hit counter script

أخبار محليّة

الرئيس عون ماض في تريّثه ببت الاستقالة... بانتظار عودة الحريري

الإثنين ١٥ تشرين الثاني ٢٠١٧ - 06:11

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لم يَخرج لبنان ولن يخرج قريباً من الحفرة الهائلة المحشوّة بالسيناريوات الغامضة. فاستقالة «طَفَحَ الكيْل» التي رمى بها رئيس الحكومة سعد الحريري أول من أمس ومن المملكة العربية السعودية في وجه «حزب الله» وإيران، قلبتْ وعلى نحوٍ صادِم ومدوٍّ المشهد اللبناني، بعناصره الإقليمية، رأساً على عقب وسط مؤشراتٍ على أن البلاد التي انزلقتْ وفي شكلٍ دراماتيكي الى أزمةٍ سياسية مفتوحة، دخلتْ من الباب العريض حلبة المواجهة المتعاظمة في المنطقة وخصوصاً بين إيران والمملكة العربية السعودية.

فشظايا «الصاعقة الحريرية» التي فاجأتْ الجميع بلا استثناء وكثُرتْ التأويلات حيال ملابساتها، أَسقطتْ وبالضربة القاضية ما يصفه البعض في بيروت بـ «ورقة التوت» المتمثلة بالتسوية السياسية وفترة السماح لها بعدما أتاحتْ لـ «حزب الله» كسْب «مشروعيةٍ» لأدواره في الداخل والخارج وإلحاقه لبنان بالمحور الإيراني، وتالياً فإن استقالة رئيس الحكومة وضعتْ الحزب وجهاً لوجه أمام الأثمان الخطرة الناجمة عن خياراته عبر حرمانه أيّ غطاء وطني يحتمي به للمضي بمشروعه وما يرتّبه من تداعيات ضخمة.

ولم يؤدِّ مرور الساعات الثقيلة على الاستقالة التي وُصف وقْعها بـ «الزلزال السياسي» الى تبديل حرفٍ واحد من حال الذهول التي أصابتْ بيروت... فالبلاد دخلتْ مرحلةً قاسية من انعدام الجاذبية مع قرْع طبول المواجهة الكبرى، فيها وعليها، واللاعبون المحليون يعانون «عمى ألوان» سياسياً وسط «طوفان» من الأسئلة عن سرّ استعجال الحريري استقالته وطريقة «إخراجها» ومبررات انتفاضته، إضافة الى علامات استفهامٍ لا تقلّ وطأة حول الردّ المحتمل لـ «حزب الله» وإيران ومواقف اللاعبين الإقليميين والدوليين من الوقائع الجديدة في لبنان.

فلبنان، الذي عانَد طويلاً الانضمام الى «نادي الدول المشتعلة» في المنطقة، كأنه الآن في رحلة عبورٍ «مثلث برمودا»، فهل يَخرج سالماً أم أن اللعبة الكبرى ستجعله «طائر فينيق» آخر يستهوي الخروج دائماً من... الرماد؟ هذه المقاربة المأسوية للحظة المصيرية التي يجتازها لبنان تَعْكس وبواقعيةٍ شديدة ما آلتْ إليه الأمور في الأيام الثلاثة الأخيرة عندما ذهب الحريري الى الرياض التي قد لا يعود منها... حتى إشعار آخر.

وفي تقدير دوائر مُراقِبة في بيروت أن ما قاله مستشار المرشد الإيراني على أكبر ولايتي من العاصمة اللبنانية يوم الجمعة الماضي كان بمثابة «القطْرة التي أطفحتْ الكأس»، ولا سيما إعلانه ومن على منبر السرايا الحكومية ضمّ لبنان، وبلا مواربة، الى المحور الإيراني «المُنْتصِر في المنطقة»، قبل أن يفاخر بأن أطراف هذا المحور تعتزم الذهاب الى الرقة السورية التي تحظى بعناية أميركية - سعودية بعد طرْد «داعش» منها، إضافة الى ما يتردّد عن كلام ولايتي داخل الغرف المقفلة عن اليمن وسورية والعراق وسواها.

الحريري، الذي سعى لشراء الوقت منذ الخروج المتمادي لشركائه في التسوية عن موجباتها، ولا سيما «حزب الله»، أَدرك أن تلك التسوية لم تعد أكثر من مطيّةٍ يريدها الحزب لتطويع الواقع اللبناني على النحو الذي يمكّنه من قضْم المزيد من السلطة في الداخل ومن إلحاق لبنان تماماً بالمحور الإيراني ترجمةً لما يَعتبره انتصاراتٍ حقّقها في الإقليم.

وبهذا المعنى، لم تَعُد أمام الحريري كرئيسٍ للحكومة وكممثّلٍ لطائفته (السنّة) وكمرجعيةٍ ذات علاقة رمزية بالسعودية، أي خيارٍ سوى قلْب الطاولة تفادياً لتدفيع لبنان - الدولة أثمان خياراتِ «حزب الله» الذي استدرج عقوباتٍ مالية أميركية وقد يتسبّب بإجراءات مماثلة من دول خليجية وربما قادَه سلوكُه الى جعْل البلاد «مستودع نار» لحربٍ بالواسطة اسرائيلية - إيرانية.

