hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

العيد

الثلاثاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٧ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تطلّع في الزينة والشجر والهدايا و انبهر. كما اعجبته واجهات المحال والاضواء وعجقة البشر. تأمل في الوجوه عميقا، فوجد بانّ النور والجمال لم يحطا رحالهما في الكثير من العيون. وجد وجوها مكفهرة في اكسية مخملية تبحث عن فرح مفقود. وجد عيونا تبحث عن العيد وسلام العيد. فكان ان سأل عن الزينة والوجوه والعيد.
فأجبته، بعد صمت:
"لو لم يكن لنا عيد يا صغيري لكنّا اوجدناه، وذلك كي لا نختنق في بحور الرتابة والعتمات والازمنة الضائعة. نحتاج الى الواحات. نحتاج الى محطات كي نتجدد ونكمل المسير".
انصت، فتابعت:
"يدخل العيد الينا اذا ما وجد فينا مغارة صغيرة. العيد يا بنيّ جمال. العيد نغمة وومضة نور تخرجها العيون المحبة الى البشرية عطاء ورجاء. العيد فرحة وشوق ومجوس وهدايا لطفل فقير، وبساطة راع ونجمة ساطعة وقطعان. العيد خضرة في وسط يباس. العيد مياه في جفاف".
وتنهدت متابعا:
"انّ العيد موسم يأتي، ولا تطول ايامه كثيرا. فسرعان ما يمضي العيد مخلفا وراءه عطشا لعيد جديد. لا تدوم الأعياد ومواسم الافراح كثيرا، كما انّ الاتراح لا تدوم. وتتواتر الأعياد يا صغيري ويمضي البشر ممسكين فقط باللحظات الجميلة. فمن ارتوى، ارتوى. ومن لم يشرب يرحل ظمئانا".
وسأل:
"لماذا يبحث البشر عن العيد والعيد يهرب؟".
فأجبته: "لا يهرب العيد يا صغيري. بل ثمة من سرق العيد، واعطى الناس وهم العيد. العيد ما ابلغتك اياك. اما وهم العيد فعرض وطلب. وهم العيد سوق واستهلاك.
صرنا نعيش في وهم العيد، ونشتري ما لا يلزمنا، وننفق ما لا نملك. نهدي انفسنا ومن يهدينا. وهم العيد يجعلنا نبحث عنه في اضواء زينة الاسواق وعجقة المتاجر. يجعلنا نعتقد بانّ الفرح يولد في المحفظة، وبأنّ البهجة هي سلة استهلاكية. قيمة وهم العيد هي القيمة الشرائية للفرد. ونجم وهم العيد هو بابا نويل. ومن نتائجه اطعمة والعاب مرمية في سلة النفايات. وكل سلة توازيها سلة، واكفهرار الوجوه.
نعم، ثمة من سرق العيد واوهمنا ان انوار الزينة الخارجية هي انواره. ثمة من استبدل المغارة بالمتجر والرعيان بالاعيان. ثمة من اعتقد بأنه حوّر اهتمام المجوس ووجهة سيرهم. فما عاد همهم البحث عن الملك الفقير عبر تتبع النجم بل بترصد اخبار البورصة والمقتدرين.
حين يحل وهم العيد تتصحر العيون وتفرغ النفوس، وتبرد القلوب. حين يحلّ الوهم مكان العيد نروح نملأ فراغ جوفنا بالأطعمة، ونعالج برودة قلوبنا بالثياب، ونمحو نتن ذواتنا بالعطور. عندما يضيع الايمان، نصير نعدو وراء الامان. فنجد منه فتافيتا في صحبة مقتدر. نمحو وجوهنا كي يبان وجهه. فيصير قولنا قوله، وفعلنا فعله ".
وتطلع بي، وسأل: "أترى من يكون العيد؟".
فقلت:
"ولد في قديم الزمان طفل فقير، وهو العيد. ظهر في قديم الأيام نور، وهو العيد. وفي اعتقادنا انّ النور اكتسى جسدا. وصار يكتسي اجسادا. صار يوافي كي يبحث عن مغاور كي يولد فيها، كما كل عام. فهو يسكن القلوب التي افرغت. رب عيدنا يا ولدي لا يعاشر الملوك والاغنياء والمقتدرين، ولا يلغي الوجوه والميزات والبشر، كما قال شيخ من جماعتنا. فعيدنا يسود الوجود بالانوار. فتتكحل العيون بجمال اتى كي يخلص العالم يا صغيري".
وتطلعت به سائلا: "اتعلم الان ما هو العيد يا بنيّ؟ هذا هو العيد الذي ان وجدته لا تعود تهتم الا به. هذا هو العيد الذي ان وجدته، تحمل امتعتك وهداياك وتضعها عند قدميّ الفقير. وتسجد له، فيقيم فيك. لا يبهرنك وهم العيد واضواءه وبشره وهداياه واطعمته".
فكان ان استلّ درعه وسيفه، وانتفض قائلا: "انا ماض كي اعيد العيد الى الناس يا ابي ممن انتزعوه منهم واخذوه، واعطوهم وهم العيد والدعاية والسوق. انا ماض كي اجد الطفل واعيده الى الناس".
فنهرته قائلا: "الا فأعد سيفك الى غمده. واذهب واطلب العيد في نفسك اولا، كي تصير انت العيد الذي لا يسرقه احد يا صغيري. وحينئذ يشرق العيد من عينيك حبا وسلاما، يفرح اباك وامك واخوتك وكل اقرانك واصدقائك. حارب بسيفك كي لا يغلبك وهم العيد فتصير مستهلكا، وفي هذا تحد كبير".


  

  • شارك الخبر