hit counter script

مقالات مختارة - وليد الرجيب - الراي

الأزمة البنيوية الثقافية

الأحد ١٥ كانون الأول ٢٠١٧ - 06:38

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

في الندوة التي أقامتها الجمعية الثقافية النسائية حول تدمير البنية الثقافية، التي شارك فيها عدد من الشخصيات النسائية والرجالية، تناولت جزئيات في المشهد الثقافي الآني، أو مظاهر لتدمير أو تراجع المشهد الثقافي، ولكن لا أحد تطرق فعلاً إلى البنية الثقافية بمفهومها الشامل.
وأنا أزعم أن لدينا أزمة بنيوية في الثقافة بمفهومها الشامل، وما الرقابة والقوانين المقيدة للحريات وعجز القوى الوطنية والتقدمية عن تقديم مشروع تنويري أو اجتماعي شامل، واكتفاؤها بالتركيز على المشروع السياسي إلا مظاهر لها، إذ انه حتى هذه القوى الملقى على عاتقها مشروع التحديث لم تفهم المعنى الشامل للثقافة، وركزت على التجليات الإبداعية للثقافة، وهي جزء من النتاج المادي والروحي للمجتمع الذي يشمل حتى السلوك والعادات والقيم السائدة في هذا الوقت.
وهذه الأزمة البنيوية في الثقافة تعكس عجز المثقف والسياسي البرجوازي الصغير، عن رؤية المشهد الكبير لتضمينه المشروع التغييري الشامل، فالثقافة التي سادت لعقود، انعكست على الإنسان العادي في تفكيره وسلوكه، ولذا هو ليس مسؤولاً بالكامل عن الأزمة الثقافية، كما يراه المثقف المتعالي على الواقع، وإنما هي مسؤولية الطليعي في الثقافة والسياسة، فالمثقف بفكره البرجوازي الصغير، لم يستوعب معنى جدلية العلاقة بين البنية التحتية والبنية الفوقية، وأن الثقافة كإحدى مفردات البنية الفوقية لا تتغير أوتوماتيكياً بمجرد تغيير البنية التحتية، ولذا تجد الشباب المسيسين لا يعرفون سوى مواد الدستور والبنية الاقتصادية وقانون الانتخاب، لكن قلما تجد لديهم رؤية وعملا مجتمعيا شاملا.
إن المشروع النهضوي الشامل لا يُحمّل على عاتق طرف واحد، وإنما هو مشروع دولة وأحزاب سياسية ومؤسسات مجتمع مدني، فقد بدأ تدمير البنية الثقافية مترافقاً مع التراجع عن مشروع بناء الدولة المدنية الحديثة، وفي هجوم استباقي أحلت السلطة مشروع بناء الدولة الحديثة المدنية وسياقها التنويري بالمشروع الأصولي، وبذلك قضت على أساسات البنية الثقافية ومظاهرها، بما فيها السلوك والسمات الأخلاقية، لتحل محلها سلوكيات وأخلاقيات التخلف وأخلاقيات البرجوازية الصغيرة.
والجميع يلاحظ التجليات الإبداعية المتدنية المرافقة لهذا التراجع، بدءاً من البحث العلمي إلى النتاج الأدبي والفني إلى المظهر العام، فالحديث والسلوك ثقافة والقيادة ثقافة والعلاقة مع المرأة ثقافة، وتلك مفردات من آلاف المفردات، فالتقدم يتطلب تغيير رؤية وتمثُل وليس مجرد شعارات.
وليس مستهجناً الحديث عن نهوض أو ثورة ثقافية واجتماعية، ولنتذكر أن بعض الثورات باتجاه إجراءات اشتراكية، لم تغير الجوهر الثقافي في المجتمع، مثلاً في جمهورية اليمن الديموقراطية، وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق وأفغانستان نجيب الله الاشتراكية.
ويطول الحديث وتمتد تفاصيله، ولا يحتاج إلى ندوة يتيمة تتحدث عن مفردات مثل الرقابة والقوانين وتسيد الأصوليين وتأهيل المعارضة الوطنية والتقدمية، فهذا المشروع لا يمكن التصدي له فرادى، ولا يمكن مكافحة المظهر وننسى الجوهر.
 

وليد الرجيب - الراي

  • شارك الخبر