hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

قمر مغربي ينطلق من قاعدة ثابتة

الأحد ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 06:23

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ليس اطلاق المغرب لقمر اصطناعي يحمل اسم «محمد السادس» حدثا عاديا. انهّ اقتحام للعالم الحديث من بلد يعرف ماذا يريد في منطقة مضطربة. نجحت عملية اطلاق القمر بواسطة صاروخ انطلق من قاعدة في غوايانا الفرنسية. سيستفيد المغرب من المعلومات التي سيقدّمها له «محمّد السادس» في مجال تنمية ثرواته، خصوصا الثروة الزراعية التي تشكل احد أعمدة الاقتصاد المغربي. ستسمح الصور التي سيرسلها القمر بانتظام بتطوير الزراعة، استنادا الى معلومات دقيقة عن طبيعة الأراضي الصالحة وكيفية ريّها وزيادة مساحتها. سيكون هناك مجال لوضع خريطة جديدة للأراضي المغربية تسمح باستغلالها بطريقة افضل في مختلف المجالات، بما في ذلك الشواطئ. سيكون القمر الاصطناعي شريكا في تطوير الاقتصاد المغربي من زوايا عدّة مع اخذ في الاعتبار لتطور المدينة المغربية والتجمعات السكانية في مختلف انحاء المملكة.

ليس سراً أيضا ان الصور التي سيرسلها القمر ستساعد في حماية المغرب امنياً نظرا الى انها ستسمح بمراقبة الحدود بطريقة افضل والكشف الباكر لأي تهديدات للامن الوطني. إضافة الى ذلك، ستتيح الصور التي يرسلها القمر مراقبة افضل لاي اعمال غير شرعية على الشواطئ.

لا يمكن الفصل بين اطلاق القمر الاصطناعي عن التطور الذي يشهده المغرب على كل صعيد، بما في ذلك الصعيد السياسي والاجتماعي وذلك منذ إقرار الدستور الجديد في العام 2011 وحتّى قبل ذلك عندما باشر محمّد السادس عملية تطوير المجتمع في اتجاه مزيد من الانفتاح والحداثة شملت المرأة وتمكينها من الحصول على حقوقها كاملة.

لم تؤد الإصلاحات السياسية التي توّجت بالاستفتاء على الدستور الجديد الغرض المطلوب وذلك على الرغم من حصول دورتين انتخابيتين في ظل هذا الدستور الذي استهدف تطوير الحياة الحزبية وتمكين الأحزاب المغربية من تحسين ادائها واخذ المبادرة ومراقبة العمل الحكومي.

لم تستطع الأحزاب المغربية، للأسف الشديد، الارتقاء الى مستوى الإصلاحات السياسية التي دفع الملك محمّد السادس في اتجاهها. لذلك كان «الزلزال السياسي» الأخير الذي استهدف احداث صدمة على صعيد البلد كلّه من زاوية ان كفى تعني كفى وانّ على كل مسؤول سياسي اكان في السلطة او المعارضة تحمّل مسؤولياته بدل التلهي في المزايدات والمناكفات التي لا طائل منها.

يكشف اطلاق القمر الاصطناعي والاهداف من وراء اطلاقه ان القافلة المغربية تسير الى امام وانّ لا شيء يمكن ان يوقفها. لن يوقفها تلهي الأحزاب المغربية بالصغائر والحسابات الشخصية بدل التركيز على كيفية تطوير الحياة السياسية والمشاركة في عملية التنمية وتطوير القطاع العام على غرار ما يحصل في القطاع الخاص.

لن توقف القافلة المغربية، طبعا، الحملات التي تشنّها قوى خارجية تعتقد ان الهجوم على المغرب يساعدها في الهرب من مشاكلها الداخلية. هناك مسؤولون جزائريون مثل وزير الخارجية عبد القادر مساهل ما زالوا يعتقدون ان التهجم بطريقة رخيصة على المغرب، عبر اتهام مصارفه بـ«تبييض» الاموال التي مصدرها تهريب الحشيشة عبر فروع هذه المصارف في افريقيا، يمكن ان يساعد الجزائر في شيء. لن يساعد الجزائر شيء سوى البدء بالتخلص من عقدة المغرب الذي استعاد وضعه في القارة عبر مشاريع مشتركة تصبّ في خدمة التنمية والمصلحة المشتركة.

