hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - أنطوان العويط

مرتا مرتا... المطلوب واحد

الأربعاء ١٥ كانون الأول ٢٠١٧ - 05:57

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

جيّدة كلّ تسوية تنسج بعد نزاع سياسيّ أو مواجهة عسكريّة. في المطلق، تخاط التسويات استثناء لتجاوز التجاذبات الحادّة التي تصيب السياسات العامة في البلد، ولتخطّي الشلل العام، وإثر شدّ حبال قاس وشطط وتجاوز للخطوط الحمر. لكن حين يتحوّل مفهوم التسويّة إلى قاعدة، نلجأ إليها فصليّاً أو شهريّاً وأحياناً يوميّاً، في سبيل معالجة مختلف مفاصل حياتنا الوطنيّة وكافة الملفّات، فهذا يعني انّنا نعاني من خلل جوهريّ، خلنا انّنا تجاوزناه مع اتفاق الطائف.

في الواقع، مع انتهاء زمن الوصاية السوريّة، اكتشفنا انّ التسوية ما فوق العاديّة التي تمّت، والتي باتت في صلب الدستور، نقلت الصراع من الشارع إلى داخل المؤسّسات الدستوريّة، دون تناس لخضّات أمنيّة عابرة وقد تركت علامات فارقة في جروحها ومقلقة في تداعياتها. وفي ظلّ الكباش المؤسّساتي، شهدنا من بين عظيم الثغرات، فراغاً في سدّة الرئاسة، وتمديداً متكرّراً للمجلس النيابيّ، وصعوبة في تشكيل الحكومات أو تعطيلاً لعملها، وتراجعاً سافرأً عن التسويات التي أبرمت ابتداء من العام 1991.

لقد بات النظام الديمقراطيّ البرلمانيّ الذي نتغنّى به هجيناً. ورغم اللهاث وراء الانتخابات من حينه، وتظهير العديد من نتائجها الحاملة للدلالات، إلاّ انّه لم تتشكّل السلطة بموجبها، كما المعارضات. الكلّ يشارك في الحكومات. الكلّ يعني الكلّ. الأنكى انّ جميع مكوّنات المجلس النيابيّ كانت وهي اليوم تتمثّل في الحكومات، لنقل معظمها. فمن يعود المؤتمن على السياسات العامة ومن يحاسب من؟

لقد طغت كافة التسويات على فكرة لبنان ومعنى لبنان وجوهر لبنان. وانغمس أطرافها على تعدّدهم، في عمليّة تحصيل للمكاسب الخاصة، ممّا جعلها بمجملها، أي التسويات، ظرفيّة غير مكتملة، في انتظار أن يتحوّل الرابح إذا كان رابحاً بالفعل إلى خاسر، والخاسر إذا كان خاسراً بالفعل إلى رابح.

مرتا مرتا، إنّك تهتمّين بأمور كثيرة والمطلوب واحد. تناسيْت يا مرتا عاميّة انطلياس. تجاهلت ذلك السعي المبارك للبنان كبير. تعاميْت عن معادلة لا شرق ولا غرب. وتغاضيْت عما توافقت عليه يوماً في القصر الجمهوريّ.
المطلوب يا مرتا وآه من مرتا بالمئات ها هنا، أن يعود لبنان إلى حقيقته الأصليّة بدلّا من السقوط يوميّاً في خطاياه الأصليّة. فكما يكون عليك أن تقودي خطاه إلى الأمام نحو ما هو أبعد من العيش معاً في سبيل عيش منتج تعلو معه كرامة الوطن وكرامة الانسان فيه، كذلك عليك أن تدركي ما هو أفعل من النأي بالنفس، وما هو أعمق من مفهوم الحياد.

إنّي أتحدّث عن فكرة لبنان ومعنى لبنان وجوهر لبنان. التجربة التي من الصعب أن تتكرّر في ظروفها ومعطياتها وتحدّياتها في أيّ مكان آخر على الكرة الأرضيّة. وهذا يتطلّب يا مرتا مبادرة عمليّة من خارج الشعارات، يصبح معها "العيش معاً" و"النأي بالنفس" و"الحياد" تفصيلاً. مبادرة مركبّة من الفكريّ والثقافيّ والفلسفيّ والحضاريّ والسياسيّ والدينيّ والزمنيّ والاقتصاديّ والاجتماعيّ بنفس مفهوم الامن القوميّ اللبنانيّ.

هكذا يتحوّل لبنان بكيانه وكلّيته إلى أرض للحوار الكونيّ. إلى أمم متّحدة تتفاعل من أجل السلام والانسان على امتداد مساحة لبنان وليس على قياس مبنى في نيويورك. وهكذا يكون لبنان النموذج لذاته وجوهره أولاً، ولجماعاته، وللشرق والعالم أجمع. وإلاّ...يا مرحبا تسويات.

  • شارك الخبر