hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

عن مغامرة مسعود بارزاني...

الأحد ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 06:47

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

يشكّل تراجع الاكراد عبر اقتراح يقضي بـ «تجميد» نتائج الاستفتاء، خطوة الى امام. هناك اعتراف بالهزيمة الموقتة غلّفتها دعوة كردية الى الحوار والى العودة الى نصّ الدستور العراقي والاحتكام اليه. يأتي ذلك في وقت تبيّن بوضوح ليس بعده وضوح ان الانتقال الى الاستقلال لا تزال دونه عقبات كثيرة في مقدّمها رفض كلّ الدول المحيطة بكردستان قيام دولة كردية. كلّ ما تطلبه دول الجوار وحكومة بغداد من الاكراد هو الاستسلام واعتبار الاستفتاء وكأنّه لم يكن، علما انّه كان وانّ نتائجه معروفة.

اكتشف اكراد العراق اخيرا، خصوصا رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني، انّ الظروف الراهنة غير مواتية للاستقلال. حصل تراجع، خصوصا بعد الذي حصل في كركوك التي كانت ولا تزال قنبلة موقوتة على الصعد العراقية والكردية والاقليمية. السؤال ما الحدّ الذي يمكن ان يبلغه التراجع الكردي في وقت ليس من يريد الالتقاء مع الاكراد في منتصف الطريق وإنقاذ ماء الوجه لرئيس إقليم كردستان. على العكس هناك من يريد الانتهاء من الرجل. أسوأ ما في الامر انّ هناك اكرادا يريدون ذلك ويعملون لاجله. هنا أيضا اخطأ بارزاني في سوء تقديره لوزن المعارضة الكردية، وهي معارضة لشخصه اكثر بكثير مما هي معارضة لمشروعه.

الدليل على ذلك، انّه لم يبرز ايّ اعتراض كردي على لفّ جثمان الرئيس جلال طالباني الذي يمثّل الاكراد الآخرين، في معظمهم طبعا، بالعلم الكردي وليس العلم العراقي. حدث ذلك لدى إعادة هذا الجثمان الى ارض كردستان بعيد الاستفتاء حيث دفن احد رموز النضال الكردي في السنوات الستين الماضية. لُفّ جثمان طالباني بالعلم الكردي، علما انّه بقي سنوات طويلة رئيسا للجمهورية العراقية وكان يمارس صلاحياته من بغداد وليس من السليمانية او أربيل او ايّ مكان آخر من كردستان.

كانت حسابات بارزاني خاطئة الى حد كبير، في مجملها، بعدما تبيّن له ان الموقف الاميركي من النوع الذي لا يمكن الاعتماد عليه. هذا عائد الى أسباب عدة في غاية التعقيد. كذلك، تبيّن الى اشعار آخر، ان دعم إسرائيل ليس كافيا كي تنحاز واشنطن للاستقلال الكردي وتدافع عن الاستفتاء ونتيجته.

اختار بارزاني السير الى النهاية في الاستفتاء على الاستقلال رغم كل الإشارات التي تلقاها عن التحفظات الأميركية وعن الموقفين الايراني والتركي. اختار هذا الطريق الصعب تفاديا للانتحار السياسي بعدما اعتبر، من خلال تجربة استمرّت سنوات عدّة، ان لا مجال لشراكة مع الحكومة المركزية في بغداد في ظلّ الدولة الدينية التي نجحت ايران في اقامتها في العراق بعد سقوط نظام صدّام حسين في العام 2003.

لا شكّ انّ عوامل عدّة جعلت بارزاني يصرّ على الاستفتاء. من بين هذه العوامل ضمور عائدات الدولة العراقية من النفط وترسيخ دور «الحشد الشعبي» بصفة كونه العمود الفقري للنظام الجديد في العراق وللدولة العراقية، وهو دور ترافق مع استمرار الانقضاض الايراني على مؤسسات الدولة العراقية، او ما بقي منها. لعبت عوامل عدّة دورا في اقناع بارزاني وعدد كبير من الشخصيات الكردية بانّ لا بديل من الاستفتاء في ظلّ التغييرات التي تشهدها المنطقة كلّها بعد مرور قرن كامل على سايكس - بيكو.

