hit counter script

باقلامهم - فيوليت غزال البلعة

بمَ عاد لبنان من واشنطن؟

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 07:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

 

لم تكن الإجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين كما سابقاتها. مناخات ضاغطة يقابلها ملفات مضغوطة بسياسات متناقضة بين العاجزة عن الإمساك بمفاصل الإستحقاقات وبين قادرة على الإنجاز حيث الفشل يشكل البيئة الحاضنة.

حمل لبنان وفده إلى عاصمة القرار هذه السنة، مبتور التمثيل الرسمي مع غياب وزير المال علي حسن خليل لعذر "مناقشة مشروع موازنة 2017 في بيروت". إتجهت الأنظار وتركزت على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، رجل المرحلة كما كل المراحل، نقديا ومصرفيا و"عقوباتيا".

هبوط آمن لليرة، وإرتياح لآلية تطبيق العقوبات الكافية على "حزب الله" وتواصل مستمر مع المصارف المراسلة. ثلاثة عناوين أشاعت إرتياحا غير مسبوق لدى سلامة كما في أوساط المصرفيين اللبنانيين الذين أصروا على عدم تفويت فرصة الإطلاع من قرب على أجواء الإدارة الأميركية ووزارة الخزانة اللتين تقودان حملة شرسة على إيران، تُرجمت تشددا حيال "الإبن الروحي" لها أي "حزب الله".

المستقبل الرمادي المنسحب من الخارج البعيد على الداخل اللبناني، تلاشى في لقاءات سلامة الجانبية –لم يشارك في معظم الإجتماعات المفتوحة- ليتحوّل إيجابيا حيال المتخذ من هندسات أثارت محليا بعض الحفائظ حين إعتُقد أن الحاكم أنهى سياسات الدعم، وإتُخذت ذرائع لشنّ هجمات مقنّعة بما برهن أن تلك السياسات تستهدف دعم الإقتصاد الوطني وليس القطاع المصرفي وحده. هذا ما تجلّى في ردات الفعل على إنتهاء مفعول رزمة القروض المدعومة، التي طمأن سلامة إلى إعادة تجديدها قريبا في تعميم "سيُطبّق فور صدوره وقريبا".

ليست مستغربة النظرة العامة الجيدة حيال مصرف لبنان، فهي قائمة على سمعة الحاكم وإمكانات التعاون معه، والثقة بقدرته على هندسة "هبوط آمن" لأحوال النقد الوطني والأداء المصرفي في أدقّ الظروف، ونجاحه أكثر من مرة في جبه الصدمات غير المساعدة لمناخ الأعمال والنمو، وهي لا تزال تعوّق ما يلزم من إصلاحات مالية تبقي عجوزات الموازنة ونفقاتها تحت مجهر المجتمع المالي.

وفي ما سمعه وفد لبنان في واشنطن، مخاوفٌ من إنعكاسات إقليمية غير مؤاتية للمرحلة المقبلة مع شمول العقوبات "الجناح الإجتماعي" لـ"حزب الله". فالمؤسسات التابعة، تقول مصادر ديبلوماسية أميركية، ستُدرج في لائحة "أوفاك" تباعا لتطول مستشفيات ومدارس وأطباء ومؤسسات إجتماعية وإعلامية وكل ما له علاقة بالحزب، بما يشكّل جزءا من "محاكمة إيران بالعقوبات" التي يدفع بها الرئيس دونالد ترامب وما زال الكونغرس يرفضها.

ففي مقابل التقدير الذي حازته الهندسات المالية، برز قلق حيال ارتفاع معدل الفوائد والتحويلات المالية التي تتقلّص تباعا نتيجة الأزمات الاقتصادية العالمية والموقف الخليجي (وتحديدا السعودي) غير الصحي من لبنان والحصار الذي فرضته واشنطن على "حزب الله"، إلى الموقف من تطبيع العلاقات مع سوريا. وقد تركزت نقاشات الإجتماعات في واشنطن على السؤال عن عجز الموازنة اللبنانية والتهرّب الضريبي وتفشي الفساد. فالبنك الدولي مستعدّ وفق مسؤوليه، لمساعدة لبنان في ملفات الكهرباء والمياه والنفايات والبنية التحتية ومدّه بالمساعدات المالية المطلوبة لمعالجة ملف النازحين السوريين، "لكن ثمة عرقلة داخلية تحول دون ذلك، ولعل أبرزها الإنقسام الداخلي حيال مسألة تطبيع العلاقات مع سوريا، علما أن تلك الإنقسامات القائمة منذ أعوام حالت دون إفادة لبنان من الثلاثة مليارات دولار المرصودة سابقا كمساعدات لعجزه عن توظيفها في موقعها الصحيح".

ولفت هؤلاء أيضا الى عوائق تتمثل بإرتفاع مخاطر لبنان السيادية نتيجة العقوبات وعدم إقتناع واشنطن بوجود عمل جدي في وزارة المال لضبط الدين العام وكلفته ولمعالجة العجز المتنامي في الموازنات العامة. وإذ أشادوا بالإصلاح الضريبي الذي فُرض أخيرا لهيكلة العجز، أشاروا الى ضعف في آليات التنفيذ وتحديدا لجهة الجباية، مستندين الى التجارب السابقة التي أتاحت إستمرار الإهدار في ما كان يُرتقب من إيرادات ضريبية في مشاريع الموازنات الإثني عشرية.

لقد خرج الأردن من إجتماعات واشنطن بمساعدات قاربت الـ3 مليارات دولار، حين نجح وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني عماد الفاخوري في عرض سلة الإصلاحات المالية والإقتصادية التي أنجزتها عمّان في تلبية لمطالب المجتمع الدولي. مشهد لم ينطبق على لبنان الذي بدا على مسافة واحدة من غياب المساعدات والعقوبات التي باتت شبه نهائية، ويرتقب ان تصدر في مدة وجيزة لتطبق على الجناح الاجتماعي لـ"حزب الله" بعدما طالت أميركيا، الجناحين السياسي والعسكري.

مرة جديدة، ينفصم لبنان بين شقين متوازيين لم يعرفا كيف يلتقيا. وضع نقدي ومصرفي سليم يحظى بإشادة توّجت أمس بتكريم رياض سلامة لتصدّره لائحة أفضل حكام بنوك مركزية في العالم الذين تميّزوا بنيلهم درجةA المرموقة، ووضع مالي يعاني غياب الإرادة السياسية في الإصلاح وتذليل المعوقات، بما يبقيه الخاصرة الأضعف في الحال اللبنانية الفريدة.
يعود بعضٌ من وفد لبنان الرسمي إلى بيروت اليوم، ويدرك أن عليه إبلاغ ما سمع من رسائل لئلا يفقد إقرار أول موازنة بعد 12 عاما ما يفترض أن يحمله مضمون يبقى في نظر المجتمع الدولي فارغا من دون الحسابات المالية!

فيوليت غزال البلعة - Arab Economic News

  • شارك الخبر