hit counter script
شريط الأحداث

باقلامهم - أنطوان العويط

عن عقلنا الذكوريّ المريض والمرأة في مراكز القرار السياسيّ

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 05:42

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

إلى كلّ امرأة وإلى المرأة الكلّ، أكتب باسمك وبقلمك أيّتها المرأة التي أستعير لها اسمي وقلمي.

تنكأ المرأة لديّ في المطلق، وجداناً من أفعال تحدّي القهر ورفض الظلم وصولاً إلى التمرّد، مشفوعة بأحوال من الشغف والعشق رافقت طفولتي ومراهقتي وإلى اليوم تستوطن كياني. وهي الذاكرة بمناسبة أو من دونها، تروح تستعرض شريطاً من مراحل ومحطّات في هذا الإطار.
لا أخفي هنا كم رفق بي عائليّاً تكريم المرأة وتعظيمها وتقديسها في بيت، من يرافقونه من فوق الوالدة والوالد والشقيقة، وها هنا الشقيقات والأشقّاء، ومع الأولاد وخصوصاً امرأتي، جعلوني تجاهها المرأة، وفي مقاربة شؤونها وشجونها، أتسلّح بكمّ من تأصلّ القيم والكرم الروحيّ والحبّ الكثير.
في هذا الموضوع أذهب إلى الآخر، لا يردعني خفر أو تهيّب. ولطالما وجدت في عنوان المرأة العريض، كم هي المسؤوليّة فيه تاريخيّة وتعود إلى بدايات التكوين المجتمعيّ. وكم حقيقة هي العقبات الكثيرة في خلفيّاتها الاجتماعيّة والثقافيّة والقانونيّة والسياسيّة والاقتصاديّة التي واجهت وتواجه المرأة في العالم أجمع بعامة، والمرأة اللبنانيّة بخاصة.
في ملاحظات مبدئيّة على الهامش، رائع هو كلّ ما يضفي على اللطافة عند المرأة حُسْناً وعلى الحنوّ تألّقاً. أكثر، كم فاتن أن تطلّ المرأة بنبل من أنوثة ورقيّ في الإناء.
ما يعنيني في قالبها، عدم الوقوع في البهرجة السطحيّة، وتفادي السقوط في البريق التافه، والابتعاد عن العفن والقرف، ومقاومة الاستسلام إلى النتن في الجوهر. فالسلعة تبقى سلعة، أقُدِّمت في إطارٍ مخمليّ أو على وقاحتها بتبرّج أو من دونه، في مجتمع يكاد يفاخر بمن يَستهلِك أكثر ومن يُستهلَك أكثر، من هذا الكم ّالمفجع من الأجساد والضمائر.

