hit counter script

أخبار محليّة

نعمة افرام: ثلاثة أخطار وجودية في استمرار النزوح

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 12:40

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

ألقى المهندس نعمة افرام في الجلسة الافتتاحية لورشة العمل التي نظمها "مركز البحوث والدراسات الإستراتيجية" في الجيش اللبناني بعنوان "لبنان والنازحون السوريون - الأعباء وأولوية العودة"، في المركز في الفياضية، برعاية قائد الجيش العماد جوزيف عون ممثلا بالعميد الركن فادي أبي فراج وفي حضور وزير الدولة لشؤون النازحين المهندس معين المرعبي والممثل المقيم لبرامج الأمم المتحدة فيليب لازاريني، كلمة جاء فيها:

"أشْهر قليلة وَتَدْخُلُ الأزمَةُ السوريّةُ عامَهَا الثامِن، في بلَدٍ شَهَدَ إِحْدى أكبَرِ الأزَماتِ الإنسانِيَّةِ فَظاعَةً في العالم منْذُ نِهايَةِ الحربِ العالمِيّةِ الثانِية. لقد أصبَحَ أكثَرَ من نُصْفِ الشَعْبِ السوريّ البالِغِ عدَدُهُ حوالي ال 18 مليونَ نَسَمَة، إِمّا نازحٌ داخِلَ بلادِهِ، أو نازحٌ ولاجئٌ خارِجَهَا. وفي لبنان واقعٌ مأساويٌّ خطيرٌ لم يَسْبِقْ لَهُ مَثيلٌ في التاريخِ المُعاصِر: مِليونا نازحٍ ولاجئٍ على أرضِ وَطَنٍ، يبلُغُ عدَدُ مُواطِنيه 4 ملايين نَسَمة. ورَغْمَ كلِّ ذلك، لم يَسْتَقِلْ لبنان عن دورِهِ الإنسانيّ بذَرَّةٍ واحِدَة.
أَن نكونَ جاهِزينَ لمُعالَجَةِ هذا الواقعِ والتَهَيُؤ لِمَرْحَلَةِ الحُلول، هُوَ أَقَلُّ الواجب. لقَدْ تأَخّرنا! لكنْ مِنَ المُؤكًد أنَّ الوقتَ لم يفُتْ بعد لِنُؤَثِّرَ في توجيهِ الأمورِ للحِفاظِ على المصلَحَةِ اللبنانيّةِ العامّة، لا بل أكثر، على كِيانِيَّةِ لبنان.
وشخْصِيّاً أرى، أنَّ النزوحَ السوريّ المُسْتَمِر في لبنان، باتَ يُهَدِّدُنا في ثلاثةِ أخطارٍ وجوديّة.
الخطرُ الأول: لا يخْتَلِفُ أحَدٌ على مُسَلَّمَةِ أهَمِيَّةِ الحِفاظِ على التوازُنِ الحَسّاسَ بينَ مُكوِّناتِ لبنانِ الحَضاريّة، وهُوَ أساسِيٌّ للانسِجامِ الوطنيِّ العام. وبعدَ ثماني سنواتٍ، باتَ النزوحُ السوريّ يُشكِّلُ تهديداً للتوازنِ الديمغرافي ّالداخليّ الهَشّ.
لقد اختبَرنا أهوالَ الحربِ في لبنان بين العام 1975 والعام 1991. وقد أمضَيْنا السنواتِ الطوَيلَةَ بعْدَها نُحاوِلُ إعادَةَ ترميمِ الصيغة، ولا نَزال.
نحْنُ نُريدُ أن نبقَى مِثالاً فَريداً من نوعِهِ عن التعدُّدِيةِ الثقافيَّةِ في الشرقِ الأوسط. ونُصِرُّ على ضَمانِ الغِنى ضِمْنَ التَعدُّد، والوَحْدَةِ في التنوُّع. لذلِكَ، فإنَّ التوازُنَ الحسّاسِ بينَ مُختَلفِ الأطيافِ في لبنان، هو أساسِيٌّ لاستقرارِ الوطن. لكنْ، بعدَ ثماني سنواتٍ من تواجُدِ هذا الكمَّ الهائِلَ من النازحينَ السوريين، بُتْنا نَجِدُ أنّ توازُنَنا الوطنيَّ مُعَرَّضٌ للخطَر، ويُشكِّلُ تهديداً مباشِراً على التعدُّدِيةِ في لبنان بتوازُناتِها الدقيقة، الديموغرافيّةِ مِنها والطائفيّة.
