hit counter script

أخبار محليّة

الحريري علّق استقالته على حوار "الفرصة الأخيرة" ورمى الكرة بملعب عون

الخميس ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 06:47

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

نصفُ استقالةٍ، استقالةٌ بـ «السياسة» وتَريُّثٌ في الخطوة الدستورية، تَراجُعٌ تكتيكي في لحظةِ تَحوُّلٍ إستراتيجي، فكُّ ارتباطٍ بـ «تسويةٍ» تَداعتْ وفتْحُ نافذةٍ لأخرى أكثر تَوازُناً، الانتقال الهادئ من ستاتيكو بلغ المأزق الى البحث عن معادلةٍ تُخْرِج لبنان من لعبة «التعادل السلبي» على المسرح الاقليمي – الدولي الذي ازداد حماوةً واستقطاباً في الأسابيع الماضية.

بهذه المقاربات السريعة لإعلان رئيس الحكومة سعد الحريري التريّث في تقديم استقالته استجابةً لتمني رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، يمكن القول إن المساعي الدولية - الاقليمية، ولا سيما الفرنسية - المصرية أتاحت للبنان شراء المزيد من الوقت للخروج من «عنق الزجاجة» بعدما لاحتْ في الأفق ملامح ما هو أسوأ من الحرب السياسية القابلة للاشتعال.

إنه «رجل المفاجآت الكبرى» و«علبة أسرار» ومستودعٌ للاسئلة وما بعدها... هكذا تَحوّل الرئيس الحريري عندما فاجأ الجميع باستقالةٍ «صادمة» من الرياض في الرابع من الشهر الجاري، وحين فاجأ الجميع بتريُّثه في تقديم استقالته في بيروت، أمس، أي بعد 18 يوماً شكّلت ميداناً لـ «قلْب الطاولة» واستدرجتْ استنفاراً ديبلوماسياً قلّ نظيره أطلت معه قواعد جديدة للعبة في لبنان.

حتى لحظة هبوط طائرته ليل اول من امس في مطار رفيق الحريري الدولي، آتياً من استراحة في باريس بعد الرياض، معرّجاً على مصر وقبرص، كانت سيناريوات الحريري في ملاقاة المرحلة المقبلة على غموضها... سيستقيل إيذاناً بأزمةٍ مفتوحة في البلاد، لن يستقيل حفاظاً على ما هو عليه الواقع الراهن، فإذا به يختار ما بين بين.

فالحريري العائد من ثلاث قمم مع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والمصري عبد الفتاح السيسي والقبرصي نيكوس اناستاسيادس، قرّر التلويح بالاستقالة بيدٍ وبالحوار باليد الأخرى، الأمر الذي يحفظ الاستقرار الأمني والسياسي في البلاد ويفتح الطريق أمام حوار جدي، وعلى الأرجح في إطار سقفٍ زمني محدد بـ 15 يوماً، يتناول الملفات الخلافية الشائكة في بُعديْها الداخلي والإقليمي على حد سواء.

فاستقالة الحريري «المعلَّقة» التي أرادها لإحداث «صدمة ايجابية» حرّكتْ المياه الراكدة في لبنان، ربْطاً بالمتغيرات الهائلة والمتسارعة في المنطقة التي «ودّعت» التنظيم الأخطر والأكثر إثارة للجدل - أي «داعش» - ودخلتْ في «ترتيباتٍ إقليمية» لم تتضح فصولها بعد، ولن يكون لبنان بمعزلٍ عن «حصْر الإرث» فيها.

والثابت أن حركة الحريري كعنوانٍ لمخاضٍ صعب يشهده لبنان تأتي محكومةً بـ «سقفيْن متوازييْن» في تَشدُّدهما:

الأول، يتمثل في الخلاصة التي انتهى إليها الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب باعتبار «حزب الله» منظمة إرهابية، و«ربْط نزاع» مع الحكومة اللبنانية التي يشارك فيها الحزب، والتلويح باللجوء الى مجلس الامن لتدويل الموقف من النفوذ الإيراني وأذرعه في المنطقة.

والثاني، يتجلى في تَعامُل «محور الممانعة» الذي تقوده إيران على انه «المنتصر» بعدما أنجز المهمة في سورية والعراق وكرّس الهلال الممتدّ من طهران الى بيروت مروراً ببغداد ودمشق، وتالياً فإن ايحاءاته بـ«المرونة» لا تعني استعداده لتقديم تنازلاتٍ جوهرية.

وسط هذا «التكافؤ السلبي» بين المعسكريْن، رمى الحريري الكرة في ملعب الرئيس عون والآخرين في لبنان بعدما كان قال لهم إن يداً واحدة لا تصفّق وان التنازل الأحادي لا يصنع تسوية، وان إدارة الظهر للعالم العربي أو طعْنه سيكون أقصر الطرق نحو أخطارٍ يَفترض تفاديها تفاهماتٍ من نوع جديد تجعل مصلحة لبنان اولاً.