يا أيّها الناس، لا تقولوا مللنا من الموضوع أو صار وراءنا. كيف يكون ذلك والمرأة هي ابنة. هي أخت. هي زوجة. هي أمّ. هي مربيّة. هي صديقة. هي عاملة. هي محاربة. هي مبدعة. هي صانعة القوى الحيّة في المجتمع. وهي بانية المستقبل الذي إليه نطمح والوطن؟!
وكيف يكون ذلك، ونحن نسأل عن المرأة في البلديّات وفي البرلمان وفي مجلس الوزراء، ولما لا في سدّة الرئاسة، وفي كافة مرافق الشأن العام، وفي مراكز القرار السياسيّ؟!
إنّه الموضوع الذي أودّ اليوم النقاش فيه وحوله، وأتوجّه بحواري هذا إلى المرأة بقدر الرجل، لا بل إلى المرأة والمرأة فحسب. فأنا أكتب باسمك وبقلمك أيّتها المرأة التي أستعير لها اسمي وقلمي.
شخصيّاً، أرفض للمرأة أن تقع في لعبة "الهدايا" التي تمنح ب "القطارة" إرضاء، على طريقة الحجر اللامع المقدّم إلى عاهرة رخيصة.
مخطئون يا ناس. فلا الحجر هو كريم ومن الماس، ولا المرأة هي الساقطة كما يُظن. العاهر هنا، هو عقلنا الذكوريّ المريض.
أقول ذلك، لأنّي استهجن بشدّة تحميلها أوزار التوطين والتغيير الديمغرافيّ وتجهيل المسؤول. وأصرخ: يا امرأة. إياكِ غشّهم في مداولاتهم الوسخة. مرّة في الكوتا. مرّة في العنف الاسريّ. مرة في قانون الجنسيّة... ومرّات في المساواة.
ويا أيها الناس لنتّفق أولاّ. لا شيء منذ أن أقرّ الدستور اللبنانيّ الأوّل العام 1926، منع تبوّأ المرأة أيّة مسؤوليّة تمثيليّة تنتج عن العمليّات الديمقراطيّة. وفي العام 1953، كرّس للمرأة حق الترشّح وحق الانتخاب. رغم ذلك، لا نجد على أرض الواقع ومن حينها، أيّ ترجمة ملموسة لهذا الإطار الدستوريّ والتشريعيّ المشجّع. فلبنان يحتلّ المرتبة الـ 143 من بين 144 دولة في العالم تشارك النساء فيها في الندوة البرلمانيّة، وتتراوح نسبة مشاركة النساء اللبنانيّات في المجالس البلديّة والبرلمان ومجلس الوزراء ما بين 2 إلى 4 في المئة كحدّ أقصى.
المفارقة، أنّه في حين شكّلت المرأة اللبنانيّة المثل والمثال لنساء العالم العربيّ على درب استعادة الحقوق وتكريسها، تتمثّل النساء بقوّة في المجالس البلديّة في الأردن والعراق، وتدخل السيّدات إلى مجلس الأمة الكويتيّ، وإلى البرلمانات بشكلٍ جليّ في فلسطين ومصر والمغرب والعراق.
صحيح أنّ المرّة الأولى التي ذكرت فيها المرأة في بيان وزاريّ حكوميّ لبنانيّ كان في العام 2005-وقد جاء متأخراً جداً-حيث تعهّدت الحكومة يومها على التركيز على قضايا المرأة كشريك أساسيّ وفاعل في الحياة العامة...، إلاّ أنّ الأمر يبقى شأنها في القرار، بالمثابرة والشغف، وبالحكمة والاقدام.
وصحيح أنّ النمط الذكوريّ الفرضيّ – اللعنة عليه -يصعّب شروط هذا المسار. بالمقابل، هو يلزم المرأة اللبنانيّة بالتنقيب عن التحديّات والعقبات التي تواجهها، والبحث عن سبل تذليلها.
أقول ذلك، لأنه عندما طرحت قضيّة معالجة أزمة النفايات في لبنان على سبيل المثال والمقارنة فحسب، قاربت المطالبات المحقّة بخصوص الحلول حالة التعجيز، في واقع كلّنا نعرفه ونشكو منه. هل كان على المطالبين أن ينكفئوا؟ بالطبع لا. هل كان عليهم في الوقت عينه أن يضغطوا من أجل إقرار مخطط توجيهيّ قد يكون صعباً على الولايات المتّحدة اعتماده؟!
كل الخشية هي من الغد مع عودة أزمة النفايات مجدّداً إلى الساحة، أن نشهد النغمة ذاتها، من تخاذل المسؤولين وعجزهم، ومن تشدّد بالمقابل لا يطعم خبزاً.
وأقول ذلك، لأنّ الترافع في قضيّة الكوتا النسائيّة من ناحية مع ما واجهه من معارضة نسائيّة شرسة له كشكل من أشكال التمييز، أو الدونيّة، إضافة إلى مئات من الأسباب والمسبّبات الموضوعيّة الرئيسية الأخرى، أراحت معظم الطبقة السياسيّة – صاحبة العقل الذكوريّ الملعون-في إسقاطه من قانون الانتخاب الجديد، فضاعت فرصة. علماً أن أكثر من ثمانين دولة تعتمد هذا النظام على امتداد العالم، في كلّ من أفريقيا وأميركا اللاتينيّة وآسيا وأوروبا (لاسيما السويد والدنمارك والنروج وبلجيكا).
السؤال الذي أطرحه في الإطار اللبنانيّ: أليست كوتا هي عملية التوزيع التمثيليّ للطوائف وما بين المذاهب في مراكز المسؤوليّة؟
الانتخابات النيابيّة على الأبواب، وشخصيّاً لا أنتظر الكثير من معظم الطبقة السياسيّة الممسكة بأحوالنا " السعيدة". إنّها لمسؤوليّة عظمى تقع على عاتق المرأة في إجراء مراجعة موضوعيّة من أجل مسار متجدّد، وفي الضغط والفعل، لكي تفرض حضورها.
وإذ يحثّني على الدفع ناحية هذا الموضوع، تسجيل المرأة اللبنانيّة بفخر نسبة 13 في المئة من بين أعضاء الهيئة العامّة للمجلس الاقتصاديّ – الاجتماعيّ الذي تشكّل قبل أيام، إلاّ أنّ الطريق بعد شاق وطويل. فعلى الرَّغم من الصعوبات والعوائق والتحدّيات، لا تنفكّين أيّتها المرأة اللبنانيّة عن إبهارنا محليّاً أو عالميّاً، ومن واجب اللبنانيين استثمار قدراتك. وليس من تنمية ولا من استقرار ولا من سلام، دون مشاركة فعلّية واندماج حقيقيّ للنساء في جميع مواقع صنع القرار السياسيّ.
 

  • شارك الخبر