hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

أبعد من استقالة... إنّه مصير لبنان

الثلاثاء ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 06:02

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ليست استقالة سعد الحريري من موقع رئيس مجلس الوزراء في لبنان، وهذا يعني استقالة حكومته، مجرّد استقالة عادية. دخل لبنان نفقاً مظلماً نظراً إلى أن الاستقالة تطرح مصير لبنان وموقعه في الاقليم. هل لبنان بلد عربي أم لا؟ الثابت أنّ لبنان ما بعد استقالة سعد الحريري ليس كما لبنان قبل الاستقالة التي سبقتها تسوية أدت الى وصول ميشال عون الى رئاسة الجمهورية في اليوم الأخير من أكتوبر 2016.

لم تعد هذه التسوية صالحة لسبب في غاية البساطة. يعود السبب الى أن رئيس الجمهورية لم يكن قادراً، منذ وصوله الى قصر بعبدا، على الوقوف على مسافة واحدة من كلّ الأطراف التي أوصلته الى الرئاسة. تبيّن أن ميشال عون، على الرغم من كلّ ما لديه من نيّات طيّبة، لا يستطيع إلّا أن يكون مع «حزب الله» ومع أجندته الايرانية.

وضع الوزراء المحسوبون عليه نفسهم في خدمة الحزب والسياسة الايرانية التي أخذت في الأشهر القليلة الماضية توجهاً أكثر عدائية في المنطقة في ظلّ عوامل عدّة. أبرز هذه العوامل غياب الاستراتيجية الاميركية الواضحة في سورية والتي ترافقت مع تدهور في العلاقات بين واشنطن وموسكو من جهة والتقارب الروسي – الايراني على الأرض السورية من جهة أخرى.

كان لا مفرّ من الاستقالة بعد فشل التسوية وظهور أن رئيس الوزراء السنّي سعد الحريري، الذي قدّم تنازلات كبيرة من أجل الحؤول دون استمرار الفراغ الرئاسي، لم يعد قادراً على تحمّل المزيد. تحوّل لبنان تدريجاً إلى ما يشبه قاعدة إيرانية وجرم يدور في الفلك الايراني، خصوصاً بعد فقدان رئاسة مجلس الوزراء ومجلس الوزراء نفسه أي سلطة على أيّ وزير. صار كلّ وزير يقوم بما يحلو للجماعة التي ينتمي إليها. هناك وزراء يعتبرون أن زيارة دمشق وعقد لقاءات مع ممثلي النظام السوري أمر أكثر من عادي وطبيعي. صار وزير الخارجية جبران باسيل يسمح لنفسه بطلب موعد من وزير خارجية النظام السوري وليد المعلّم على هامش الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك بحجة البحث في قضية النازحين السوريين إلى لبنان وإعادتهم إلى بلدهم. ظهر في ما بعد أن موضوع عودة النازحين آخر ما يهمّ النظام السوري وأنّ كل ما في الامر هو أن باسيل يريد استرضاء «حزب الله» الذي يصرّ على إعادة العلاقات الطبيعية مع النظام السوري. هذا النظام المعزول عربياً والذي لم يتورّع في يوم من الأيّام عن تصدير كلّ أنواع الإرهاب إلى لبنان. يظلّ تفجير مسجدي التقوى والسلام في مدينة طرابلس اللبنانية في صيف العام 2013 ثم كشف شبكة علي المملوك – ميشال سماحة خير دليل على ما يتمنّاه النظام السوري للبنان واللبنانيين ولأهل السنّة والمسيحيين على وجه الخصوص.

تجاوزت المسألة العلاقة بالنظام السوري، المتهم بتغطية جريمة اغتيال رفيق الحريري في أقلّ تقدير، لتصل إلى النشاط الخارجي لـ«حزب الله» بصفة كونه أداة إيرانية تستخدم في العراق وسورية واليمن على وجه التحديد. لم يعد سرّاً عمق تورّط «حزب الله» في اليمن، وهو تورط عمره سنوات طويلة جدّاً، إلى أواخر تسعينات القرن الماضي. توّج هذا التورّط بإطلاق الصاروخ البالستي في اتجاه مطار الملك خالد في الرياض. صار لبنان غير القادر على السيطرة على أراضيه بمثابة غرفة عمليات كبيرة لإيران.