والحريري، الذي يسعى لتحويل التكافؤ السلبي فرصةً لتحقيق إيجابياتٍ ولو من «فم المأزق»، رَسَمَ في «خطاب التريث» الذي ألقاه من القصر الجمهوري، بعد خلوة ثلاثية جمعته مع عون ورئيس البرلمان نبيه بري أعقبها اجتماعٌ ثنائي مع رئيس الجمهورية، «خريطة الطريق» للمرحلة المقبلة وسقف الحوار المطلوب إجراؤه على قاعدة: «تجديد التمسّك باتفاق الطائف ومنطلقات الوفاق الوطني ومعالجة المسائل الخلافية وانعكاساتها على علاقات لبنان مع الاشقاء العرب»، و«وجوب الالتزام بسياسة النأي بالنفس عن الحروب وعن الصراعات الخارجية والنزاعات الاقليمية وعن كل ما يسيء الى الاستقرار الداخلي والعلاقات الأخوية مع الأشقاء العرب»، و«التطلع إلى شراكة حقيقية من كل القوى السياسية، في تقديم مصلحة لبنان العليا على أي مصالح اخرى وفي الحفاظ على سلامة العيش المشترك بين اللبنانيين وعلى المسار المطلوب لإعادة بناء الدولة».

وحرص الحريري في خطابه على توجيه شكرٍ الى كل من عون وبري على أدائهما منذ إعلانه الاستقالة، مؤكداً «التزامي التام التعاون مع فخامة الرئيس لمواصلة مسيرة النهوض بلبنان وحمايته بكل الوسائل الممكنة من الحروب والحرائق المحيطة وتداعياتها، على كل صعيد». وقال: «عرضتُ اليوم (امس) استقالتي على فخامة الرئيس، وقد تمنّى عليّ التريث في تقديمها والاحتفاظ بها لمزيد من التشاور في اسبابها وخلفياتها السياسية، فأبديت تجاوبي مع هذا التمني، آملاً ان يشكّل مدخلاً جدياً لحوارٍ مسؤول...».

وفيما فسّرت بعض الدوائر خطوة رئيس الحكومة على أنها تَراجُعية، اعتبرتْ أوساط قريبة من «تيار المستقبل» ان التريث في الاستقالة هو تَمهُّل وإتاحة الفرصة لمراجعة حقيقية لمسار المرحلة السابقة، لافتة الى ان هناك 3 عناوين رئيسية تحدّث عنها الحريري وعبّرت عن حقيقة الخلل الموجود سواء في الشراكة والتوازن الداخلي او العلاقة مع العالم العربي والشرعية الدولية، ولافتة الى ان التريث لا يعني عدم الاستقالة بمقدار ما هو فتْح للباب أمام حوار ليُبنى على الشيء مقتضاه وليتحمّل الآخرون مسؤولياتهم.

وفي حين كثرت الأسئلة حول «مرحلة الحوار»، شكله، مدّته، آلياته وصولاً الى وضعية الحكومة خلال هذه الفترة وإذا كانت ستعاود عملها كأن شيئاً لم يكن، رجّحت دوائر سياسية «ألا يعلو صوت فوق صوت الحوار» بمعنى ان «الحوار أولا»، فيما نُقل عن مصادر القصر الجمهوري أن عون يقدّر الجهد الذي بذله الحريري في رئاسة الحكومة وأن بعض ما أثاره في شرْحه أسباب الاستقالة يحتاج الى تشاور بين الأفرقاء، ولافتة الى ان لا مهلة محدَّدة كسقف زمني للتشاور حول النقاط التي أثارها رئيس الحكومة وان لا تصور بعد لدى عون حول شكل التشاور و«بعد تقييم الوضع سيتخذ القرار في هذا الشأن».

وجاءت «فرْملة» الحريري لاستقالته غداة حركة اتصالات بارزة أجراها على خط مصر وقبرص في موازاة مواصلة الرئيس ماكرون «ديبلوماسية الهاتف» مع العواصم ذات الصلة.

وكان الأبرز في هذا السياق لقاء الحريري في القاهرة ليل اول من امس مع الرئيس السيسي الذي أكد «ضرورة توافق الأطراف اللبنانية ورفض التدخل الأجنبي» مشدداً على «دعمه الكامل للحفاظ على استقرار لبنان»، ومطالباً «بضرورة قيام جميع الأطراف اللبنانية بالتوافق في ما بينها واعلاء المصلحة الوطنية العليا للشعب اللبناني، ورفض مساعي التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبنان».

وعُلم ان الرئيس السيسي أجرى خلال وجود الحريري في مكتبه اتصالاً بالرئيس عون تمّ خلاله التداول في التطورات الراهنة.

وفيما كانت الأنظار تتجه الى عودة الحريري مباشرةً الى بيروت بعد محطة القاهرة فوجئ الجميع بزيارة خاطفة وغير مرتقبة لقبرص حيث التقى رئيسها في مطار لارنكا لنحو 45 دقيقة، وسط تقارير أوحت ان رئيس الحكومة أجرى خلال هذه المحطة مشاورات مع شخصيات غير قبرصية.

ولفت أمس إعلان قبرص انها ستحاول طرح مبادرات للمساعدة في نزْع فتيل الأزمة في لبنان، وقال نيكوس كريستودوليدس الناطق باسم الحكومة القبرصية «هدفنا المشترك هو استقرار لبنان واستقرار منطقتنا. وفي هذا السياق... سيطرح رئيس الجمهورية بعض المبادرات تحديداً لمؤازرة هذا الهدف: استقرار لبنان».

وكان الرئيس عون وجّه الى اللبنانيين عشية الاستقلال رسالة متلفزة تضمّنت إشارة اعتُبرت ذات مغزى حين تحدث عن ان الأزمة الحكومية «عبرت إلا أنها قطعاً لم تكن قضية عابرة».
"الراي"

  • شارك الخبر