hit counter script

مقالات مختارة - نسيم الخوري

عندما يفلت الخبر في لبنان إلى وجهات نظر

السبت ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 09:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

تفتح البشرية عيونها منذ سنوات علىإفتتاحيّات الصحف والإذاعات والشاشات وموادها المتناثرةاللامنتهية في تآلفها وتناقضهاوتحدّقفي بلاد المسلمينحيث تتصدّر نزاعاتهم وحروبهم وشراستهم الأخبار.ولامبالغة في الإشارة إلى أنّ العين البشرية تنصبّ مثل حدقتي الصقرمنذ أسبوعين على لبنان واللبنانيين الراقصين بوحدتهمبعد إستقالة رئيس حكومتهم سعد الحريري بعدما أدمنوا في الرقص بتشظّياتهم الحادة فوق شفرات السيوف. سعد الحريري هو الحدث الذي تقاتل شكله مع مضمونه لكنّه القتال البرّاقالذي عكس الواقع والتوصيف المرّ لحفنةٍ صغيرةٍ متنوّعة من البشر مذهبياً وطائفياً وسياسياً أصابتهم المفاجأة بالصدمة وأخذتهم المجادلات وحفرالإنقسامات وكشف الكثير من الأغطية، لكنّ الإجتماع أمسكهم بحكمة شيخ بعبدا الرئيس ميشال عون.أجمعهم أو قرّبهم من بعض وبان وكأن الطير فوق رؤوس الساكتين.
لماذا؟
لأنّ فلسفة الإنتظار والتريّث كانت أكثر من ضرورةللسلطة الرسميّة التي أرّقها الفراغ، ولأنّ الحكمة في الإنتظار ساندها خوفان كبيران:
1- الخوف الأوّل هو التلويح بأوان خروجهم من نعمة إستقرارهم الثمين خلافاً لمحيطهم القريب الملتهب، معطوفاً على إحياء تاريخهم الدامي القريب الذي كان يربط بين وقف النار ووقف الحملات الإعلامية.ولطالما إكتوت أجيالهم بالحروب والهجران والتهجير والجروح التي بدت وكأنّ الدماء فيها لم تيبس بعد. كانوا روّاداً في فلش السجّاد الأحمر ل"حروب الآخرين على أرضهم" وفقاً لمعادلة المرحوم الصديق غسّان تويني مع أنّ لبنانهم صاحب حظوة ومقيم في عين العرب مثل عصفور جميل لا يفترض به الطيران أو الدخول في لعبة البواشق الخطرةإذ
تحلّق في الفضاء.
2- الخوف الثاني إقتصادي مرعبفي وطن من فساد عاصٍ عن الإصلاح ولا طاقة لهم من تحمّل نتائجه، خصوصاً وأنّ مدّخراتهم سبق وأكلتها لعبة الأسواق المصرفيّة وتأرجح أسعار العملات وحقّق ثروات هائلة، وخلط الطبقات الإجتماعية بين من كان تحت ومن كان فوق، الى الحدود التي جعلتك تلمس بالعين المجرّدة حجم الفجوات الشاسعة بين الطبقة الحزبيّة الحاكمة والشرائح الإجتماعية السابحة في بحور العوز التي تبدو وكأنّها تذوب في محيطات السوريين والفلسطينيين وغيرهم من جنسيات الأرض الواسعة.هل يمكننا أن نغفل أعداد المواطنين اللبنانيين الكثر المغرّدين فوق صفحات وسائل التواصل الإجتماعي اللذين رحت تقرأ لهم مناشدات وتمنيّات ومطالبات بمحمّد بن سلمان لبناني يكشف الأغطية ويقبض على أجيال الفاسدين الذين يجمعهم الفساد ويبلعون لبنان الغني ويتناكفون في السياسة؟لم يكن هذا المشهد
منتظراً لكنّه بان طبيعياً ومستوعباً على الرغم من دقّته وصعوبته.لماذا أيضاً؟
