hit counter script

مقالات مختارة - طوني عيسى

محاولةٌ لعزل «القوات» أُرجئت إلى الإنتخابات

السبت ١٥ كانون الأول ٢٠١٧ - 06:34

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

هناك شيء يجري تحضيره للانتخابات النيابية المقبلة، لكي تأتي «حاسمة». فهذه الانتخابات مرشحة لأخذ لبنان إلى معادلة سياسية تتحالف فيها قوى السلطة الحاليّة وتتقاسم النفوذ والمصالح، وفق المقولة الآتية: «الذي يَحْضَر السوق يبيع ويشتري».
في ذروة الأزمة الأخيرة، فكَّر بعض أركان «التحالف الخماسي» في استثمار التوتر في العلاقة بين الرئيس سعد الحريري وحلفائه الآذاريين، وطَرَح فكرة تغيير الحكومة لإقصاء «القوات اللبنانية» عنها، تجنّباً لـ«المتاعب» التي تُسَبِّبها «القوات» لهذا التحالف داخل مجلس الوزراء، سواء في اعتراضها على الملفات والمشاريع التي تطالب فيها بالشفافية، أو في رفضها المسار السياسي الحالي.

لكن قوى سياسية خبيرة نصحت هؤلاء بعدم الوقوع في خطأ من هذا النوع، وقالت لهم: «طوِّلوا بالكم. إذا حصل العزل فهو سيجعل من «القوات» بطلاً أو شهيداً في نظر كثير من الرأي العام المسيحي. والتجارب أثبتت أن المسيحيين في لبنان تستثيرهم البطولة أو الشهادة، ولذلك، سيتعاطف الناس معها ومع القوى المسيحية الأخرى الرافضة. وفي هذه الحال، سترتفع شعبيتها في زمن الانتخابات النيابية».

الأفضل، وفق أصحاب هذه النصيحة، أن يتم تجنبّ الخطوة بضعة أشهر، أي حتى إجراء الانتخابات النيابية في أيار. وخلالها، يتم إعداد الترتيبات اللازمة لمحاصرة كل القوى المعارضة من خلال التحكم بقانون الانتخاب وصوغ التحالفات بين قوى التحالف والذين يدورون في فلكها، بحيث يصعب خرقها إلاّ في شكل محدّد ومحدود.

وبعد الانتخابات، وفي ضوء نتائجها، تنشأ حكومة «التحالف الخماسي»، وتحمل عنوان «التحالف الواسع بين كل القوى السياسية»، وهي طبعاً تستثني كل «المشاغبين»، خصوصاً عندما لا يكونون ممثلين بكتلة وازنةٍ في المجلس النيابي المقبل.

يراهن أصحاب القرار داخل هذا التحالف على أن ما يمتلكونه من قوة شعبية وطاقات ونفوذ سيتيح لهم، في أيار المقبل، إنشاء حكمٍ مختلف تماماً عن ذاك القائم اليوم، سيُبنى على توازنات سياسية تستثني الأصوات المعارِضة والمعترضة، في داخل السلطة وخارجها. وقوام هذا الحكم:

- الرئيس ميشال عون الذي سيكون أقوى، وسيكون دوره فاعلاً في مجلس الوزراء. وسيشكل ضماناً لاستمرار لبنان الرسمي في الإتجاه السياسي الحالي، داخلياً وخارجياً.

- المجلس النيابي الذي ستكون فيه «أكثرية مريحة» من فريق 8 آذار، لأن القانون الانتخابي والتحالف الذي يرتسم يتيحان ذلك. وسيتم حفظ موقع للحريري بصفته الزعامة السنّية الأقوى، لكنه لن يكون جزءاً من 14 آذار. وسيعود إلى الضوء حلفاء «حزب الله» السُنّة الذين شاءت الظروف، بعد 2005، أن يبتعدوا عن المجلس.

- الحكومة سيرئسها الحريري، ولكن سيديرها عملياً فريق الغالبية في المجلس النيابي. وسيكون الحريري جزءاً من تحالف سلطوي، يحصل فيه على ما يحتاجه ليحافظ على زعامته السياسية، لكن النفوذ في المسائل الاستراتيجية موجود في مكان آخر.

اليوم، يتم التحضير للانتخابات المقبلة بحيث تأتي النتائج وفق ما هو مدروس. ومن المصادفات التي خدمت فريق 8 آذار وقوع الأزمة الحريرية الأخيرة. فهي هيأت الأجواء لخصومه السياسيين ليحققوا هذا الهدف. فقد كان الرجل قبل 4 تشرين الثاني يتموضع ضمن «لقاء كليمنصو»، من دون أن يقطع روابطه مع حلفائه في 14 آذار. وبعد الأزمة، قطع الحريري كثيراً من هذه الروابط، وتحالف مع عون.

فالأزمة خلقت كثيراً من أسباب التوتر بين الحريري وحلفائه الآذاريين. كذلك منحت المتضررين من تحالف الحريري و«القوات اللبنانية»- من داخل «المستقبل» كما من فريق 8 آذار- ذريعة ليتدخلوا في اللعبة ويعمّقوا الخلاف ويشجعوا الحريري على الخروج من حلفائه. وعلى الأرجح، سيحاول هذا الفريق إنهاء ما بقي من 14 آذار قبل حلول الانتخابات المقبلة.

ويتحدث البعض عن «عدّة شغل» كاملة يتم تحضيرها للفترة المقبلة. وعلى الأرجح، بعد الأعياد، ستنطلق الورشة. ويخشى هؤلاء أن ترافقها ضغوط وإغراءات مختلفة في عملية الإقناع.

هذا يعني أن السلطة التي ستقوم في أيار، وستضم «تحالف الخمسة» (عون- بري- «حزب الله»- الحريري- جنبلاط)، ستستعيد نموذج السلطة التي نشأت في فترات معينة، قبل العام 2005، حيث تولّت دمشق وحلفاءها إدارة الأمور الاستراتيجية وأعطي الآخرون ما يريدونه في إدارة المشاريع وتقاسم الحصص.

البعض يعتبر أن الحريري يستعيد اليوم تجربة الحكم التي مارسها والده الرئيس رفيق الحريري، والمبنية على التقاسم: لكم السياسة والأمن، ولي الاقتصاد والمشاريع. مع فارق أن نفوذ المحور الإيراني قوي اليوم في لبنان، كما كان في المرحلة السابقة، فيما تبيّن أن نفوذ المحور السعودي محدود.

ولكن، في أي حال، يبدو لبنان وكأنه يمضي إلى استعادة مرحلة مضت. فقد مرّ13 عاماً بالتمام والكمال بين ربيع 2005 وربيع 2018. وخلال هذه الأعوام، عاد كثير من الأمور في لبنان إلى ما كان عليه. وإذا لم تطرأ عوامل خارجية ضاغطة، فإن لبنان لن يعود إلى «المرحلة السورية»، لكنه سيقترب منها.

  • شارك الخبر