hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى - سياسي لبناني

"المايسترو" ميشال عون...

الإثنين ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 06:54

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

كل ما قيل عن استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري انها الاستقالة المدوية التي فاجأت الجميع من دون استثناء واحدثت صدمة عميقة وارباكآ على كل المستويات، هو صحيح جدآ.
فالاستقالة جاءت ليس فقط مخالفة للتوقعات وانما من خارج السياق الطبيعي ومعاكسة للأجواء والعلاقات الايجابية التي كانت تسود بين اركان الحكم وخصوصاً بين رئيسي الجمهورية والحكومة.
كما جاءت الاستقالة لتقطع كل هذا المسار الإيجابي وليكون التركيز من الآن فصاعداً على كيفية الحد من الخسائر وحصر التداعيات والسلبيات.
ومما لا شك فيه ان أجواء من القلق والذهول سادت بعد هذه الاستقالة المفاجئة عند المواطنين وفي صفوف الرأي العام اللبناني، فالقلق اليوم هو ذاته قبل انتخاب رئيس للجمهورية، قلق على المستقبل والمصير، وقلق على الحاضر والاستقرار وما ستؤول اليه الأوضاع الأمنية والاقتصادية، والناس على حق في ان يقلقوا ويضطربوا وهم يشاهدون بأم العين كيف يجنح لبنان عن مساره الهادىء ليصبح جزءاً من ساحة إقليمية متفجرة ومن صراعات دولية ...
ولكن وسط هذه الصورة القاتمة والأجواء الملبدة لاحت بارقة امل وبوادر وعوامل إيجابية أدت الى انخفاض منسوب القلق والى تهدئة روع الناس.
- الإيجابية الوحيدة هي "الوحدة الوطنية"...
فإذا كان يصح الحديث عن إيجابيات لهذه الازمة فإن الإيجابية الوحيدة هي "الوحدة الوطنية" التي تجلت في افضل حال والتي وحدها كفيلة بتعطيل كل الألغام والأفخاخ.
ان احتواء ازمة الأستقالة يتمثل بشكل أساسي في الدور الذي لعبه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون من خلال موقف وطني جامع وأداء سياسي رفيع المستوى يعكس شعور بالمسؤولية الوطنية وبدقة وخطورة المرحلة ويقدم نموذجاً ناجحاً لأدارة مسؤولة ومتوازنة للأزمة.
- استقرار الوطن على المحك ...
نعم لقد تصرف رئيس الجمهورية "المايسترو" ميشال عون بكل مسؤولية وحكمة وأحسن أدارة الأزمة وحاز على تأييد وتقدير كل الأوساط محققاً شبه أجماع وطني على الطريقة التي يدير بها الأمور... وانطلق في تعامله مع الوضع المستجد من خلفية ان الخسارة واقعة على الجميع وليس على طرف أو فريق او طائفة، وأن استقرار الوطن على المحك في مواجهة أخطر أختبار وأصعب موقف.
ومنذ اللحظة الأولى تعاطى رئيس الجمهورية بهدوء وواقعية، ولم يستعجل ولم يتسرع وأنما تصرف بكل تأن وتريث وحكمة مع أستقالة لا سابقة ولا مثيل لها من حيث ظروفها وطبيعتها وطريقتها ليس فقط لأنها الأستقالة الأولى لرئيس حكومة تعلن من خارج لبنان، وانما لأن كثيراً من الملابسات أحاطت بها وأفسحت في المجال امام انطلاق الشائعات وألتكهنات وخروج الوضع الأعلامي السياسي في ألأيام الأولى عن السيطرة.
فأرتأى رئيس الجمهورية وأيده في هذا الموقف الجميع، أن لا يبت في ألأستقالة قبولاً أو رفضاً وان لا يدعو الى أستشارات نيابية ملزمة لتكليف وتسمية رئيس جديد للحكومة قبل عودة سعد الحريري والوقوف منه شخصياً على أسباب الأستقالة وظروفها.
