hit counter script

مقالات مختارة - رائد الخطيب - المستقبل

"طرابلس عاصمة اقتصادية للبنان" مبادرة إنقاذية

الأربعاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 06:27

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

لا شكَّ أن إطلاق غرفة التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس والشمال، مبادرة «طرابلس عاصمة اقتصادية للبنان»، قد حفّزت الكثيرين لمعرفة أمكان تحقق ذلك في المدى القريب أو المدى البعيد، والمدة الزمنية التي تحتاجها سيما وأن المؤشرات الاقتصادية الصادرة من البنك الدولي وغيره من المؤسسات الدولية ذات الصدقية، لا تنفي الوضع الهش لاقتصاد الشمال، والذي هو بحاجة فعلياً إلى عاملين مهمين للتخفيف من ضعفه: أولهما جودة التعليم التي ينبغي أن تتجاوب مع روح العصر صناعياً وعلمياً، وكذلك التدريب التقني والمهني المتقدم للتعامل مع أي استثمارات، وثانيهما أن يكون لطرابلس بنية تحتية متطورة على غرار العواصم الاقتصادية في العالم. وهذا التميز للعاصمة الاقتصادية هدفه الأول والأخير إيجاد بيئة مناسبة وجاذبة للنشاط الاقتصادي بشكل عام، وللاستثمار المحلي والأجنبي بشكل خاص. بمعنى أن العاصمة الاقتصادية هي من يوجد الثروة بينما العاصمة السياسية فتقوم بإنفاق هذه الثروة على مشاريع التنمية. لذا، نجد أن معظم العواصم الاقتصادية في العالم تكون أكثر تطوراً من حيث بنيتها التحتية من العاصمة السياسية وبقية المدن أو على الأقل تكون موازية لها. أما أن تكون العاصمة الاقتصادية متراجعة مقارنة مع العاصمة السياسية وبقية المدن، فهذا يعني أن التسمية ستكون مجرد شعار فضفاض لا يقدم ولا يؤخر في التنمية.

وإذا كانت تسمية «طرابلس عاصمة اقتصادية للبنان»، تخالف الواقع المعاش، إلا أنها فكرة ذكية ومتقدمة، بدليل أنَّ الشارع تلقفها، وأذكى النقاش حول امكانات التحقيق، شرط وضع خارطة طريق وخطوات توصل إلى الهدف المنشود، ولو بعد حين. بمعنى استراتيجية واضحة من الألف إلى الياء، من نسبة استثمار لا تفوق 3.5 في المئة سنوياً إلى نسبة نمو عالية على مدى السنوات التي لم تحددها المبادرة بعد.

سياسة إحراق المراحل، ليست ما تطلبه المبادرة بحسب رئيس غرفة طرابلس توفيق دبوسي، بل المطلوب إيجاد الدور الاقتصادي والوظيفي المناسب لطرابلس، بدلاً من التقوقع فوق جبل الأزمات الاقتصادية الذي يرتفع في العاصمة الثانية، حيث أنه في كل الاجتماعات التي عقدها دبوسي لم تكن هناك معارضة، بل لقيت المبادرة تشجيعاً باعتبارها فكرة جاذبة. إلا أن هذه الفكرة ينبغي أن تكون مشفوعة بخارطة طريق، وهو ما يطالب به جميع المستشارين والسياسيين لتصبح المبادرة واقعية، وذلك بهدف إقناع الفرقاء بعدها، وإلا فستلد ميتة.

لقد كان اللقاء مثمراً بين دبوسي ونقيب المهندسين في طرابلس والشمال بسام زيادة. فالأخير أكد دعم النقابة لمثل هذا المشروع، باعتبار النقابة جزء لا يتجزأ من حركة التطوير في العاصمة الثانية. وهو قال «كنقابة، نقول أن لا شيء مستحيل ولكن لنمهد الطريق أولاً، ونأمل أن يصير الشعار واقعاً، وأن نكون شركاء حقيقيين لصناعة النهضة التي تأملها المدينة. وفي الحقيقة، إن ما نشره البنك الدولي في تقريره الأخير، عن إصابة اقتصاد المدينة بالخمول الشديد، يوجب علينا العمل ليلاً نهاراً، وبالتالي النقابة تطمح لهذا الدور»، لافتاً إلى أنه «علينا تحديد الوظيفة الاقتصادية لطرابلس، ونأمل وجود اجندة للأولويات ليصار إلى المشاركة معكم. ونحن نريد التشاركية على كل المستويات. ونريد التكامل بين الخطط والاستراتيجيات والدراسات للذهاب لخلق ديناميات في القطاع الخاص كما في القطاع العام والمجتمع الاهلي. إن معظم الاقتصادات توجه القطاع الخاص نحو المشاريع التي تجدها ضمن خطة اقتصادية تنموية، والمطلوب وضع خطة متدرجة وبمدد زمنية محددة».

