hit counter script
شريط الأحداث

مقالات مختارة - نسيم الخوري

أيبكي العصفور إذ يترك العش؟

الأحد ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 10:40

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ليس في بلادنا من فروقاتٍ كبيرة بين "ديانة" الآباء وقيمهمو"ديانة" البنات والأبناء وقيمهم.هذا يعني إذن أنّ هناك فروقات صغيرة تنمو وتقوى بشكلٍ طبيعي وضروري وقد تصبح كبيرة؟ نعم عندما لا ننظر الى القيم هنا بالمعاني الدينية والتقليدية والتراثية والأصول بقدر ما ننظر إليها بمعنى المعاصرة والتوجّه بمعنى ال Vecteurوتوليد الأفكار والإبتكاراتأوهضمهاوإستعمال المنجزات المعقّدة وإستهلاكها. بهذا المعنى نرى بأن الأجيال تبدو وكأنها واحدة في العالم ترضع أحياناً من تسابقها على الأفكارلا على اللحاقبالأرحام التي وضعتها في العالم. تتراجع العواطف؟ نعم. العواطف ربّما تعيق التقدّم.

أتبكي العصافير وغيرها من الكائنات إذ تطيرفي الفضاء الواسع؟ لا أتصّور.

يكفيك أن ترى الصفوف التي سبقت الفجر في عواصم العرب والعالم لتلّقف جهاز الآيفون 10 وتحقيق الريادة والمعاصرة في إمتلاك العالم بنسخته الطازجة الأخيرة لتشاطرني ما أكتب. ما زلنا معاً آباءً وأولاداً تجمعنا الرغبة واللهفةالمتشابهة صغاراً أو كباراً ومن مختلف الأعمار في إقتناء النسخات الأولى من كلّ جديدٍ مبتكر للمتيسيرين منّا بالطبع. لكن لنعترف أنّ هناك فجوات/فروقات/إختلافات/ في الخطى والقفزات والسلوك تعبيراً عن القيم بمعنى الخطى الثقيلة أو الخفيفة نحو تقبّل العصر وهذه مسألة طبيعية. تتسّع الفجوة والمسافات ربّما بين الأجيال بسبب الهمّة والأعمار وفهم معاني التجديد والتقليد بين من كانوا يحكمون بالأمس دهراً ومن هم قادرون على الحكم الجديد ونسف المجتمعات. نبدو وكأنّنا نحن وأولادنا من عالمين ورحمين مختلفين لا يلتقيان؟ صحيح.

لا يمكنك الخروج من ذريّتك إن رفضت العالمٍ التكنولوجي وتفوّق الحريّة وتدفّق الغرائز والملذّات. هذا هو التحدّي الذييقتل فيه الآباء والأجداد أنفسهم بالمعنى الرمزي إذا ما عاشوا في كواكب أخرى.
من هو الأقوى اليوم في تحديد ملامح مستقبل الأجيال والأوطان؟ الأمّهات التي كانت تهزّ الأسرّة كي يغفو الأطفال ويرضعون ويأكلون أم الشاشات المتنوّعة التي تسهّل النوم وتأسر عقول الأطفال الصغار وهدوئهم وإراداتهم وحاجاتهم ورغباتهم القويّة حتّى قبل أن يحسنوا النطق أوالكلام؟ هل يستمرّ الآباء والأجداد الذين كانوا يشكّلون مخازن ملآنة لضمان المستقبل ويشكّلون أيضاً جبالاً/سدوداً عالية في وجه تطلّعات البنات والأبناء أم مدراء/مديرات الشركات العابرة للقارّات الذين ينتقّلون من أقصى الأرض الى أقصاها فيعقدون الصفقات ويطوّعوت المصارف وينشرون الأفكار المعاصرة وهم يتطلّعون ويقتدون بالشباب الذين "يحكمون" البشرية ويكدّسون الثروات الهائلة عبر الأفكار التواصلية مثل الفيسبوك والتويتر وغيرها بشكلٍ ناعم جميل ومغرٍ ولا يخلعون ثيابهم القطنية المتواضعة وبناطيلهم الممزّقة وكأنهم من كواكب أخرى؟