بعد سنة من بداية عهد ميشال عون، سقطت التسوية التي أوصلته الى رئاسة الجمهورية. هل سيكون في الإمكان الوصول إلى تسوية جديدة؟

المؤسف أنه من الصعب التفاؤل بمثل هذه التسوية، لا لشيء سوى لأن إيران التي تعتبر نفسها «منتصرة» على حد تعبير كبار المسؤولين فيها، لا يمكن أن تقبل بوجود لبنان العربي الذي يراعي أوّل ما يراعي مصالحه. تشمل هذه المصالح اللبنانيين العاملين في دول الخليج والذي يصل عددهم إلى نحو نصف المليون مواطن.

انتقل لبنان من مرحلة الهرب من الفراغ الرئاسي إلى مرحلة الخوف على الجمهورية ومؤسساتها، أو على ما بقي من هذه المؤسسات. بدأ كلّ شيء بإغلاق «حزب الله» مجلس النواب طوال سنتين وإجبار المجلس في نهاية المطاف على انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية. تبيّن أن وضع عون لا يسمح له بالتزام ما وعد به سعد الحريري أو سمير جعجع رئيس «حزب القوات اللبنانية».

ما الذي يمكن توقّعه من بلد أصبح فيه «حزب الله»، أي ايران، من يسمّي رئيس جمهوريته؟ أخطأ من كان يتوقع أصلاً أن في الإمكان الوصول إلى تسوية مع «حزب الله».

ستجري محاولات للوصول إلى تسوية جديدة، خصوصاً أنّ هناك حداً أدنى من الشروط التي لم يعد سعد الحريري قادراً على التنازل عنها. ثمة حاجة إلى معجزة من أجل بلوغ مثل هذه التسوية في ظروف معقّدة لم تشهد المنطقة مثيلاً لها في تاريخها.

يبقى الأهمّ من ذلك كلّه أن عاصفة تقديم سعد الحريري استقالته من الرياض مرّت. انتقل رئيس الوزراء الى باريس والتقى الرئيس مانويل ماكرون. هناك من أراد التلهّي بالقشور، أي بما إذا كان سعد الحريري تعرّض إلى ضغوط أم لا، أو إذا كان محتجزاً في السعودية. تبيّن أن كلّ ذلك استهدف الهرب من الاستحقاق الأساسي المتمثّل في مضمون بيان الاستقالة. يختزل مضمون البيان الذي يشرح لماذا انهارت التسوية في لبنان، هذا إذا كانت هناك أصلاً أسس لتسوية، عمق الأزمة اللبنانية وابعادها.

سيأتي بعد أيّام، عندما يعود سعد الحريري الى بيروت، وقت الكلام الجدّي. الكلام الجدّي مرتبط بمصير لبنان الذي يواجه للمرّة الأولى منذ استقلاله قبل أربعة وسبعين عاماً ما إذا كان سيكون قادراً على المحافظة على علاقاته التاريخية بدول الخليج، في مقدّمها المملكة العربية السعودية.

يحصل ذلك في وقت تخوض دول الخليج العربي مواجهة مصيرية مع إيران. لا يستطيع لبنان دعم أشقائه في هذه المواجهة، وهذا كان واجبه، في ضوء ما تمارسه إيران من ضغوط عليه وبسبب الوجود المسلّح لميليشيا «حزب الله» التي تهيمن على البلد. لكنّ هذا لا يعني انتفاء الحاجة إلى تفادي كارثة كبيرة يبدو البلد مقبلاً عليها. يمكن أن يساعده في ذلك بداية تبلور وعي شعبي بأنّ مصير البلد على المحكّ وأن العقوبات الدولية والخليجية ليست مزحة وأن مصيره في هذه الحال لن يكون أفضل من مصير غزّة التي عاشت عشر سنوات كـ«إمارة إسلامية» في ظلّ رعاية إيرانية وفي ظل ممارسات «حماس» وسلاحها.

ماذا كان مصير غزّة التي اضطرت في نهاية المطاف إلى الاستسلام للواقع؟ هل ينجح اللبنانيون في منع إيران من استخدام بلدهم كما استخدمت غزّة؟

هل هناك من يريد أن يتّعظ وأن يستوعب أن الموضوع أبعد كثير من استقالة حكومة. المطروح مصير بلد، لا أكثر ولا أقل، لن تنقذه سوى تسوية جديدة تبدو أكثر من صعبة، بل شبه مستحيلة.
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر