hit counter script

أخبار محليّة

المطران عودة: بأي سلام نحلم والظلم يسود العالم

الأحد ١٥ كانون الأول ٢٠١٧ - 14:01

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

القى متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عودة كلمة في الذكرى الثانية عشرة لاستشهاد النائب جبران تويني في كاتدرائية القديس جاورجيوس، قال فيها: "طالعنا الرئيس الأميركي اخيرا بقرار نقل سفارة بلاده إلى القدس وجعل القدس عاصمة لكيان لا نعترف به أصلا، ونعتبره عدوا على الصعيد الوطني. لقد كانت القدس، وستبقى، في وعينا المسيحي الكنسي، مدينة السلام "أورشليم"، المدينة التي وطئتها قدما سيدنا الرب يسوع المسيح منذ طفولته، وكان يزورها كل سنة في عيد الفصح مع والدته مريم ويوسف، والتي صلى في أروقة هيكلها وبشر فيها وبذل فيها ذاته ذبيحة عن الإنسانية لكي يخلصها. كيف لهذه المدينة أن تفقد هويتها العربية وتصبح مكانا يشهد على اضطهاد وسحق للمؤمنين بالله؟"

اضاف: "كثيرون تغنوا بالقدس، وكتبوا أشعار وقصائد، معددين ما تجمعه هذه المدينة المقدسة من ميزات. ليس عبثا أنها سميت "زهرة المدائن"، إذ إنها زهرة سلام بيضاء تجمع بين حناياها الإخوة في الله مسيحيين ومسلمين، لأنه ليس هناك أخوة حقيقية إلا بالله. إنها المكان الذي نتوق جميعا إلى زيارته والسير في طريق الجلجلة التي خطاها الرب والتبرك من القبر المقدس ومن كنيسة القيامة وموضع الصعود وقبر والدة الإله وغيرها من أماكن الحج المسيحية والإسلامية التي حالف آباؤنا الحظ بأن يزوروها بينما نحن محرومون من ذلك".

وتابع: "لا بد لنا اليوم، في ظل هذه السحابة السوداء المحيطة بمنطقتنا العربية عموما، وبقدسنا العربية خصوصا، من أن نرفع الدعاء والصلاة، إلى طفل مغارة بيت لحم، الذي نتهيأ للاحتفال بذكرى تجسده الإلهي، لكي يحل النور مكان الظلام وشمس العدل مكان الغمام، فيكون ميلاد الرب ميلادا للسلام في كل المنطقة وفي العالم أجمع".

وقال عوده: "قبل الإنجيل سمعنا مقطعا من رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، يشددهم فيها ويدعوهم إلى الإستقواء بالرب، وبه وحده، وإلى لبس سلاح الله الكامل ليستطيعوا التغلب على الشيطان ومكائده. المؤمن مهدد باستمرار من غير المؤمنين، الذين يرتاح الشيطان أن يسكن فيهم وأن يقوم بكل مكائده لأنه لا يرتاح عند رؤية إنسان مؤمن، يسلك السلوك الحسن ويعمل ما يرضي الله، لذا يجند هذا الشرير ملائكته للايقاع بهذا المؤمن واصطياده. كيف يتغلب المؤمن في حربه ضد الشرير وملائكته؟ باتخاذه سلاح الله الكامل الذي به وحده ينجو من شراك العدو، ملك الظلمة ورئيس أجناد الشر. يقول الرسول: "أثبتوا إذا، ممنطقين أحقاءكم بالحق، ولابسين درع البر، وأنعلوا أقدامكم باستعداد إنجيل السلام، واحملوا علاوة على كل ذلك ترس الإيمان الذي به تقدرون أن تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة، واتخذوا خوذة الخلاص وسيف الروح الذي هو كلمة الله" (أفسس 6: 14 - 17).

واردف: "سلاح الله هو إذا الحق والبر، هو الإيمان وإنجيل السلام، هو كلمة الله التي وحدها تنجي وتنعش، وتنشر في النفس الأمل والرجاء، فيما نحن نجاهد للخروج منتصرين من هذه الحروب ضد فخاخ العدو، الشيطان وأتباعه، فننال المجد السماوي الذي هو المجد الحقيقي وغير الفاسد، الذي لا يفنى ولا يزول.
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: "إن سعيتم إلى إرضاء الناس ستفقدون الصلاة والصوم والرحمة وكل غناكم الروحي. هل تريدون المحافظة على هذه الخيرات التي لا تقدر؟ أبعدوا عن هوى الطموح إلى إرضاء الناس واطلبوا دائما رأي الله ومدحه ورضاه. هكذا تقطعون مسافة الحياة الأرضية بشكل مرض لله وتستحقون التمتع بالخيرات الآتية مع كل أصدقاء الرب".

