hit counter script

باقلامهم - مازن ح. عبّود

الرمانة

الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 06:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

مازلت اذكر يا ولدي كيف كنت امضي مع جدتي "حواء" الى الجنينة كي نقطف الثمر. ومازالت اغنية "تك تك يا ام سليمان" تقيمها وتجعلها تنتصب بتألق مجددا امامي. فتتلو على مسامعي قصتها. وتغني لي طفلا غنوتها.

سألتها مرة عن نغمها والغنوة، وعمّا اذا كانت "ام سليمان" هي نفسها "اماندا" جارتها ونسيبتها. فأجابت بلا.
فكان ان قطفت لي رمانة. امسكتها وقلّبتها. ثمّ اعطتني اياها. وقصّت عليّ قصتها.
قصة اوصتني ان اتلوها على مسامع ابنائي من بعدي، وان اهمس في آذانهم "تكتكات" الارض غنوة.
جدتي "حواء" اليوم مضت. وصارت والرمانة والغنوة القصة.
وها إني اليوم يا صغيري، اصطحبك الى حديقتي بدوري. اقطف من شجرتها رمانة. واتذكر معك جدتي.
لا اعلم لماذا أرى نفسي فيك اليوم يا ولدي، وذلك بالرغم من اني مدرك بانّ كل انسان يأتي الى العالم فريدا، لا يشبه الا نفسه. يأتي بمهمة مختلفة ونكهة مختلفة. يسطر قصته بقلمه، ويمضي. لا اعلم لماذا ابلغك بكل هذه الأشياء، وانا مقتنع بأنّ الانسان لا يتعلم بالسماع بل بالتجربة.
قطفت الرمانة. قلّبتها وقدمتها له، وقلت:
"أترى يا بنيّ هذه الرمانة؟ الا فانظر اليها جدا. قل لي ماذا تشبه؟".
حمل الرمانة. وإذا بالرمانة متوّجة، ومحاطة بقشرة. سألته ان يأكلها بقشرتها. فعجز لانها كانت مرّة وسميكة. فساعدته في ازالة القشرة. ودعوته ان ينظر اليها مجددا. فوجدها مؤلفة من الوف الحبات الصغيرة المتناغمة، والمتفاوتة في احمرارها نسبيا. حبات تقيم في مغلفات متجاورة ومتضامنة.
وتابعت:"الا تشبه الرمانة الارض يا ولدي؟ الا فأنظر كم تشبه الارض في شكلها ومضامينها. فالرمانة كوكب، والمغلفات شعوب وحضارات وبلدان تتجاور وتتفاعل. ابلغته عن كل الحلاوة والمرارة في الثمرة. وطلبت اليه ان يتذوقها، فوجدها لذيذة. كانت تلك لذة الحياة بعد مرارة".
وقلت: "تفسد الرمانة ان سمكت القشرة. وتتشقق الثمرة ان تصارعت الحبات وتقع، فيلتهمها التراب.
تسمك القشرة بفعل الانانية التي تحجب عن الناس الشمس، فيتغيّر كل الطعم واللون.
وتتشقق الثمرة بفعل انفجار الاطماع، فتقع الحبيبات في أدنى الدركات. فمهمتنا ان نصون الثمرة".
وتطلّع الى التاج، وسأل عن ماهيته. فأجبت بانّ النعمة تكلل الكوكب والثمرة. وتجعل منه مكانا للملك ومنها ثمرة ملوكية.
وتابعت: "حذار ان يسقط التاج، فيهملنا الملك. ويتغيّر الكوكب، ولا يعود للزهور والبراعم مطارح عندنا. ما يتوّج الكوكب هو الصلاح. وما زالت قلة قليلة تعمل له. قلة لا يجب ان تزول عن وجه الارض، كي تبقى النعمة والتاج والثمرة، وكلها من نتاج الصلاح".
وسألته ان يعمل للصلاح على الكوكب، فلا تنطفئ النقطة المشعة في المجرة. تنتهي الكواكب اذا ما انتهت مهمتها، وتعارضت نظمها مع مبادئ ونظم الكون ومجراته. طلبت اليه ان يصلي ويعمل من اجل الكوكب واهله. نعم، فالرمانة بيتنا الوحيد، والارض تشع بمناراتها.
فما كان به الا ان امسك الرمانة وراح يقلبها. ومضى يفكك حباتها وينظر الى قشرتها وشجرتها والعالم من حولها، ويغني "تك تك يا ام سليمان"، ويلتهم من حبيباتها، ويسأل عن جدتي وقصصها.
 

  • شارك الخبر