أطرح هذه الأفكار لا لأننا في عصر جديدٍ مشحون بالتفاعليّة وضرورة اللحاق بالعصر الذي يفلش كشوفاته وهزّاته ومتغيّراته وكأنّه يفرض علينا السباق مع الشمس وقد إستهلكنا أطناناً من حبر الإعجاب بها أو رفضها لأنّها من صنع الغرب. ولا لأنّه لم يعد هناك من أمكنةٍ محجوزة لأصحاب الصفّ الأوّل في العالم وبالأحرى باتت تفرض قيم العصر على أولادنا وأحفادنا وشعوبنا لأن يكونوا كلّهم في الصفّ الأوّل لا فضل فيها لجنس على آخر أو لون على آخر إلاّ بمقدار فطانته وذكائه الذرّي وعدالته وفائدته للبشرية ككل. ليس هناك من صفوف ثانية وثالثة ومتأخرة كسولة متفرّجة. أولادنا ولا أقول كلّهم يركضون نحو الهويّة العالمية ويبحثون عن الريادة.

أطرحها ولا يمكن لي أولغيري ألاّ يطرحها متابعاً ببلاهةٍ أو تعجّب أو تحسّر وفرح لهذه المتغيّرات الهائلة الهابطة في الوطن العربي عبر الشاشات اللامتناهية والتي لا يمكن النظر إليها بعين سلبيّة أو باردة بقدر العقل المتفهّم لأحجام التغيير القاسي والضروري والجميل حيث لا تغيير من دون تغيير آخر. التغيير يفرض التغيير ويستدعي الغير والغير هنا لا يعني الغريب بل يعني الشباب حيث تردم الفجوات بين الأجيال والجنسيات والألوان... أطرحها لأنّك بصفتك العربيّة والعالمية وبلسانك وعقلك وأحلامك مقيماً أو مهاجراً تحمل العالم وتمتلكه خفيفاً بين يديك وتحمل بلادك عبئاً بين يديك وأمام عينيك بكلّ تثاقلها وتنابذها ومصائبها فلا تنام لا أمنياً ولا إقتصاديا ولا إجتماعياً.

لا يمكن للحاكم أو المسؤول أو القائد الريادي أن يتثاقل في خطواته في العصر الرقمي والمجتمعات الرقمية والحكومات الرقمية خصوصاً إذا ما ولد في رحمٍ مثلث الشكل من العلم العالي والعمل الدؤوب والشجاعة القصوى الى حدود المجازفة والمغامرة. لا يكفل التعليم العالي والمعرفة قيادة النهضات والمتغيرات ولا يكفلها العمل الدؤوب البليد المتقيّد بالزمان والمكان والتراث التقليدي في التفكير والأحكام كما لا يكفلها السكوت عن الفساد والأخطاء وإعتماد المسايرة والبحث عن السلامة الفردية والعائلية. لا يضمن مستقبل الشركات ودورة الإنتاج وقيادة الأوطان في هذا العصر إلاّ بتوفّر الأضلاع الثلاثة من هذا المثلّث حيث النجاح والتفوّق والإبتكار لا في إدارة. 

لقد أفضى عصر الفضاء بإبداعاته الإتصالية الهائلة الى هذا المثلّث العالمي في عصرٍتبحث فيه العقول عن إبتكار الموارد والأسواق والأفكار الدائمة التجدد فتخلق دورة إنتاج ذات هوية عالمية ومتعدّدة الجنسيات، لكنها مبعثرة أو موزّعة على الأفرادوالدول والمجتمعات الكثيرة بهدف الإقتصاد ووفق تنظيم وتوازن يستحيل تحقيقهما.

نسيم الخوري
 

  • شارك الخبر