لم يبع المغرب الافارقة الاوهام ولا الشعارات الطنانة والفارغة التي اكتشفوا أخيرا انّها لا تقدّم ولا تؤخّر. على العكس من ذلك، بنى المغرب مستشفيات ومدارس واقام مشاريع مشتركة تخدم الزراعة الافريقية بفضل الأسمدة التي مصدرها الفوسفات المغربي. الى جانب ذلك كلّه، يعمل المغرب من اجل مكافحة التطرّف والدفاع عن الإسلام المعتدل في كلّ افريقيا. يساعد المغرب في تخريج أئمة مساجد يعرفون حقيقة الإسلام بدل الاستثمار في كلّ ما من شأنه زيادة التطرّف والاستثمار فيه كما يفعل غيره...

ليست عودة المغرب الى الاتحاد الافريقي مجرّد عودة عادية بعد قطيعة طويلة بسبب وجود ما يسمّى «جبهة بوليساريو» في الاتحاد. كانت هناك في العام 2016 عودة لافريقيا الى المغرب الذي تحوّل الى قدوة للدول الافريقية الأخرى التي تسعى بالفعل الى تطوير نفسها وخدمة شعوبها، بدل الغرق في متاهات من نوع تغطية الاطماع في أراضي الدول المجاورة بعبارات من نوع «حق الشعوب في تقرير مصيرها».

جاء اطلاق القمر الاصطناعي «محمّد السادس» تتويجا لجهود دؤوبة جعلت من المغرب جسرا لاوروبا الى افريقيا. لا يستطيع المغرب البقاء بأي شكل على هامش التقدّم الذي تحققه الدول الاوروبية التي يمتلك معظمها اقمارا اصطناعية تساعد في مسح يومي لما يدور على ارضها وكشف ما يمكن تطويره في هذه الأرض.

تكفي زيارة لطنجة هذه الايّام للتأكد، مثلا، من أهمية مشروع ضخم كميناء «طنجة - ميد» أي طنجة - البحر المتوسط الذي يعني وجود شراكة في العمق بدأت تتبلور بين المغرب والدول الاوروبية المطلة على البحر الأبيض المتوسط، على رأسها اسبانيا.

في السنة 2017، يقف المغرب على قاعدة متينة وثابتة، داخليا وعربيا وافريقيا ودوليا. هذا ما سمح لمحمّد السادس ان يقول في خطاب ألقاه في الذكرى الـ 42 لـ«المسيرة الخضراء» التي اعادت الصحراء الى أهلها الحقيقيين: «ان المغرب ملتزم الانخراط في الدينامية الحالية للامين العام لمنظمة الامم المتحدة بالتعاون مع مبعوثه الشخصي في اطار احترام المبادئ والمرجعيات الثابتة التي يرتكز عليها الموقف المغربي والمتمثلة بالأساس في رفض ايّ حل لقضية الصحراء خارج السيادة الكاملة للمغرب على صحرائه ومبادرة الحكم الذاتي الذي يشهد المجتمع الدولي وصدقيتها».

لم يفت العاهل المغربي إعادة تأكيد «مغربية الصحراء» مشددا على انّها «كانت دائما مغربية قبل اختلاق النزاع المفتعل في شأنها. وستظل مغربية الى ان يرث الله الأرض ومن عليها، مهما كلّف ذلك البلد من تضحيات».

لا يطلق المغرب قمرا اصطناعيا ويضعه في مدار حول الأرض من باب الاستعراضات، بمقدار ما انّه يفعل ذلك مستندا الى قاعدة ثابتة. يعرف المغرب ما يريد من القمر وكيف الاستفادة منه. اطلاق القمر «محمّد السادس» حلقة من سلسلة حلقات متكاملة تصبّ في عملية بناء دولة حديثة في مملكة ذات حضارة قديمة وراسخة. من حسن الحظ انّه لا يزال هناك عدد صغير من الدول العربية تحقق تقدّما في هذه الايّام العصيبة التي تشهد تفتت دول مثل ليبيا وسورية والعراق واليمن.

ما سرّ المغرب؟ الجواب في غاية الوضوح والبساطة. هناك قبل كلّ شيء ملك متصالح مع شعبه يعتبر الفقر عدوّه الأكبر، كما يؤمن بالرهان على الانسان المغربي قبل ايّ شيء آخر.

خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر