يجعل ذلك الموقفَ الأميركي المعلن للإدارة الأميركية الحالية.

• تركّز استراتيجية ترامب الشرق أوسطية كما سبقَ وأشرنا على محاربة الإرهاب (من دون تحديد كيفية تنفيذ ذلك) وعلى مسائل أخرى في المنطقة واضعةً القضية المركزية كواحدة من سائر القضايا، وهي تتصرّف في ذلك كطبيب يعالج عوارضَ المرض من دون معالجة أسبابه المباشرة.

• إنّ استراتيجيا تتناوَل كلَّ المصالح الأميركية في الداخل والخارج والتحدّيات والعوائق التي تعترضها وطرقَ مواجهتها تتطلّب شهوراً لإعدادها، ولا شكّ في أنّ ترامب كان على اطّلاع على تفاصيل هذه الاستراتيجيا عندما أعلنَ قبل اسبوعين من إطلاقها، بصورة مفاجئة كلّياً، اعترافَ الولايات المتحدة بالقدس عاصمةً لإسرائيل وقراره نقلَ السفارة الأميركية اليها.

فمجرّد اصطفاف ترامب مع أحد فريقي النزاع في قضية الشرق الأوسط عبر إعلان موقفِه مِن القدس إضافةً إلى عدمِ ثقة الجانب الفلسطيني بالفريق المكلّف إيجاد الحلّ المنشود وعدم إدراج النزاع الإسرائيلي-الفلسطيني كأولوية في الاستراتيجيا الشرق أوسطية، كلّها أمور تجعل تحقيقَ «الصفقة النهائية» من الأمور شِبه المستحيلة.

إلّا أنّ الرئيس الأميركي يستطيع إعادة التوازن إلى موقف بلاده عبر إعلان مفاجئ آخر- وهو معروف بأنه رَجل المفاجآت ولا يمكن توقّعُ مواقفه مسبقاً- يؤكد فيه دعم بلادِه لحلّ الدولتين مع الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمةً للدولة الفلسطينية العتيدة. لقد ترك الباب مفتوحاً بعض الشيء لمِثل هذه المفاجأة عندما قال، أثناء الإعلان عن اعترافه بالقدس، إنّ هذا الاعتراف لا يتناول حدود المدينة المقدسة.

فما عليه الآن إلّا أن يقوم بهذه الخطوة الجريئة إذا أراد فعلاً أن يعقدَ صفقته النهائية للمنطقة ويصبحَ بالتالي الرئيس الأميركي الذي استطاع حلَّ هذه القضية المستعصية التي عجزَ عن حلها اثنا عشر رئيساً للولايات المتحدة قبله.

  • شارك الخبر