hit counter script

مقالات مختارة - ميشال ن. أبو نجم

في صباح الحكم في قضية بشير...

الجمعة ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 10:53

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

منذُ سماعي في هذين اليومين عن موعد الحكم على حبيب الشرتوني، وأنا أشعر بشعورٍ غريب.

فالشماتة ليست من قيمي، ولستُ أساساً من مقدّسي أي شخصية سياسية خاصةً إذا كانت مشاركة في الحرب التي نختلف وننقسم عليها كلبنانيين بعد نحو ثلاثة عقود على انتهائها. أضِف إلى ذلك أن الشرتوني يُحاكم لوحده، في حين تغيب المحاكمة عن الجهات الفعلية المخططة والذين بات رموزها أو أفرادها في الحياة الأخرى. هذا إذا استثنيت المصالحة التي أجريتُها شخصياً بين الكيانية اللبنانية والمشرقية في تفكيري السياسي، لأنني أعتقد أن النزاع بينهما لم تعد له جذور قوية في فترة تفكك المشرق الحالية وأن الحاجة السياسية والمجتمعية اليوم هي لتلاقيهما وليس لنزاعهما.

هذا الشعور ربما ترْجَمَتُه بالراحة العميقة، الراحة للمعرفة والعدل من دون بغضٍ ولا تشفٍ ولا انتقام، لدى جيلنا الذي لم يعرف إلا الإغتيالات ولم نصل إلى الحقيقة فيها حتى لو عرفناها في حدسِنا السياسي.
في المقابل، فإن المدافعين عن الشرتوني ولاحقي بشير إلى قبره، لا يهمهم الإغتيال كفعل بحد ذاته. فمشروع بشير سقط إلى حد كبير مع موته، لكن هدفهم الحقيقي، حسب ما يظهره الإعلام، أنهم يريدون تغيير التاريخ وعقول وأفئدة شريحة من اللبنانيين وقرائتها للحرب اللبنانية. يريدون قتل رمزية بشير بكل ما مثله، والذي يتجاوز أفعال الحرب بالتأكيد إلى قضايا وأحلام أخرى، وإجبار هذه الشريحة على تغيير التاريخ وفرض منطقهم الخاص وقراءتهم لتاريخ لبنان، النزاعي منه في شكلٍ خاص.

إن ما سيحصل اليوم هو جزء من رد إعتبار ليس لشخصية أثارت الجدل الكبير، التقديس لدى محبيها والغضب لدى كارهيها. إنه رد الإعتبار لشريحة من اللبنانيين، أحبت بشير الجميل ووجدت فيه طريق الخلاص من الإحتلالات ومن هذا الإستعمال الإقليمي والعربي للبنان وتنفيس الصراعات فيه، وتصفية القضية الفلسطينية فيه. إن هذه الشريحة لم تحب بشير لأنه هاجم إهدن أو نفذ عملية الصفرا، أو لأنه اجتماع مع شارون أو لأن صولانج قدمت الفتوش له حسب ما يلتذذ البعض بالسرد، بل أحبته لأنه مثَّل خاصة في سنواته الأخيرة، حلماً بأنْ ينجو وطنها من براثن التلاعب واستعادة الدولة ممن باعها للأبوات الفلسطينيين وما بعد التحول السوري عام 1978 عن مواجهة المنظمات الفلسطينية، وتجديد الأمل بأن لبنان، بحرياته وتنوعه في دولة تتجاوز الموروثات البالية، باقٍ على الرغم من كل الجحافل التي حاولت هزمه وهزم معناه وبقائه. ببساطة هذا حلمها وليس السيطرة أو الهيمنة أو كل ما ارتكبته، كل، وأشدد على كل، القوى اللبنانية.

أقول قولي هذا، عسى أنْ أستفيق مرةً في هذا المجتمع المتمترس على قراءاتٍ نقدية لمآسينا وحروبنا تسعى للجمع لا تعميق النزاعات، وليس على محدوديةٍ وتشفٍ وانتقام وسعيٍ للهيمنة والإلغاء. عسى أن يفتح الحكم صفحةً جديدة من إعادة النظر بتجارب لبنانية كثيرة.

ميشال ن. أبو نجم - صحافي وباحث سياسي

  • شارك الخبر