hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - أنطوان العويط

عن الاستقلال الضائع

الأربعاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 05:57

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كم بالغ الألم، حين، في ذكرى الاستقلال، ووسط هذا السقوط المريع، لا يعود لي من أناجيه سوى طفل عصفور تتأوّه له النجوم.
كم عميق النزف، حين، يحشرج قنديل الوطن في الضوء المستسلم للموت.
لولا عائلة مشغوفة بالقلب وأناشيد الأحلام، لما كنت استطعت.
لولا المرأة البلاد.
لولا بحّة ملائكيّة بإيقاعاتها تغمر النزع بالحياة.
لولا حفنة قليلة متبقيّة من وجد صديقات وأصدقاء.
لولاهم، لكنت مع وطني أعلنت هزيمتي وأشهرت للظلمة أفول البدر وغياهب النهايات.
وعلى الرغم من واقع الجماعات اللبنانيّة في هذه الذكرى، التي وصلت إلى حالة من التردّي والانحدار بسبب من سقوط روحيّ وقيميّ وأخلاقيّ ووجدانيّ ووطنيّ مخيف، ونتيجة لعمل أيدي الوصايات والتبعيّة ولحظات الانتهاز والتلوّن، لا أزال أقوى بمن أحبّ. وكذلك يفعل وطني. ويبقى. شاء من شاء وأبى من أبى.
فيما يتابع اللبنانيون الاحتفال بذكرى الاستقلال، وتنشغل الكاميرات بالمنصّة التي يشغل وسطها رئيس الجمهورية، وحوله من الجانبين رئيس المجلس النيابي ورئيس مجلس الوزراء، تبقى البلاد مشرّعة على الأسئلة الكبيرة بالقدر المقلق الذي باتت عليه.
الواقع أنّ لبنان شكّل عبر تاريخه الطويل ملجأً لأقلّيات متنوّعة هربت من الاضطهاد، تحوّلت فيما بعد إلى جماعات تعايشت بعضها مع بعض كما تناحرت.
وهي تقف اليوم عاجزةً عن الانتقال إلى مرحلة المواطنة المحتضنة للتعدّدية، بعدما فشلت في تقديس الأرض التي منحتها الأمان.
وعندما أمعَن بعضها في التفريط بالقيم المشتركة المكوّنة للعقد الاجتماعيّ في وطن نهائيّ، ها هي البلاد تتداعى.
لقد عملت عصا الحكّام كما المستعمرين والمحتلّين وأصحاب المصالح الإقليميّة والدوليّة في رقاب هذه الجماعات، فأجهدوها ونجحوا في إثارة الفتن في صفوفها. ولهذا يشهد اللبنانيون اليوم تداعيات تاريخ طويل من التحدّيات والخيبات، وأيضاً يفشلون في تسيير أبسط متطلّباتهم، وفي إدارة شؤونهم الوطنيّة العامة، كما في تحييد ذواتهم الخاصة ضمن التنوّع والتعدد إزاء الصراعات الإقليميّة القائمة.
المؤلم أنّ أثر الدنيويّ ومكانته في نفوس بعض الجماعات اللبنانيّة لم يتغيّر بعد انتهاء الوصاية السوريّة، فركبَ الغرور السياسة، وطمعت في الانقلاب على كلّ القيَم والمواثيق والعهود التاريخيّة، أو رغبَت في امتطائها والالتفاف عليها وتشويه معانيها، فانهار البناء.
هذا، ولا يزال الضعف البشريّ يعمل في معظمهم. وإذ يتقارب بعضُهم من بعض، تبثّ الفرقة في مجموعهم ليعودوا يتفرّقون جماعات وشيعاً. وها هي شياطين الثروات والكراسي والمناصب والأمجاد تغويهم، كما بلاد الإقليم والعالم على حساب لبنان.
دورهم وهم يحتفلون بذكرى استقلالهم أن يثوروا على ذواتهم، وعلى كراسيهم، وعلى مؤسّساتهم، وعلى واقعِهم الدينيّ، والسياسيّ، والمجتمعيّ، وعلى المحاور الإقليميّة والدوليّة، وأن يعلنوا العودة إلى الينابيع، ليستعيدوا كرامة لبنان واستقلال لبنان.

  • شارك الخبر