من هنا، يرى مراقبون أنَّ الواقعية التي يعمل بها الرئيس سعد الحريري تفترض تحويل الأقوال إلى أفعال، وهي استراتيجية تختلف عن سائر الفرقاء السياسيين، الذين دعموا المبادرة كلامياً، من دون الانتباه، عن قصد أو عن غير قصد بهدف المزايدة على الحريري، وجلهم يفتقر إلى خطة لإيصال الفكرة إلى مستويات النجاح، أو إلى خطوات ينبغي القيام بها لـ«تقريش» المبادرة إلى أفعال.

أما في ما يتعلق بموضوع الخيارات التي تطرح من قبل البعض أمام الرئيس الحريري، فالأخير ليس أمامه سوى خياره الأوحد المتمثل بوضع الخطط التنفيذية والمشاريع الضرورية التي تسهم بوضع مبادرة طرابلس عاصمة اقتصادية على السكة الصحيحة بعيداً عن المزايدات والشعارات الانتخابية وردود الفعل التي تريد إحراق المراحل عبر القفز من إلى، أي الصعود إلى الطبقة العاشرة دون المرور بالطبقات التسع، ففي ذلك ظلم كبير للمبادرة التي ستحققها الواقعية بعيداً من الشعارات.

وهو ما يؤكده الكتاب المرسل من دبوسي إلى الرئيس الحريري، في الفقرة المسماة «التحديث والمتابعة لعناصر المبادرة». إذ تؤكد «منهجية السير في كل مراحل العمل منهجية تشاركية، تحرص على سماع أفكار وأطروحات المعنيين وشركاء النجاح كافة في هذه المبادرة، من جهات حكومية وقطاع خاص ومنظمات دولية مانحة او داعمة فنياً....حيث لا بد من وجودها ضمن منظومة فريق النجاح في تحقيق أهداف المبادرة.. بعيداً من التنظير الذي يحبط الهمم،.. والتي قد لا ترتقي لتصبح آليات تنفيذية تنجز الأهداف من خلالها».

من هنا، فإن جميع الدراسات (ومنها وضعها البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية وبرنامج الامم المتحدة الانمائي وستنشر «المستقبل» مقتطفات منها تباعاً) - أجمعت على وجود مهارات في طرابلس، إلا أنها لا تتناسب مع متطلبات المرحلة المقبلة التي تستوجب مشاريعها خبرات فنية ومهنية وإدارية، يجب العمل على تطويرها من ضمن برامج تدريب مهنية وإدارية، تسهم لتحقيق المهارات المطلوبة للوظائف المستقبلية المطلوبة، من مهنية وإدارية متقدمة.

وفي هذا المجال، يعمل فريق الرئيس الحريري، وبحسب ما يتطلبه بند «التحديث والمتابعة لعناصر المبادرة»، على تأمين التمويل من جهات دولية عدة، لإطلاق البرامج التأهيلية والتدريبية المطلوبة. علماً أن بعض المؤسسات المحلية بدأت فعلياً بإطلاق برامج من هذا النوع، عبر إنشاء مراكز تأهيل مهني، وفي مقدمتهم غرفة التجارة ومؤسسة محمد الصفدي، كتطبيق مباشر لمخرجات الدراسات، وهذا ما يؤكد صوابية الخطة التي يعمل عليها لتطوير اليد العاملة في طرابلس والشمال.