لأنّه كان لا يمكنناأن نفهم فلسفة ومعاني ومغازي هذه الحمّى في وسائل الإعلامإذ راح المغالون من السياسيين والإعلاميين يقفزون من شاشة الى شاشة ومن مقابلة إذاعية الى أخرى ويرتجلون في مقابلاتهم وخطبهم ومواقفهم ومصادرهم الموثوقة وغير الموثوقة ويذرون القلق في الأرجاء. الغريب في الأمر أنّهم كانوا وما زالوا يستخفّون بالناس والأوطان عندما يصبح المدافعين المغالين عن تيّار المستقبل من الشيعية والمسيحيين وبالمقابل يصبح المغالين في الدفاع عن حزب الله وإيران من السنّة والمسيحيين.هللنا أن نضيف الى محاضراتنا في الجامعات في معاهد الإعلام نظريّة إعلامية جديدة في تبادلية الطوائف وصراعات الأحزاب؟
كان هناك أيضاً، "جيوش"جرّارة من الإعلاميات والإعلاميين الراكضين خلف الأبواب لإلتقاط كلمة أو نبسةلا يغمضون عيونهم في رصد الأنفاس وحركات الأجساد وتقاسيم الوجوه والصور وحتّى القراءة في الأفكار والنيّات ويوحون بقبضهم على الأسرار الدفينة المتناقضة التي تلفّ الرأي العام بالدخان والضياع والخواف والجنون وإدارة الظهر عن هذه الحمّى.
هل أجازف إن كتبت بأنّني شعرت بالأسى والأسف على أكثر من ثلاثة عقود إستهلكتها أستاذاً محاضراً في ملاك كليّة الإعلام ومديراً لها، وكأنّ لا قوانين في الإعلام ولا أخلاق إعلامية ولا حدوداً للتفكير ولا للقول أوالكتابة، وكأنّ صواعق المشاعية ضربت الأذهان والألسن والتقارير والتدفّق في نقل الوقائع وتحريفها وتكذيبها والتنافس بين الإعلاميات تحديداً الى درجة يمكن رصد مكمن هذا التنافس بعدد الكلمات التي يعجز عنها الإنسان الطبيعي بل يمكن للإعلامية من رشق المشاهدين بألف كلمة في الدقيقة الواحدة.
ما هذا التدفق المعيب والتكرار الغريب عبر هواء الشاشات المفتوحة حتى الثمالة؟
إلى حدود وقوعهم في مرضين:
- مرض النجومية بسبب التقرّب منرموز السلطة ومجالستها وتذوّق حلاواتها الى درجة جذب العيون والإنتباهات ولعب أدوارٍ وإتّخاذ مواقف خالية من أيّة مسؤولية. ويقوى هذا المرض بفتون المسؤولين الظاهر أحياناً بقوّة الإعلاميين وبراعتهم للإحاقة بالرأي العام.
- مرض التنجيم لا بمعناه المعروف الذي إجتاح العديد من الشاشات والعقول فقط، لكن بمعنى الإجتهاد والتذاكي في كشف المضمر والباطن ورمي أكوام الأفكار والآراء المضلّلة فوق الأرصفة والساحات، ومطّ الأعناق والتحليلاتإلى مستويات عالية وخطرة تتجاوز فوق الأخلاق والآداب والحقائق والأصولوتقفز أمام أصحاب القرار أو بما يطمس الحدث وأسبابه وتداعياته وصوابه أو أخطائه.
صحيح أنّ البشرية منقادة الى ثالوث يطبعها هو المال والديمقراطية والإقتصاد الحر وفوقها إنفجارات تكنولوجيا علوم الإعلام بصيغة الجمع لأنّها ظاهرة عامة تطاول حركة الدنيا، وصحيح أن الخبر الذي نكتبه بالإنكليزية NEWSيحمل بذرة العولمة التي تصل بصداها الى جهات الأرض الأربعة: ال N تعني جهة الشمالNorth وال E تعني الشرق East والW تعني الغرب West وال Sتعني الجنوب ،Sout، ويمكن تذكّر صحّة أن بريطانيا كانت من حيث سلطاتها تسمّى البلاد التي لا تغرب عنها الشمس، لكن عندما يتحوّل إعلامنا إلى إعتبار الخبر وجهة نظر* فتلك هي الكارثة الثقافية/الوطنية التي ينخرط فيها الجميع فتضيع المفاهيم وتتفرّق الطوائف والمذاهب وتتقاتل الأوطان من دون بلوغ درر المعاني مثل العدالة والحرية والمساواة والتطور وأساليب المعرفة الحضارية.

"الدكتور نسيم الخوري"

  • شارك الخبر