لم يتصرف ميشال عون بطريقة اعتيادية ولم يسلك طريق الأجرءات الدستورية المتبعة في مثل هذه الحال لان الأستقالة لم تكن عادية وأنما كانت استثنائية في طبيعتها وظروفها والطريقة التي أعلنت بها ومن الطبيعي ان يكون التعاطي معها أستثنائياً وان تكون ألحركة ألرئاسية وكل طريقة الأمن السياسي الوقائي ؤالأستباقي في حجم الأزمة ومستواها وخطورتها.
لم يدع رئيس الجمهورية الى استشارات نيابية وانما دعا الى مشاورات سياسية ووطنية، فألمسألة الأن ليست مسألة تكليف ولا تأليف والأزمة ليست أزمة حكومية وأنما أزمة وطنية.
فكان لا بد من ان يستمع الى مختلف الآراء وان يشرح للجميع الأسباب والظروف التي املت عليه هذا التريث وأن يحصل تشارك بين رئيس الجمهورية و قادة الأحزاب والكتل النيابية في تحمل المسؤولية وفي وضع الحلول والمخارج.
ويمكن القول وبموضوعية ان المشاورات الرئاسية نجحت في تحقيق هدفها المباشر ان لناحية تظهير الوحدة الوطنية والتأكيد عليها او لناحية تطمين اللبنانيين ان الأزمة تحت السيطرة ولا خوف من انعكاسات سلبية على الأوضاع الأمنية والأقتصادية والمالية التي حددت خطاً احمر، او لناحية تطمين الفريق المعني مباشرة بهذه الأزمة ،عنيت بها عائلة الحريري وتيار المستقبل والطائفة السنية الكريمة.
أظهر الرئيس عون مسؤولية وطنية وممارسة أخلاقية عندما أصرّ على التعامل مع تيار "المستقبل" كمكوّن أساسي في الحكم يؤخذ برأيه وتؤخذ مصالحه ومواقفه في الإعتبار، وعندما قرّر حفظ كرامة ومكانة الطائفة السنية ومنع حدوث اي فعل أو موقف أو إجراء يمكن ان يشكّل تحدياً واستفزازاً لمشاعرها أو انتقاصاً من دورها وحضورها.
هذه الطريقة في إدارة الأزمة قوبلت بحالة من التأييد والالتفاف حول رئاسة الجمهورية لم تشهد مثيلاً لها منذ وقتٍ طويل.
- التنسيق بين عون وبري ...
فرئيس مجلس النواب نبيه بري اعطى رئيس الجمهورية تفويضاً لإدارة أزمة الإستقالة وثقة مطلقة في هذا المجال، وأيّده في اعتبار الإستقالة غير نافذة دستورياً وما زالت أستقالة إعلامية وغامضة في ظروفها وملابساتها، ومما لا شك فيه أن التنسيق والتعاون بين عون وبري أشاع أجواء طمأنينة وارتياح وعوّض عن الفراغ القسري في رئاسة الحكومة ورسّخ وحدة الحكم وجعل من هذه الثنائية ثنائية وطنية وبمثابة صمام أمان للإستقرار والوحدة.
والأمور لم تقف عند الرئيس بري وإنما تجاوزته الى معظم الشخصيات السياسية اللبنانية والتي تجاوزت كل الحساسيات والإعتبارات وشاركت في المشاورات الرئاسية وحضرت الى قصر بعبدا.
هذه الأجواء الايجابية التي أشاعتها حركة رئيس الجمهورية وعملية تصديه السريع للأزمة، ساهمت في تطمين اللبنانيين ولكن لا يتوقع لها ان تزيل أسباب القلق والحذر والترقب لأن "أزمة الإستقالة" معقّدة وهناك تشابك في الخيوط الدااخلية والخارجية ويستلزم حلها وقتاً وجهداً.
في الختام ايدت ميشال عون سياسيآ ام لم تؤيده، لا بد من الاعتراف ان الرجل أثبت أنه رئيس لكل اللبنانيين ويدير الأزمات باتقان ونجاح وحكمة، هذا ما شهدناه في إدارته لأزمة قانون الإنتخاب، ومن ثم في إدارته لأزمة سلسلة الرتب والرواتب وقانون الضرائب، وعندما دعا الى حوار اقتصادي في قصر بعبدا وهذا ما نشهده حالياً مع أزمة استقالة رئيس الحكومة والمشاورات الشاملة التي أجراها...
نأمل ان تكون المشاورات مقدّمة الى استئناف الحوار الوطني الذي بات حاجة وضرورة ملحة أكثر من أي وقت مضى، ولنضع مصلحة لبنان ولو لمرة واحدة فوق كل المصالح الخارجية.

دافيد عيسى - سياسي لبناني

  • شارك الخبر