hit counter script

مجتمع مدني وثقافة

رانيا أشقر في شهادة حياة مذهلة لأنطوني نحول

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٧ - 11:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أن يقف أحدهم ممشوق القامة واضح الفكرة كبير الثقة، ناشراً الإيجابيّة من حوله ومتحدّياً كلّ فعل استسلام، هو مشهد لا غرابة فيه ولا يدهش أو يأسر.

أن يسترسل هذا "الأحدهم" في وقوفه الباسق هذا، مستفزّاً ضعفاً يصيب إرادتنا، ضارباً عرض الحائط كلّ وهن يعترينا أمام صعوبة، محرّضاً على المواجهة، رافضاً الهزيمة، وهازئاً من مقولة" مشيئة القدر" وهو على اختلاف جسديّ كبير ومن ذوي الاحتياجات الخاصة النادرة... عندها يستمهلك الموقف، يجعلك تحدّق أكثر، يحثّك على الانصات، ليثير فيك أنت المأخوذ بلحظات الصفاء التي خلّفها الميلاد المجيد، حالة من الشغف والعشق والحبّ لمشيئة، في عمقها وعظيم رسالتها، ما هو فعلاً مذهل على الصعيديْن الروحيّ والزمنيّ.
أنطوني نحول، 23 عاماً، مجاز في علوم الكومبيوتر، لديه شركته الخاصّة التي تهتم بتطبيقات الكترونيّة على الهواتف الذكيّة ويعمل أيضاً في مؤسّسة تعنى بنفس الاختصاص. حلّ ضيفاً على الإعلاميّة رانيا زيادة أشقر، ناقلة كعادتها في المواسم الميلاديّة وعبر الشاشة الصغيرة، شهادة حياة مؤثّرة، معبّرة، هادفة، فيها من التحفيز والايجابيّة ما يخطف المشاهد إلى عوالم مختلفة.
كيف يقف أمامنا هذا الشاب؟ كيف يفعل وهو منذ أن أبصر النور بعد ولادة قيصريّة، حلّت الصدمة حادة صعبة، على الأهل تماماً كما على الفريق الطبيّ. خرج الطفل من أحشاء والدته في جسد بقلب وعقل سليميْن، ووجه خال من تشوهات خلقيّة، لكن من دون يديْن ولا رجليْن. لم يستطع العلم ولا التكنولوجيّات الطبيّة أن تظهر الأمر في شتّى المراحل المرافقة للحمل، ذلك انّها حالة نادرة جداً عالميّاً لا تتجاوز عدد أصابع اليد ومعروفة بتسمية "SYNDROME OF TETRA-AMELIA".
إنّها "مشيئة إلهيّة فوق القدرة على الفهم" ارتضتها العائلة، قبلها انطوني لاحقاً ابتداء من عمر 3 سنوات بعد سؤال والده عن اختلاف جسده عن جسد شقيقته التي تصغره بسنة.
"يقف انطوني بالكلمة والموقف وبالرسالة التي يحمل"، تقول أشقر، " في اختلاف شكّل إضافة لي عندما حضّرت الحلقة معه، لأكتشف ان الإضافات كانت غزيرة على كلّ من هو حوله في عائلته وفي المدرسة والجامعة والمجتمع".
يقول الشاب نحول:" اعتبر اختلافي نعمة من عند الله. أحاطتني العائلة بتفهّم وإدراك كبيرين، غير مفرّقين في أساليب التربية، فأقبلت على طفولة منفتحة على مختلف النشاطات. تعلّمت العزف على البيانو. أحببت السباحة. عشقت الكومبيوتر. علمت انّه لن يكون لي يوماً أطرافي الناقصة إلاً بأعجوبة، لأتيقّن انّه باتت لي مئات الأيادي والأرجل الإضافيّة من خلال والدتي ووالدي والأخوة والأقارب والأحبّاء".
وقف أمامنا انطوني نحول بالرمز الدقيق من دون يديْن ولا قدميْن. تعلّم المراحل الابتدائية من خلال أساتذة كانوا يأتون إلى المنزل لينتقل إلى مرحلة تعليميّة رقميّة من خلال الكاميرا والشاشة الحيّة تصل ما بين الصفوف والبيت محقّقاً تفوّقاً لافتاً. التحق بالجامعة وهناك تكلّم أمام الآلاف من رفاقه قائلاً لهم:" أنا هنا لأنني لا أختلف عنكم. أنا تعلّمت وتخرّجت واليوم أنا أمام تحد جديد: البحث عن عمل في مجال تخصّصي".
على كرسيّه المتحرّك يؤكّد أنّه يستحق أن يعيش الحياة بشغف ونضال وتحدٍّ، مبشّراً بالرسالة التالية:" كلّ واحد منّا يمكن أن يكون صاحب احتياجات خاصة. كلّ واحد منّا يشعر انّه ينقصه شيء على الصعد النفسيّة أو الجسديّة أو الماديّة وحتى الفكريّة... تعيقه عن تحقيق آماله وطموحاته وأحلامه. المشكلة ليست هنا. المشكلة تكمن حين يقتنع الواحد منّا انّه صاحب إعاقة فيستسلم لها ولا يواجه. أنا هنا لأقول إنّ لا شيء يمكن أن يمنعني من تحقيق أهدافي وطموحاتي إلاّ أنا. أنا المسؤول، ليست الإعاقة ولا الله".
تقول رانيا أشقر معدّة ومقدّمة برنامجALIVE على شاشة MTV في الفقرة الخاصّة بالإيجابيّة، " ليس المقصود من الحلقة إثارة المشاعر. أن يستغرب الواحد هذه الحالة هو أمر مقبول، لكن ما يرفضه انطوني هو الشفقة. الشفقة واجبة تجاه من ليس له مأوى ولا طعام أو شراب وليس تجاه أصحاب الاحتياجات الخاصة. المطلوب حملات توعية ومبادرات عمليّة تساهم في إطلاق طاقات من هم مثل انطوني من سجنها نحو المجتمع الواسع، من خلال النظر بعمق إلى القوانين الخاصة بهم التي عادة ما تبقى حبراً على ورق، وتحديثها وتعميمها وفرض تطبيقاتها".
أضافت أشقر:" بدل الاستسلام لعبثيّة الحياة وخلق حالة خلافيّة مع الله، ها هو انطوني بنضجه المذهل وبذكائه وسرعة بديهيّته وضحكته وعمق روحه الإيجابيّة وعزيمته التفاؤليّة يرسم لنا الفرق، محصّناً بالإيمان وبإرادة صلبة جعلته فرداً منتجاً ومبدعاً وفاعلاً في المجتمع. يبقى أن تقبل الوزارات والمؤسّسات الرسميّة المعنيّة وبالشراكة مع تلك الفاعلة في المجتمع الأهليّ على ما هو أكثر من تجهيز ممرّات خاصّة وهي غير متوافرة في الأصل، لخلق حالة تكامليّة تفاعليّة لا لبس فيها ما بين أصحاب الاحتياجات الخاصة وبين المجتمع". 

  • شارك الخبر