وتابع: "جبران الذي نصلي اليوم من أجل راحة نفسه، لم يسع يوما إلى إرضاء الناس، بل إلى إرضاء ربه وضميره. وإلا لكان داهن ومالق وساير وما انتقد خطأ أو رفض ظلما أو ساند ضعيفا ومحتاجا. ولما كان وقف في وجه كل من أراد أن يؤذي وطنه ويستبيح حريته أو كرامة أبنائه.
كان يحلم بوطن موحد، حر، مستقل، مزدهر، ديمقراطي، تسوده العدالة، وطن يستحقه أبناؤه أمثال جبران الذين يتمتعون بالذكاء والطموح والكرامة والعنفوان. هل كان حلمه هذا مستحيلا؟ طبعا لا. بل حلم جبران هو واقع في الدول المتقدمة والراقية. أليس الوطن في تحديده هو ملاذ المواطن ومسكنه، يجد فيه أبناؤه الأمان والإستقرار والسكون والراحة النفسية إذ يعامل الجميع بالتساوي، ويكون الحكام في خدمة الشعب، ويكون الشعب كله للوطن لا لغيره، ويعلو الحق على كل ما سواه، وتطبق القوانين على الجميع دون تفرقة، ويقوم الجميع بواجباتهم ويحصل الجميع على حقوقهم إلى أية طائفة أو حزب أو جهة انتموا، فلا يستجدون حقا أو وظيفة أو مركزا أو رخصة لمؤسسة جامعية مستوفية جميع الشروط، لأن القوانين تحكم لا المصالح، والكفاءة هي ممر العبور الوحيد.
هل هذه يوتوبيا أم أنها حقيقة في كل بلد يحترم نفسه ومواطنيه؟
كان جبران يحلم بوطن يعيش فيه مع مواطنيه بحرية ومحبة وأخوة وطمأنينة. وما زلنا، بعد إثنتي عشرة سنة من اغتياله، نحلم بهذا الوطن. نحلم بوطن تسوده العدالة. نحلم بوطن تطبق فيه القوانين. نحلم بوطن لا يستقوي فيه مواطن مهما علا شأنه على الآخر، ولا يظلم رئيس مرؤوسا، ولا يقدم فيه أتباع الأحزاب على غيرهم بل يحظى الجميع بفرص متكافئة. نحلم بوطن لا فساد يتغلغل في نفوس أبنائه وحكامهم، ولا كيدية تحكم تصرفاتهم، ولا مصلحة تقود سلوكهم، ولا حقد يملأ قلوبهم ولا ولاء لهم إلا لوطنهم.
ما زلنا يا جبران نأمل، كما كنت تأمل، أن يحل السلام في الأرجاء وفي القلوب. ولكن بأي سلام نحلم والظلم يسود العالم والأقوى يفرض شروطه على الضعفاء، ومدينة السلام، مدينة النور والصلاة، القدس، مهد الديانات والمدينة التي نشأ فيها الرب يسوع الذي سنحتفل بذكرى ولادته قريبا، وفيها بشر وفيها سار درب جلجلته وصلب ومات ثم قام دائسا الموت بموته، قد أصبحت ورقة يلعب بها الأقوياء ويقايضون. وإخوتنا الفلسطينيون، طيلة سنوات احتلالها، كانوا منشغلين بالتقاتل والتشاتم واضطهاد بعضهم بعضا عوض التكاتف والتوحد في وجه العدو المغتصب المدينة المقدسة. والعرب غافلون يتلهون بمشاكلهم".

وتابع: "ماذا نقول؟ أهنيئا لك لأنك تنعم الآن حيث أنت، بما كنت تحلم به هنا؟ أم هنيئا لنا أن شهابا مضيئا مر في حياة وطننا، كان اسمه جبران، كان على شاكلة شفيعه رئيس الملائكة جبرائيل شهابا ناريا، رحل وما زالت كلماته وأفكاره وأفعاله تضج في الضمائر؟
جبران عاشق الحرية، الأمين للبنان والوفي له وحده، الصادق مع نفسه ومع الآخرين، الشاب الذي لم ينحن ولم يخف من قول الحق، ولم يخش الموت وكأني به يقول: "يا الله أنت ناصري، إلهي رحمتك تدركني"، كان دينونة للآخرين لذلك أرادوا باغتياله إسكات الصوت الحر، صوت الضمير الذي يزعج من مات ضميره. اغتياله كان دليلا على إفلاس قاتله وضعفه وحقده الأعمى. لم يملك من قتل جبران أن يقارع الكلمة بالكلمة والحجة بالحجة، فارتأى إلغاء الغريم، جاهلا أن من يقتل الجسد لا يستطيع قتل النفس، ومن يلغي الجسد لا يستطيع إلغاء ما تركه هذا الجسد من مآثر، ومن كلمات ما زالت تصدح في ضمير كل من سمعها. يقول الرب يسوع: "لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد ولكن النفس لا يقدرون أن يقتلوها". (متى 10: 28).

وختم: "رجاؤناأن يبقى صوت جبران وقسمه صداحا في نفوس اللبنانيين لكي يتابعوا مسيرة جبران ويلاحقوا أحلامه مع بنات جبران وأصدقائه وأحبائه، إلى أن يقوم لبنان صحيحا معافى وقد تخلص من جميع أمراضه وضعفاته وتخلى عن كل ما يعيق صيرورته الوطن الذي يحلم به أبناؤه. رجاء المسيحي مؤكد لأنه يؤمن بالإله الذي بذل نفسه من أجله ليقيمه معه ويسكنه في ملكوته. جبران كان مؤمنا وعاش على الرجاء، ونحن معه على هذا الرجاء، ومتيقنون أننا لا بد طالعون من الأحزان والتجارب التي نعيشها إلى فجر جديد ويوم جديد".
 

  • شارك الخبر