hit counter script

مقالات مختارة - انطوان العويط

عن موائد سموم التسويات وموقع لبنان وهويّته (2)

الجمعة ١٥ كانون الأول ٢٠١٧ - 06:39

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الجمهورية

لم تخرج البلاد يوماً عن خطّ الزلازل، ولم تنجُ منه، منذ أن ضمنت الدول العربيّة في «بروتوكول الاسكندريّة» الموقّع في 7 تشرين الأول 1944 استقلال لبنان الذي أقرّه ميثاق «الجامعة العربيّة» في آذار 1945، وانتزع لبنان شرعيّته الدوليّة بتوقيعه ميثاق الأمم المتّحدة في 26 حزيران 1945.
وإذا كانت الجماعات المنتظمة في بنية الدولة قد عرفت في بداية المسيرة أن تؤطّر جهودَها وحراكَها ضمن المؤسّسات، فإنّ قيامَ دولة إسرائيل بقوة الاغتصاب على أرض فلسطين وتدفّق اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان، سرعان ما انعكسا سلباً على مشروع الدولة الوليدة، فهبّت الرياح الإقليميّة والدوليّة، وتضاربت المصالح والأهواء والأطماع، فعرفت كيف تتسلّل وتؤجّج النعرات.


لم يراجع اللبنانيون في طريقهم نحو بناء دولة جوهر عاميّة انطلياس. تجاهلوا لاحقاً ذلك السعي المبارك للبنان كبير. كما لم يعرفوا أن يحافظوا على قيمة الاستقلال الذي أنجزوه في العام 1943 متعامين عن معادلة لا شرق ولا غرب، ومتغاضين عمّا توافقوا عليه يوماً في 11 حزيران 2012 على طاولة حوار في القصر الجمهوريّ.


صُدِم اللبنانيون من تداخل عوامل كثيرة، داخليّة وخارجيّة، ولم تتمكّن السلطات القائمة من النأي بلبنان عن الصراعات الإقليميّة القائمة، فوقعت البلاد في فخّ الأزمة المستشرية. هكذا شرب لبنان وقادته وشعبه سمّ «اتّفاق القاهرة» العام 1969، وصولاً إلى تجرّع قدر كبير منه أدّى إلى اندلاع حرب دامية في نيسان من العام 1975.

ويوم تطلّع قسمٌ من اللبنانيين على وقوف أقرانهم والإقليم إلى جانب المؤسّسة العسكريّة الوطنيّة للحؤول دون الانغماس في وحول الحرب، ووجِهوا بالرفض بقرار خارجيّ، لتُستعادَ الغصّة عينها لدى قسم آخر من اللبنانيين، جرّاء غطاء دوليّ أحاط بالعدوان الإسرائيليّ على الوطن في تموز من العام 2006.

وفي تسوية بغطاء إقليميّ ودوليّ كان مفترَضاً لها ضبط الوجود الفلسطينيّ ووقف الاقتتال بين اللبنانيين، دخل الجيش السوريّ لبنان في كانون الثاني من العام 1976، لتستمرّ الجمهوريّة في الاحتراق وليتحوّلَ إلى قوّة احتلال في رأي الكثيرين من اللبنانيين.


اغتيل رؤساء للجمهوريّة وللحكومة ووزراء ونواب وقادة أمنيّون والكثيرون من أهل الرأي والفكر منذ العام 1977 حتى يومنا هذا. ونُفي وسُجن آخرون، وحدثت مجازر ووقعت حروب طاحنة ضد الجيش السوريّ وضد الاحتلال الإسرائيليّ.

وفي الوقت عينه، فشلت محاولات عدة لانتخاب رئيس للجمهوريّة، فحلّ الفراغ في سدّة الرئاسة، ومُدّد تكراراً للمجلس النيابيّ، وشهدت عمليّة تشكيل الحكومات صعوبة فائقة أو تعطيلاً لعملها، فبات النظام الديموقراطيّ البرلمانيّ الذي نتغنّى به هجيناً مسخاً.