ما يمكن قوله الآن انّ الاستفتاء حصل وان نتيجته واضحة. من الصعب الغاء النتيجة ولكن هل في بغداد وطهران وانقرة من يبحث عن مخرج من ازمة ما بعد الاستفتاء الكردي، وهي ازمة كردية اوّلا.

في ظلّ موازين القوى الراهنة، سيكون من الصعب إيجاد مخرج، لكن السؤال الملحّ الذي سيظل يطرح نفسه ماذا اذا تغيّر في موازين القوى القائمة التي مكّنت «الحشد الشعبي» من طرد قوات البيشمركة من كركوك؟ اثبتت ايران من خلال ما شهدته كركوك انّها اللاعب الأساسي في العراق وانّ لا وجود لمن يريد التصدّي لها، خصوصا بعدما تجاهلت الإدارة الأميركية الدور الذي لعبه «الحشد» في كركوك، وقبل ذلك في الموصل، بقيادة اللواء قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الايراني.

من الصعب التكهّن بما اذا كانت ستحصل استجابة للتراجع الكردي. لكنّ من السهل التكهن بانّ هناك من يريد التخلّص من مسعود بارزاني. من الواضح ان بغداد غير بعيدة عن هذا التوجّه بتشجيع إيراني مباشر. ففي موازاة الكلام الكبير عن استعدادات للجيش العراقي و«الحشد» للقضاء على آخر معاقل «داعش» في الأراضي العراقية، هناك مصادر ذات اطلاع واسع تؤكّد ان الهدف الحقيقي للجيش العراقي و«الحشد» هو ممارسة مزيد من الضغط العسكري وغير العسكري على أربيل.

هذه ليست المرّة الاولى التي يجد فيها الاكراد أنفسهم في وضع لا يحسدون عليه. عاد عليهم ارتباطهم بالدعم الايراني في أيام الشاه بكارثة. كان ذلك في العام 1975. كان كافيا توقيع شاه ايران وصدّام اتفاق الجزائر الخاص بشط العرب في مارس من تلك السنة، حتى انهار التمرّد الكردي الذي قاده الملّا مصطفى بارزاني.

لن يعيد التاريخ نفسه في العام 2017، لكنّ الثابت ان على الاكراد تقديم مزيد من التنازلات في الظروف الراهنة. هناك استغلال الى ابعد حدود لنقاط الضعف لدى مسعود بارزاني. تستغل نقاط الضعف حكومة حيدر العبادي، الذي عليه اظهار انّه ليس رجلا مفلسا كما يحاول ان يصورّه غريمه نوري المالكي. كذلك تستغلّ نقاط الضعف لدى بارزاني كل من ايران وتركيا. معروف ان ايران تريد ان تثبت في كلّ يوم انّها اللاعب الأساسي في العراق وانّ الورقة العراقية في جيبها، في حين ليس سرّا ان اكثر ما يخيف تركيا هو فكرة الدولة الكردية المستقلّة.

كان الاستفتاء الكردي مغامرة غير محسوبة. ربّما كان ذلك عائدا الى ان بارزاني لم يقرأ الخريطة الإقليمية وخريطة الانقسامات الداخلية الكردية والموقف الاميركي جيّدا. ربّما أيضا قرأ كلّ ذلك جيّدا. وحدها الايّام ستظهر هل كان الاستفتاء الذي عبّر الاكراد من خلاله عن حقيقة ما يتطلّعون اليه غير قابل للتأجيل؟

في كلّ الأحوال، مارس بارزاني لعبة كبيرة سيتبيّن قريبا هل في استطاعته الاستمرار فيها... ام عليه في مرحلة معيّنة التفكير في التنحي. الكثير سيعتمد على ما اذا كانت موازين القوى الإقليمية باقية على حالها ام لا. هل لدى رئيس إقليم كردستان معطيات لا يعرفها احد غيره جعلته يذهب الى النهاية في مغامرته؟ هل المسألة مسألة وعود أميركية لم ينفّذ شيء منها؟

الأكيد ان الاكراد يستأهلون دولة خاصة بهم. ما ليس أكيدا هل كانت الظروف الراهنة تسمح بمغامرة من نوع تلك التي خاضها مسعود بارزاني...

  • شارك الخبر