ونخشى أن يَعُودَ بنا هذا الخَللُ إلى الأيامِ السودِ التي عِشْناها خِلالَ الحرْبِ الأهليّةِ. وهذا بالتحديدِ ما حدَثَ بعْدَ النَكْبةِ عام 1948، عندما لجأَ الفلسطينيونَ إلى لبنان.
الخطرُ الثاني: نُواجِهُ في وطَنِنا تحَديّاتٍ اقتصادِيّةٍ -اجتماعِيّةٍ-بيئيّةٍ هائلة، نتيجةً للكثافَةِ السُكانيّةِ التي أحْدَثَها هذا النُّزوح. فمُنذُ العام 2011، تاريخِ بَدْءِ الأزمةِ السوريّة، تتَكَبَّدُ الخزينَةُ اللبنانيّةُ سنويّاً أكثرَ من نِصْفِ مليارِ دولارٍ أميركيّ، هيَ كُلفَةُ استهلاكِ النازحينَ السوريين للكهرباءِ التي بالكادِ يكفي انتاجُها حاجَةَ اللبنانيين. كما تراجَعَت قُدْرةُ شبكَةِ المِياهِ العامّةِ عن تأمينِ حاجاتِ اللبنانيين من 80 % إلى 48 %. وزادَت نِسْبةُ النِفاياتِ حوالي 15 %. وتجاوزَت كُلْفَةُ النزوحِ على الخزينَةِ اللبنانيّةِ سنوِيّاً ال 5 مليار دولار.
لقد أحدَثَ ذلكَ ضغطاً هائِلاً غيْرَ مَسبوقٍ على البُنى التحتيّةِ المُتَرَهِّلَةِ أصلاً، كما على قطاعِ الاتصالات، مع عجْزِ القِطاعيْنِ التربويِّ والاستشفائيّ عن تلبيةِ الحاجاتِ المُتزايِدَةِ بفِعْلِ الكثافَةِ الديموغرافيّةِ للنزوح. وفوقَ ذلكَ كلِّه، يَختنِقُ اللبنانيونَ يومِيّاً جَرّاءَ أزَمَةِ سيْرٍ خانقة. وزادَ الطينَ بِلّة، المُزاحَمةُ غيرُ المَشروعَةِ على سوقِ العمل وفي شتّى القِطاعاتِ، في وقتٍ يَهجُرُ اللبنانيُّ وطنَهُ تفتيشاً عن فُرصةٍ لهُ لبِناءِ ذاتِه وعائِلتِه. وهكذا ارتفَعَ عدَدُ الفقراءِ في لبنان بنِسبة 110.% وأصبحَ حوالي ثُلُث الشعبِ اللبنانيّ يعيشُ دونَ خَطِّ الفَقْر. وزادَت نِسبَةُ البَطالة 50 %، والجرائم بنسبةِ 40 %.
وللأسف، يتراجَعُ العالَمُ عن التزاماتِهِ. مواقِفُ الدُولِ مُخَيِّبَةٌ للآمال. ربما تَعِبَ المانِحون. والدليل، أنَّ لبنان لم يَحْصُلْ حتّى نِهايةِ أيلول من العام 2017 سِوى على 27% من تَعَهُّداتِ المُجتمَعِ الدوليّ لتأمينِ الحاجاتِ الإغاثيةَ للنازحين.
الخطرُ الثالث: الإرهاب. إذ يشكِّلُ الواقِعُ المأساويُّ الذي يَعيشُهُ النازحونَ في لبنان، مع تَشَتُّتِ العائِلاتِ وتزايُدِ نِسَبِ الفَقْرِ والجَهْلِ في صُفوفِهِم، البيئةَ الفُضلى الحاضِنَةَ للتطَرُّف. وبالتالي، إنّ إحدى أخطَرِ العواقِبِ الناتجَةِ عنِ النزوحِ السوريّ الهائل هوَ الإرهاب.
صحيحٌ أنَّ الجيشَ اللبنانيّ انتصرَ مُؤخراً على فلولِ الارهابيين، لكنَهُ دفَعَ ضريبةً غالِيةً في سبيلِ ذلك. وصحيحٌ أيضاً أنَّ القِوى الامنّيةَ والعسكريّةَ اللبنانيّةَ ساهِرةٌ للحِفاظِ على أمْنِ البلادِ واستقرارِها، لكّنَ خطَرُ الارهاب التكفيريّ لا يزالُ موجوداً، نظراً إلى العدَدِ الهائلِ للنازحينَ على امتدادِ لبنان، وتواجُدِ متطرّفِينَ ما بينُهُم. وكم سهلٌ استغلالُ حالِ الفَقْرِ والجَهْلِ المنتَشِرَةِ في أوساطِ النازحينِ السوريين، لإعادَةِ تأليفِ الخَلايا الإرهابيّة، وفي ذلكَ خطَرٌ على لبنان والعالمِ أجمع. وهذا من بابِ الواقعيّة ليسَ إلاّ، وكما يُحَدِّثُنا بهِ عِلْمُ الاجتماع.