تيقنّ الجميع أنّ التسوية ما فوق العاديّة التي تمّت في الطائف بغطاء عربيّ ودوليّ العام 1989، والتي باتت في صلب الدستور، لم يتم احترامُها، وطبّقت بعض بنودها انتقائيّاً وبعض بنودها لا يزال ينتظر التطبيق، ويتوجّب النظر في ما يجب إيضاحه أو تفسيره أو تطويره في ضوء التجربة المعاشة لا سيّما بعد انتهاء عصر الوصاية السوريّة. رغم ذلك، لم يقبل اللبنانيون على مراجعة ذاتيّة، مستطيبين تجرّع كؤوس السمّ القاتلة.

في الواقع، لم يقتصر تجرّع الوطن اللبنانيّ وإنسانه فحسب سموم التسويات الإقليميّة وحتى الدوليّة على حساب الوطن، بل تذوّقها معهما العديد من القادة السياسيين. سُجن الدكتور سمير جعجع طويلاً، وطويلاً أمضى العماد ميشال عون السنوات في المنفى.

وعند كلّ مفصل إقليميّ ودوليّ، كانت الساحة اللبنانيّة جاهزة لتلقّي مفاعيل الاضطراب والعواصف من حولها، ولتنتشر موائد السمّ بتفرّد وخصوصيّة مدهشيْن على أرضنا وحدها، راسمة معادلات غير مألوفة.

كان صعباً وقاسياً على الشاب وليد جنبلاط بعدما تقلّد عباءة الزعامة الدرزيّة بعد اغتيال والده الزعيم كمال جنبلاط العام 1977، وفي ذكرى أربعينه، أن يصافح في دمشق يد الرئيس السوريّ الراحل حافظ الأسد. تماماً كما كان شاقّاً ومفجعاً على رئيس الحكومة سعد الحريريّ العام 2009، وبدفع إقليميّ، أن يصافح في دمشق يد الرئيس السوريّ بشار الأسد.

وما بين هذه وتلك وما تلاهما، كانت تسوية «اتفاق الدوحة» بعد رسالة عسكريّة وجّهها «حزب الله» إلى بيروت والجبل العام 2007. تسوية ضُربت في صميم بنودها، عندما تلّقى الحريري على مدخل البيت الأبيض العام 2011، خبر استقالة جماعيّة لوزراء الثنائيّ الشيعيّ مع وزراء «التيار الوطنيّ الحر» من حاضرة الرابية.

وها إنّنا اليوم، في ظلّ النزاع الإيرانيّ - السعوديّ المفتوح والتداخل المتعدّد الأطراف إقليميّاً ودوليّاً في المنطقة، نشهد العجب من الانقلابات والأزمات بين الحلفاء الطبيعيين في الداخل والخارج جرّاء التسوية الرئاسيّة- الحكوميّة الأخيرة.

في الخلاصة، عانى اللبنانيون على مرّ الأزمنة من تداعيات الصراعات الإقليميّة والدوليّة على واقعهم وعلى الوطن الذي ارتضوه أرضَ حوار ورسالة، لا سيّما وقد أوقعهم التعويل على الخارج مراراً في خيبات كارثيّة.

وفي زمن يشهد مخاضاً حضاريّاً في المنطقة ومتغيّرات في النظامَين الإقليميّ والعالميّ، يقع على عاتق اللبنانيين وحدهم إدراك خطورة التحدّيات الوجوديّة والإيمانيّة والثقافيّة في المنطقة وانعكاساتها على وطنهم وانسانهم.

لقد اختبرنا جميعاً حقيقة المصالح الإقليميّة والدوليّة وأولويّاتها، فكيف يكون الخروج من دائرة القلق من إحداث تغيير كامل على موقع لبنان وهويّته؟

  • شارك الخبر