hit counter script

مقالات مختارة - أنطوان العويط - الجمهورية

فخامة الرئيس صاحب الغبطة... بالجرأة إفعلا

الجمعة ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 06:41

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ينساب تاريخ لبنان منذ القدم بين المنعرجات المتناقضة والأهواء المتناحرة. وعمليّاً، لم تخرج البلاد يوماً عن خطّ الزلازل والتدخّلات الإقليميّة والدوليّة، ولم تنجُ منه ومنها، طويلاً قبل أن تضمن الدول العربيّة في «بروتوكول الاسكندريّة» الموقّع في 7 تشرين الأول 1944 استقلالَ لبنان الذي أقرّه ميثاقُ «الجامعة العربيّة» في آذار 1945.
وعلى الرغم من انتزاع هذا الوطن المتألّم لذاته ولمَن حوله شرعيّته الدوليّة بتوقيعه ميثاقَ الأمم المتّحدة في 26 حزيران 1945، فإنّ قيام دولة إسرائيل بقوّة الاغتصاب على أرض فلسطين وتدفّق اللاجئين إليه، سرعان ما انعكسا سلباً على مشروع الدولة الوليدة. فهبّت الرياح الإقليميّة والدوليّة، وتضاربت المصالح والأهواء والأطماع، وعرفت كيف تتسلّل إلى النسيج الوطنيّ فمزّقته.

لم يعرف اللبنانيون كيف يحافظوا على قيمة الاستقلال الذي أنجزوه في العام 1943، ولا أن يبنوا دولة. كما لم تتمكّن السلطات القائمة من تاريخه إلى تاريخه، تقديم الحلول للأزمات الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة الداخليّة، ولا النأي بلبنان عن الصراعات الإقليميّة القائمة.

هكذا شهدت البلاد على التوالي، منذ 1958، حوادث وأزمات وحروباً وارهاباً وتكفيراً واحتلالات ووصايات سياسيّة وعسكريّة، أغرَقته وجماعاته في مسلسل الانقسام والشلل والعنف والمآسي الدمويّة، وهي لا تزال مستمرّة إلى اليوم في فصول وأشكال متعدّدة.

فخامة الرئيس، صاحب الغبطة،

لكما اليوم أن تكسرا حالة الإنكار السائدة، ومعاً، بحكم تاريخيّة الدور والمسؤوليّة العملييْن والوجدانييْن، وقد اؤتمنتما على فكرة لبنان ومعنى لبنان.
لقد عانى اللبنانيون على مرّ الأزمنة من تداعيات التوتّرات والمواجهات الإقليميّة والدوليّة على واقعهم وعلى الوطن، من دون أن يرفّ جفن لقادتهم أو يتّعظوا. ولطالما اختبروا حقيقة المصالح الخارجيّة وأولويّاتها، وقد أوقعهم التعويل عليها في خيبات كارثيّة ولم يرعووا.

حطّما جدار الصمت هذا وبالجرأة افعلا، خارج كل عرف أو تقليد أو أصول بروتوكوليّة. وبصلابة في الموقف مستلّة من صخور لبنان، ومن الإيمان بكون أرضنا هي للتلاقي والتنوّع والحريّة، ووطننا صاحب رسالة، وهو نموذج شاء مَن شاء وأبى مَن أبى.

لا تنتظرا الترياق من أحد، فالذي لم يرهبه الدرك المذلّ الذي وصلت إليه الجمهوريّة ولا خطورة التحدّيات الوجوديّة والحضاريّة فيه وفي المنطقة، لن يتوانى عن مزيد من الغرق الأعمى في هذه التراجيديا الوطنيّة.

تعمشقا بالميثاق وبالصيغة والدستور. فقد أضعنا البوصلة، وحجبت الغشاوة الكثيفة عن العين سواء السبيل. وارفضا كل تسوية أو تفاهم عابر، يتمّ القبول بهما اليوم ليراجع في شأنهما غداً، أو التراجع عنهما في أوقات تضارب المصالح والخيارات، تماماً كما حصل مراراً وتكراراً.

إنّ الميثاق الأوّل والأساسيّ للجماعات اللبنانيّة تمثّل في عيش القيم والمبادئ التي طبعت جبل لبنان التاريخيّ وإنسانه في مشروع حضاريّ أُرسيَ على ثوابت ثلاث: الحريّة والمساواة في المشاركة وحفظ التعدّدية، لتنتقل لاحقاً من الجبل إلى المدن والمناطق الساحليّة. وهو شأن سابق للدول وللسياسة بمفهومها الحديث.