ورغم ما يُحاك من رواياتٍ على لسان حلفاء «حزب الله» عن أن الحريري دُفع بقوة الضغط السعودي الى تقديم استقالته أو أنه في «الإقامة الجبرية» وما شابه، فإن الأسباب الموجبة لاستقالته كانت تفاعلتْ طويلاً قبل إعلانها المدوّي والمفاجئ والصادِم... تفاعلتْ في الشارع الذي تَمَلَّكَتْه الخيْبة، وداخل البيت السياسي لزعيم «تيار المستقبل» الذي عضّ على الجرح كثيراً وكان كمَن يقبض على «جمْر» الاستقرار نتيجة الكلفة الموجعة للتسوية، وفي دوائر القرار السعودي التي غالباً ما عبّر عنها وزير الدولة لشؤون الخليج العربي ثامر السبهان بتغريداته التصاعُدية ضدّ «حزب الله» وإيران.

والسؤال الذي يَشغل الأندية السياسية في بيروت الآن هو كيف يمكن الخروج من «ورطة» ما بعد الاستقالة؟

الخطوة الصاعقة للحريري أنهتْ حال الاستخفاف بالتحدّيات التي تتربّص بلبنان جراء التلاعب الذي مورس لأشهرٍ بالتسوية السياسية ومرتكزاتها، فبدا الجميع متهيباً لانتقال لبنان من وضعية المهادنة الاقليمية الى ساحة صراعٍ تتعدّد «مكوّناته» الداخلية والخارجية، من «موروثات» المعركة التي لم تنتهِ فصولها منذ العام 2005 في لبنان، الى المواجهة المستجدة بين الولايات المتحدة وإيران وبين السعودية وإيران، إضافة الى «شبح» الحرب الاسرائيلية، وكلّها «يَحضر» «حزب الله» فيها كطرفٍ أو كـ... «هدف».

والأكيد أن «الانسحاب الهجومي» الذي قام به الحريري وتعمّد حصوله من الرياض، يرمي الكرة في ملعب إيران و«حزب الله» الذي خسر «ظهره المحمي» الذي حوّل لبنان أشبه بـ «منتجع استراحة» لحروبه في المنطقة، كما يضع خصومه أمام تحدي وجود خريطة طريق متكاملة لخوض مرحلة «إعلان الطلاق» مع الحزب و«الصمود» بوجه معادلة صعبة عنوانها عدم الرغبة في تشكيل حكومة مع «حزب الله» وعدم القدرة على تأليفها من دونه.

وتبعاً لذلك، تكثر علامات الاستفهام حول خطة مناهضي «حزب الله» لحقبة ما بعد الاستقالة، وإذا كانوا في وارد «القفز» الى مرحلة الحكومة الجديدة أو السعي الى فرْض إشكاليةِ وضعيةِ «حزب الله» كبند خلافي للبتّ قبل أي بحثٍ آخر، وهل يملكون القدرة على فرْض مثل هذه الأجندة، أم أنه يمكن ان يدفعوا في اتجاه محاولة تسمية رئيس حكومة من صفوفهم على ان يُكلَّف من دون أن يؤلّف، أو يكون السيناريو بترْك «حزب الله» وحلفائه «يحكمون» فيما تعود «14 آذار» الى «مقاعد» الثورة وتستنهض جمهورها بملاقاة الانتخابات النيابية المقبلة؟

ولا شكّ في ان هذه الأسئلة لها منطلقاتها الداخلية ولكنها بالتأكيد ذات امتدادات خارجية لم يتضح أفقها بعد، وهو ما يجعل المرحلة الحالية في لبنان مفتوحة على شتى الاحتمالات والسيناريوات، وسط مخاوف من ان يطغى «الحساب الأمني» على ما عداه، ولا سيما ان الاستقالة في ذاتها بما هي إنهاء لتسوية «ربْط النزاع» الذي بدأ مع حكومة الرئيس تمام سلام، يشي بأن المظلة الاقليمية والدولية للاستقرار في لبنان قد تكون سقطت.

وفيما جاء «أول غيث» القلق الخارجي من المنزلق الذي قد يكون لبنان دَخَله بطلب البحرين من رعاياها مغادرة لبنان «فوراً» مع توخي أقصى درجات الحيطة والحذر، على خلفية التطورات الراهنة، وتحذيرها البحرينيين من السفر إلى هذا البلد، برز إصرار رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الذي شكّل انتخابه الركيزة الاولى من التسوية الى جانب عودة الحريري الى رئاسة الحكومة، على التريث في بتّ الاستقالة بانتظار رجوع الأخير الى بيروت.

وأكدت أوساط قصر بعبدا لـ «الراي» ان الرئيس عون سيستمرّ في تريّثه إزاء الاستقالة وأنه يعمل على خطيْن: الأول مواصلة الاتصالات بالقادة السياسيين لضمان الوحدة الوطنية وصونها، والثاني متابعة كل ملفات البلد، الأمنية والمالية والاقتصادية، صوناً للاستقرار.
"الراي"

  • شارك الخبر