hit counter script
شريط الأحداث

مجتمع مدني وثقافة

توصيات مؤتمر تراث مشترك ام تراث في خدمة الهويات: حماية التراث قرار سياسي

الإثنين ١٥ كانون الأول ٢٠١٧ - 13:31

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

شارك 18 باحثا وخبيرا من جامعات ومراكز ابحاث لبنانية وعربية واوروبية، في مؤتمر دولي عقد على مدى يومين تحت عنوان "تراث مشترك أم تراث في خدمة الهويات؟" برعاية وزير الثقافة الدكتور غطاس خوري، وبدعوة من "المركز الدولي لعلوم الإنسان- جبيل"، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية في جامعة القديس يوسف، قاربوا فيها اشكاليات التراث وسبل حمايته، خصوصا في ظل الحروب التي تجتاح الدول العربية وتدمر المواقع الأثرية وتقضي على معالمها وتنهب كنوزها.
وفي نهاية المؤتمر خلص المنتدون إلى عدد من المنطلقات والرؤى والتوصيات أبرزها:
"أولا- في المنطلقات والرؤى:
أ- يمثل التراث ركيزة أساسية من ركائز هوية كل أمة. وإلى ذلك فهو، بشقيه المادي وغير المادي، أحد أوجه ذاكرتها الجمعية التي تستمر عبر العصور . و"ان بلدا من دون ذاكرة هو بلد من دون روح" (Un pays sans mémoire est un pays sans âme!) حسبما تقول الشاعرة ناديا تويني.

ب- ثمة جدل بين التراث المادي والتراث اللامادي، إذ إن تعرض الأول للهدم أو التخريب أو النهب ينعكس سلبا على قرينه، لا سيما زمن الحروب أو الاقتتال الداخلي، وما ينتج عن ذلك من نزوح سكاني أو هجرة إلى أماكن أخرى.

ج- ثلاثة عوامل رئيسة، تساهم في القضاء على التراث الثقافي: العامل الاقتصادي، والعامل الجيوسياسي والعامل التربوي. وإذ لا يمكن تجنب ما يخلفه العاملان الأولان من منعكسات، فمن الأهمية بمكان التركيز على العامل الثالث، بحيث يكون تعزيز لثقافة التراث وتأصيلها لدى الأجيال الناشئة، فتدرك أهميته على الصعيد التاريخي، إضافة إلى إدراكها البعد غير المادي للتراث، وما يمثله على المستوى العالمي، بحيث يختص بالبشرية جمعاء.

د- في خضم الصراع الهوياتي المحتدم في منطقة الشرق الأوسط - في الجزءين العربي والإسلامي على وجه الخصوص - يتم استدخال التراث الحضاري إلى ساحة هذا الصراع، بأوجهه الدينية الطائفية والمذهبية والعرقية والقومية.. وكأننا أمام خلايا هوياتية نائمة، تستفيق أو تستفاق عند كل مفترق من مفترقات المواجهة بين مكونات المنطقة العربية- الإسلامية. ومن تجليات ذلك أن التراث يدفع ضريبة عالية جدا، تدميرا وتخريبا ونهبا، على يد المجموعات المتحاربة، لا سيما المتطرفة والتكفيرية.

هـ- إن الاعتداء على التراث الثقافي، لا سيما المادي: تدميرا أو تقويضا أو نهبا، من أية جهة أتى وفي أي بلد وقع، هو جريمة ضد ذاكرة البشرية. وإن خير مثال هو ما جرى لتراث العراق من تدمير ونهب لجزء كبير منه والذي تنضوي إليه حضارة بلاد ما بين النهرين: السومرية والبابلية والأشورية.

و- تبرز مسؤولية الإنسانية جمعاء في حماية التراث، من منطلق أن التراث الحضاري لأي شعب من الشعوب يشكل محطة في مسار البشرية، على مدى التاريخ.

ز- إن حماية التراث الحضاري، سواء أكان منوطا بالسلطات المحلية أو بالسلطات الدولية، قرار سياسي يشكل حصانة شرعية لتنفيذ التدابير المتخذة لصون هذا التراث.

ثانيا- في التوصيات:
أ- إن الاعتراف بازدواجية التراث، لجهة كونه ثروة محلية وتراثا عالميا، يرتب واجبا أساسيا، يتمثل في تربية من يجاورونه (التربية على التراث)، عبر تعريفهم بقيمته الوطنية، إلى اقتناعهم بحق التدخل الدولي عندما يغدو في دائرة التهديد، وذلك بواسطة بعثات دائمة من قبل الأونيسكو، فتعاينه في فترة الحرب وفي فترة السلم.

ب- تعزيز خدمات التراث من قبل الحكومات المحلية، وتجنب أي انحراف إداري يخلف آثارا سلبية، في غالب الأحيان.

ج- إن التربية على التراث تتمثل بتجذر الوعي لدى الدولة باعتماد وسائل أكثر فعالية في حفظ التراث، والوعي لدى الجمهور لاحترام التراث المحلي. ولا بد أن تنطلق التربية على التراث من المدرسة، ومتابعة هذا الجهد في مرحلة التعليم الجامعي، وفي المدارس المختصة بإعداد كبار الموظفين.