وعندما ركب الغرور السياسةَ، فطمعت في الانقلاب على تلك القيَم والمواثيق والعهود التاريخيّة، أو رغبت في امتطائها والالتفاف عليها وتشويه معانيها، أو سمحت للآخرين بانتهاك عرضها، انهار البناء.

استقلّ الطائرة يا فخامة الرئيس، وليكن إلى جانبك صاحب الغبطة. توجّها إلى جلالة الملك السعوديّ ومن بعده إلى مرشد الجمهوريّة الإسلاميّة، بموعد أو بدونه. ليس تحدّياً، بل حبّاً بالوطن الجريح النازف موتاً بين أيديكما.

اقرعا كافة الأبواب في المنطقة والعالم ولنرَ مَن له أن يوصدها في وجهيْكما. قولا بالصوت العالي: «لبنان، إما ننجزه كلبنانيين معاً أو لا يكون. وطننا يرفض الصراع المذهبيّ المستعر.

لا تكبّلوا أهلنا بخيارات جماعاتكم المحليّة التي تدّعي كلّ منها انها المنجّية. لا تفرضوا علينا استراتيجيّاتكم بفائض من القوّة والعنف أو بالفوضى العبثيّة. لا تقحمونا في قضاياكم. لا تورّطونا في نزاعاتكم».

انقلا يا فخامة الرئيس ويا صاحب الغبطة إلى مَن يرغب أو قد لا في سماعكما وجهاً لوجه: «إنّ ما يريده شعبنا هو وطن يجسّد بالفعل تجربته الإنسانيّة الفريدة.

وهذه مسؤوليّة تاريخيّة ملقاة علينا وعلى عاتق الجماعات اللبنانيّة وعليكم. نعم عليكم. فلا هروب من النموذج اللبناني في جوهره وروحيّته في الأوطان المتنوّعة والمتعدّدة محور النزاعات في المنطقة».

استعيدا المبادرة من خاطفيها ها هنا وفي كلّ مكان واصرخا في وجه الجميع: «لقد ارتضينا هذه الأرض للحوار والسلام. لقد آن لنا أن نرسي دعائمَ دولة تحقّق العدالة والمساواة بين أبناء الوطن، وتبسط سلطة القانون، وتحمي حقّ الاختلاف والتنوّع، وقبولهما. الانسان في لبنان ينادينا ويناديكم. من أجلنا ومن أجلكم».

بيّنا لمَن غاب عنه جوهر الدور لهذا الوطن، بمسبّبات من عندنا أو من عنده: «أنّ لبنان، بحكم أصالة هويّته وفرادة تراثه، قادرٌ على أن يكون شريكاً في تدعيم الاستقرار في المنطقة.

وكلّما استعادت الجماعات اللبنانيّة طبائعها الفطريّة والجينيّة في السلام، الشبيهة بكينونة البيت المعقود، استعاد البنيان قوامه وعافيته وقدرته على مقاومة الرزايا والأخطار وتقلّبات الأزمنة والسياسة، ليعود ساحة مؤهّلة لتهيئة المناخات الحواريّة المناسِبة ولإشاعة السكينة بين مَن انقطعت ما بينهم سبل اللقاء والتفاهم».

فخامة الرئيس، صاحب الغبطة،

فكرة لبنان ومعنى لبنان على المحكّ. أمّا رسالته فواحدة من الأزل إلى الأبد. من أوّل الدني، تتخلص الدني. وهي في ذاته، ولذاته، قبل أن تكون لأهل هذا الشرق المتألّم، وقبل أن تكون للعالم أجمع.

احملاها رجاءً، ودورا في هذه المعمورة الفانية مبشّرَين: «ها هنا في لبنان يتحقّق التلاقي بين إرث روحيّ حضاريّ وبين قيَم التجديد والانفتاح والحداثة. فيه الملتقى للحوار بين الثقافات وللتفاعل بين الجماعات. ومن هذه الرسالة نستقي وتستقي يا أيها الشرق والعالم صواب السراط ونقاء البصيرة... والسلام السلام، أو لا يكون لبنان».

أنطوان العويط - الجمهورية

  • شارك الخبر