السيّدات والسادة،
يجب أن نكونَ قد تَعَلّمْنا من دُروسِ التاريخِ أقسى الأمثولات. فلا توطينَ مقنّع، ولا تجنيسَ، إلاّ لمَن يستَحِقُّ من اللبنانيين. وهذا ليسَ إلاّ فِعْلُ إيمانٍ بلبنان وبالإنسان. الإنسانُ اللبنانيّ. الإنسانُ الفِلسطينيّ. والإنسانُ السوريّ.
والتوطينُ المقنًع هُوَ خطَرٌ على الشعبِ السوريّ، تماماً كما على الشعبِ الفِلسطينيّ. ففيهِ اغتيالٌ لهُوِّيَتِهِ الوطنيّة، واقتلاعٌ من أرضِهِ، ما يُنافي القِيَمَ الإنسانيّة والقانونَ الدوليّ.
لقد استَقبْلنا الهاربينَ من الظُّلْمِ ومن جَحيمِ الحَرْب. في المنازِلِ والمدارِسِ والكنائِسِ والجوامِعِ استقبلناهُم، كما لم يفْعَل أحد. لكن صدِّقوني، لن نجِدَ أحداً يَتَطَلّعُ بنا، إذا لا سَمحَ الله وَقَعَت الواقِعَة.
وإزاءَ التحدِيّاتِ والمخاطِرِ المطروحة، أجِدُ مِنَ الضروريّ أن يكونَ للدولةِ اللبنانيّةِ خِطةٌ واضِحَةٌ، وموقِفٌ وطنيٌ جامعٌ فوقَ كلِّ السياساتِ الضَيِّقَة. يَنْبَعُ هذا الموقِفُ من المصلَحَةِ اللبنانيّةِ العُليا: مصلَحَةِ الأمنِ القوميّ اللبنانيّ. ومن معالمِ هذه الخِطّة، النِقاطُ التالية:
أولاً: المشاركةُ في مفاوضاتِ مسارَيْ جنيف والاستانة بخُصوصِ عودةِ النازحين.
ثانياً: إجراءُ تنسيقٍ بين هيئاتِ الأُمَمِ المتَّحِدةِ العامِلَةِ في كلٍّ من لبنان وسوريا، لتحديدِ مناطقَ آمنةٍ لعوْدةِ النازحين إلى سوريا.
ثالثاً: إدراجُ النازحين السوريين في لبنان ضِمْنَ مُخطَّطِ المناطقِ الآمنةِ التي يُعْمَلُ عليْها في شمالي سوريا على الحُدودِ التركيّة، وفي الجنوبِ على الحدودِ الأردنيّة.
رابعاً: عَقدُ جلْسةٍ خاصةٍ لِمَجلسِ الأمنِ الدوليّ وصدورِ قرارٍ أو بيانٍ عنهُ، يَدْعَمُ جُهودَ لبنان في عودةِ النازحين إلى سوريا، بالطريقةِ الآمنةِ وَوِفقَ المواثيقِ الدوليّة.
السيّدات والسادة،
إذا عُولِجَ مَلَفُّ النازحينَ السوريين في كلٍّ من تركيا والأردن كما يُحَضَّرُ لَهُ، دونَ ادراجِ ملفِّ النازحينَ في لبنان، نَكونُ دَخَلْنا في المحظور. هذا ما حصَلَ معَنا تماماً في السبعينات، عندَما استطاعَ الأردن وسوريا ضَبْطَ الوُجودِ الفلسطينيّ لديْهِما، ليُتْركَ لبنان وحْدَهُ ساحةَ صراعٍ إقليميٍّ ودوليّ على حسابِنا.
المطلوبُ استنفارٌ طارِئٌ في هذهِ المرحَلَةِ التي تَشْهَدُ دفعاً لمَلَفِ فتحِ صفَحاتِ العودَة، في سبيلِ تفادي مُشكِلَةٍ جوهريّةٍ تُهَدِّدُ كِيانيّةَ لبنان.
فكما يَقَعُ الواجبُ على النازحين السوريين في التوجُّهِ إلى بلادِهِم ليُساهِموا في إعادَةِ إعمارِها سياسِيّاً واقتصادِيّاً واجتماعِيّاً، كذلكَ علينا نحنُ ها هنا واجِبُ الحِفاظِ على وَحْدَةِ لبنان واستقرارِهِ السياسيّ والأمنيّ، ومعالَجَةُ قضاياهِ الضاغِطة اقتصادِيّاً واجتماعِّياً." 

  • شارك الخبر