hit counter script

مقالات مختارة - منى فهد عبدالرزاق الوهيب - الراي

تاريخٌ يعيد نفسه...!

الأحد ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 06:24

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ها هو التاريخ يعيد نفسه، ونرى أن الحراك السياسي للمجتمعات القومية يرجع إلى نقطة البداية عندما كان الحراك السياسي عند الأنظمة القومية في أوج ذروته، تأتي الشعوب الآن لتفوق من سباتها، وجاء يوم الانفجارات لرؤية الأبعاد الروحية والمادية لهذه الأزمة، لتنهار التوازنات الاجتماعية والإقليمية التي خلقتها وضمنتها تلك الأنظمة، وانبساط الصراع من جديد، وانحلال روابط التضامن الداخلي والإقليمي، وانفلات القوى الفكرية والسياسية والاجتماعية والدينية والطائفية من دون ضابط، وذبول القيم والمبادئ القومية، والجنوح نحو سياسات الانكفاء على الذات، وخدمة المصالح الأنانية.

ومن أهم المظاهر وأعمقها لثورة الشعوب والانقلاب على الأنظمة، هو فقدان الأمن والطمأنينة تجاه الحكام والأنظمة الاستبدادية لخوفها من العالم، والميل إلى الانطواء، والتخلي عن كل موقف إيجابي تجاه الواقع وسلبياته، والخلود إلى السلبية الشاملة المتجسدة في رفض معالجة الواقع واستشراف مستقبل إيجابي بفاعلية المُثُل الكبرى الباعثة للأمل والحاثة على العمل والمحفزة للإرادة، وكذلك تدهور المناخ الفكري وتراجع حدود المناظرة العقلية، وبروز الظواهر الطائفية والعشائرية، وتحلل علاقات السلطة، وزوال الأسس القانونية والدستورية للحكم والمؤسسات العامة، وسقوط الدولة تحت أقدام الأنظمة التي تمثل مراكز القوى وخضوعها للمنافسة، وتنازع أصحاب المصالح على اقتسامها، وحرمان المجتمع من وسيلة تنظيم وتنسيق أساسية للمصالح العامة.

قد تستطيع بعض الأنظمة أن تستمر في البقاء مستندة إلى تصاعد قوتها السياسية والعسكرية، وما إن تصل إلى القمة حتى تتهاوى وتدخل تدريجياً في مرحلة الضعف والفتور والتقهقر إلى أن تزول إلى الأبد. وذلك لأن الأنظمة القومية العربية تستند بشكل رئيسي إلى العمل السياسي، والقيم القومية والحرية الوطنية، والعداء للاستعمار، حتى صارت السياسة نهضة والنهضة سياسة، وبهذا حرمت الأنظمة ذات الحركات القومية نفسها من منبعين عظيمين للتطور والتغيير، هما منبع التطور وحرية الفكر، وهذا بلا شك وبكل حتمية سيؤدي إلى ضعف الزعيم وكثرة إخفاقاته التي يواجهها في الصراع السياسي، وبالأخص الأنظمة التي أخذت تجير الحركات الانقلابية باسم الوحدة والقومية لبناء زعامتها المحلية.

وبهذا أصبح الصراع داخل المجتمع العربي ومن أجل التغيير سرعان ما تحول إلى صراع على الزعامة بين مختلف فئات الحركة القومية. وأصبح كل قائد يطمح إلى أن يكون زعيماً أوّل ومركز استقطاب عربي، وأصبحت سياسات النظام والأنظمة الثقافية منها والاقتصادية مرتبطة جميعاً بهذا الصراع بين الزعامات وخاضعة له، وكان هذا سببا رئيسيا في انهيار النظام القومي ونهايته أيضاً.

ومن الطبيعي أن يشجع جو الأزمة هذا، عناصر النفور والنشاز على البروز، ويفتح لأصحاب المصالح الجزئية والأنانية أوسع المجالات لتحقيق مآربهم وأهدافهم، وفي ظل غياب الوعي واستلابه من تلك العناصر هو الذي حول كل صراع اجتماعي إلى حرب ساخنة، وها نحن نعيشها الآن في كل المجتمعات العربية والإسلامية وغيرها، هذه الحرب المعلنة والخفية: كحرب العقل والدين، الساسة والوجهاء، الفقر والغنى.

فلا يشك أحدنا أن ما تعيشه الشعوب والمجتمعات اليوم هو حرب مواجهة ما بينهم وبين أنظمتهم بكل معنى الكلمة، مواجهة فكرية وضميرية واجتماعية وروحية في الوقت ذاته، وهي حرب تفقد الحكام والأنظمة كل قدرة على إدراك الواقع والتفكير بالمستقبل لإصلاح أحوال الشعوب ورفع المعاناة عنهم، وتحصر نشاط وجهود الحكام في الصراع من أجل حماية كيان الحكم والاحتفاظ به لأكبر وقت ممكن لاستنزاف ما يمكن استنزافه من خلال سلطته وهو في كرسي الحكم من حقوق الشعوب، والتراخي والتهاون في واجباتهم تجاه شعوبهم، وهذا ما يحرم الأنظمة من رؤية الخطر المقبل من انفجار الشعوب للحصول على حقوقها.

وجاء دور تضامن أفراد الشعب مع أنظمتهم والتعامل مع الواقع الموضوعي بدل من تغطيته بآليات وهمية تزيد من شدة التحدي والممانعة ما بين الشعوب والحكام، وعلينا هجر المعارك الذاتية المصلحية والعداوات المصطنعة، ونبذ الاندفاع والتبرير والنقد السلبي الذي لا يسمن ولا يغني من جوع لصناعة وبناء الشعوب.

 منى فهد عبدالرزاق الوهيب - الراي

  • شارك الخبر