لا يرى دبوسي خلاف ذلك، بل يؤكد أن «المبادرة أصبحت ملكاً للرئيس سعد الحريري، وما نريده أن تكون كلمتهُ هي الفصل في هذا الأمر، فهو يرى إن كانت مبادرة إنقاذية أم لا، من جهتنا نحن نرى أنها مبادرة إنقاذية تهدف إلى تغيير الصورة السالبة المأخوذة عن طرابلس بأنها مدينة متطرفة أو طاردة للبيئة الاستثمارية.. المبادرة هي خارطة طريق، ولا يقتصر الأمر على أنها اسم فقط، فهي تحتاج، وبكل تأكيد، إلى خطة استراتيجية واستثمارات وتفعيل للمرافق الحيوية وتطوير وتحديث مجتمعنا من المشكلات التي يعانيها». يضيف دبوسي «نحن لسنا هواة تسمية، وقد لمسنا خلال زيارتنا الرئيس الحريري تجاوباً كبيراً، وقال إننا سنوجد صياغة للأمر لوضعها على جدول أعمال مجلس الوزراء وبعدما لمسنا تلقفاً إيجابياً من الرئيس الحريري لمبادرتنا، قمنا بزيارة عدد من السفراء والتقينا عدداً من البعثات الديبلوماسية لوضع المبادرة على السكة الصحيحة. نحن نعلم تماماً أن مثل هذه المبادرة تحتاج رجلاً تاريخياً، فكما انطلق الرئيس الشهيد رفيق الحريري من بيروت، الآن الرئيس الحريري تُعلق عليه الآمال لمرحلة البناء الجديدة انطلاقاً من العاصمة الثانية. تسمية طرابلس عاصمة اقتصادية للبنان هي في الحقيقة بحد ذاتها خارطة طريق، نحن لا ننتظر المولود حتى يكبر لنعطيه اسماً بل نعطيه اسماً منذ ولادته». ويقول «من الواضح أننا لم نطلب إلى الآن تشريعات أو اعفاءات جمركية، بل اكتفينا بالاسم لتكون عنصراً جاذباً للدولة لاتمام النقص الحاصل في البنى التحتية، وكي تكون محفزاً لرجال الاعمال والمستثمرين، من دون أن تتكلف الدولة أي قرش وهي بالتالي ستكون مربحة للدولة».

ويضيف دبوسي «نحن لم نضع إطاراً زمنياً، للوصول إلى الأهداف التي تتحقق بها طرابلس عاصمة اقتصادية للبنان، بل إن التسمية بحد ذاتها تعطي زخماً ومعنويات لنا في طرابلس وللآخرين من خارج المدينة. نحن نحاول من خلال ذلك تخطي الزمن، مقابل 50 سنة عمل. إن المبادرة تهدف إلى معالجة الاختلالات الحاصلة في المرافق التي تملكها طرابلس والشمال ككل، ومثلها الاستثمارات المناطة بالقطاع الخاص. ولا يسعني في هذا السياق سوى أن أحيي جهود الوزيرة السابقة ريا الحسن والتي لديها نظرة أكاديمية في الأمر وهي تتلاقى في نقطة ما مع تفكيرنا كرجال أعمال، وبالتأكيد هذا يؤكد حاجتنا إلى خبراتها وقدراتها».

أما الشريك في المبادرة، رئيس البلدية السابق نادر الغزال، فيقول «لا شك أن تلقف الرئيس الحريري للمبادرة ينم عن بعد نظره الاستراتيجي على مستوى الدولة، كما يدلل على مدى محبته لأهل طرابلس والشمال، وحرصه على إعطائهم حقهم والإستفادة من دورهم في تعزيز الإقتصاد الوطني... وفي حال تعثر مجلس الوزراء في اتخاذ القرار المناسب تجاه هذه المبادرة، فإننا في تلك الحال سنستمر في العمل لتحقيقها تحت ظل الرئيس الحريري بصفته الشخصية كرئيس لتيار سياسي عريض وكرئيس للسلطة التنفيذية في البلاد».

يبقى أن البعض، كتب عن سابق وتصور وتصميم عن إمكان إفشال المبادرة، ووضع سيناريو متخيلاً لذلك، حول إمكان وضع أو عدم وضع هذه المبادرة على طاولة مجلس الوزراء، متقصداً حشر دبوسي أولاً صاحب المبادرة، والرئيس الحريري ثانياً الداعم لأي خطوة إنقاذية علمية تستحوذ على شروط النجاح دون عراقيل غير متوقعة. فالمثل الروسي يقول «قيس 7 مرات وقص مرة واحدة»، بمعنى أن المطلوب هو السرعة لا التسرع لنمشي فعلياً نحو طرابلس عاصمة اقتصادية، سواء وضعت المبادرة على طاولة مجلس الوزراء أم لم توضع، من المهم أن نتقن العمل الذي نعمل عليه..
رائد الخطيب - المستقبل

  • شارك الخبر