د- العمل على استعاشة التراث، عبر استخدامه بأشكال متعددة، كالمتاحف والمعالم التاريخية المفتوحة للجمهور.

ه- استخدام خطط واستراتيجيات بسيطة غير معقدة عند الشروع بأعمال إعادة تأهيل الواقع التراثي للمناطق التي تعرضت لنزاعات مسلحة، والإفادة من الخبرات المحلية المتوفرة (تجربة العراق، لا سيما مدينة البصرة).

و- المحاذرة في تسليع التراث تحت تأثير الترويج السياحي، على رغم أهمية السياحة ودورها في "اقتصاد المعرفة".
ز- إلى الدور الذي تقوم به وزارات الثقافة والسياحة والإعلام في تأصيل خطاب التراث والتربية على التراث، ينبغي إشراك المجتمع المدني والأهلي في هذا الجهد، نظرا إلى الدور الفعال الذي بات يلعبه، في مختلف المجالات، كشريك للدولة.

ح- إذا كانت الجهود المحلية مجتمعة (الدولة، بمختلف أجهزتها- إدارة الآثار- المجتمع الأهلي- مجاورو الآثار..)، على أهميتها، غير قادرة بشكل كاف على حماية التراث ومنع الاعتداء عليه، فإن للمرجعيات الدولية والإقليمية دورا كبيرا على هذا الصعيد يجب أن تؤديه على الوجه الأكمل، طالما أن التراث الثقافي، أي تراث ولأي بلد، غدا ملكا للبشرية برمتها.

وعليه، وفيما يخص هذه المنطقة، فإن عبء المسؤولية، في هذا المجال، يقع على عاتق:" منظمة التربية والعلوم والثقافة" (الأونيسكو)، و"المنظمة العربية للتربية والعلوم والثقافة" (الكسو)، و"المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة" (إيسيسكو).

على مستوى الأونسكو، ينبغي لها تحفيز الدول الأعضاء على القيام بتوعية الأجيال، فيكون تركيز على أن التراث ثروة عالمية وليس محلية فقط، إضافة إلى تطوير الدراسات الآثارية والتاريخية والاتنوغرافية والاجتماعية العائدة للتراثين، المادي وغير المادي، فتكون إضاءة على ما يختزنان من معان وقيم.

وفي مجال الدراسة الجامعية، يجب على الأونيسكو التحفيز على استحداث شهادة ماجستير في السياحة الثقافية، بحيث يتم تأهيل شبان جامعيين، يؤدون دور الوساطة بين زوار المواقع التراثية والعلماء.

وفي مجال التدابير الرادعة لحماية التراث يجب على الأونيسكو أن تدعو إلى تفعيل دور "الانتربول" في محاربة التجارة غير المشروعة للمنهوبات الأثرية وإعادتها إلى حيث كانت (المتاحف والمواقع الأثرية وسواها..). ناهيك عن دور مجلس الأمن في اتخاذ التدابير الوقائية والرادعة لحماية التراث العالمي، وصولا إلى استخدام القوة في هذا المجال، وعدم الاكتفاء بإصدار قرارات إدانة تبقى حبرا على ورق!

وعلى مستوى "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" (الكسو)، فهي معنية مباشرة بصون تراث المنطقة، فتلتزم ميثاق الوحدة الثقافية العربية، والذي تم على أساسه تشكيل هذه المنظمة الإقليمية (1970)، وقد جاء في المادة 15 من نظامها:" أن تتعاون الدول العربية فيما بينها على إحياء التراث العربي، الفكري والفني، والمحافظة عليه ونشره وتيسيره، بمختلف الوسائل..".

ط- إذ يعقد هذا المؤتمر الدولي في لبنان الذي يمثل إحدى الحالات النموذجية لبلدان ينتهك فيها التراث المادي، ويهمش التراث الثقافي اللامادي، فإننا نوصي بالآتي:

* في مواجهة ما نشهد من إزالة لمئات المباني التراثية، حتى أن ما بقي من هذه المباني يخضع غالبا عند ترميمه لعملية تشويه، ندعو المجلس النيابي اللبناني إلى التعجيل في إقرار مشروع القانون الذي صدر عن مجلس الوزراء بتاريخ 13 تشرين أول 2017، وهو قانون يبعث على الأمل، كونه يعوض ماليا مالكي الأبنية التراثية ويغريهم بإعفاءات ضريبية، بما يؤول إلى الإعراض عن هدم هذه المباني أو تشويه وظيفتها التراثية.

* أما ما يعود إلى التراث الثقافي اللامادي، فإنه لا بد من استدخال "التربية على التراث" بعامة والتراث الثقافي اللامادي بخاصة في مناهج التدريس الجامعي وما قبل الجامعي. ناهيك عن حماية وتشجيع المعارف والمهارات التراثية التقليدية لدى القيمين عليها والمهتمين بها. إضافة إلى تفعيل دور "قسم التراث" الثقافي اللامادي في وزارة الثقافة، لجهة متابعة وتفعيل أعمال الجرد، بالتعاون مع اللجنة الوطنية (اللبنانية) للأونسكو. وفي هذا المجال نتمثل بعملية جرد فن الزجل اللبناني التي جرت في العام 2012".  

  • شارك الخبر