hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

أميركا تعيد اكتشاف إيران

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 06:19

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أهمّ ما في خطاب الرئيس دونالد ترامب عن الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني، انّه يعالج موضوع ايران ككلّ ويضع الملفّ النووي في اطاره الصحيح. انّه اطار السلوك الايراني على الصعيدين الدولي والإقليمي. لا يختزل الملفّ النووي، بأيّ شكل، مشكلة حقيقية اسمها النظام ما بعد سقوط الشاه. اي ايران التي تستثمر في كلّ ما من شأنه زرع حال من عدم الاستقرار في المنطقة العربية بشكل خاص وفي كل المناطق الإسلامية بشكل عام.

لم تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق الموقع صيف العام 2015 بين ايران ومجموعة الخمسة زائدا واحدا، أي البلدان الخمسة ذات العضوية الدائمة في مجلس الامن وألمانيا. من الواضح ان الادارة الأميركية قررت مسايرة حلفاءها الاوروبيين. تفادى ترامب الانسحاب من الاتفاق الذي كان الوصول اليه هدفا بحدّ ذاته لادارة باراك أوباما ولايران نفسها. ارادت إدارة أوباما القول انّها حققت إنجازا ما على الصعيد الخارجي. وفّرت لإيران الغطاء الذي تحتاجه كي تتابع سياستها العدوانية على كلّ صعيد من منطلق ان لا وجود سوى لـ «الارهاب السنّي» في الشرق الاوسط والعالم. لم تسأل إدارة أوباما يوما من اين جاء «داعش» ومن وفّر الحاضنة لـ «داعش» ومن على شاكلته.

هناك للمرّة الاولى، منذ اعلان «الجمهورية الإسلامية» في ايران، في العام 1979، إدارة أميركية تعرف تماما ما هي ايران. هناك وصف متكامل ورصد دقيق من الرئيس الاميركي لكلّ النشاطات التي تقوم بها ايران داخل حدودها وخارجها. يمكن القول ان اميركا اكتشفت أخيرا ايران، عندما ربط ترامب بين الملفّ النووي من جهة وبين سلوك ايران من جهة أخرى. لم تكن المشكلة يوما في الملفّ النووي. المشكلة في السلوك الايراني بغض النظر عن هذا الملف الذي استخدمته ايران لتغطية ما تقوم به الآن، بل ما قامت به في الماضي أيضا. لذلك ليس صدفة ان يكون ترامب فتح في خطابه كلّ الملفات الايرانية بدءا باحتجاز الديبلوماسيين في السفارة الأميركية في طهران رهائن لمدة 444 يوماً ابتداء من نوفمبر 1979. لم تطلق الرهائن الّا بعد الانتخابات الأميركية التي تغلّب فيها رونالد ريغان على جيمي كارتر الذي وضع الأسس للتراجع الاميركي امام العدوانية الايرانية عندما امتنع عن الاقدام على ايّ خطوة جدْية ردّا على احتجاز الديبلوماسيين الاميركيين باستثناء عملية انقاذ فاشلة انتهت بكارثة سقوط مروحية أميركية في صحراء طبس الايرانية.

بات معروفا الى اين أوصلت إدارة كارتر الولايات المتحدة التي لم تستطع في ايّ وقت الردّ على الاستفزازات الإيرانية، حتّى في عهد ريغان الذي شهد تفجير مقرّ المارينز في بيروت يوم 23 أكتوبر 1983 وقبله باشهر قليلة تفجير السفارة الأميركية في العاصمة اللبنانية. قتل في عملية تفجير السفارة التي كانت في منطقة عين المريسة البيروتية عدد كبير من ضباط وكالة الاستخبارات المركزية (سي. آي. أي). على رأس هؤلاء بوب ايمز الذي كان اوّل من حذّر ايران من احتمال تعرّضها لهجوم عراقي في عهد صدّام حسين (الرواية الكاملة عن تحذير ايمز للمسؤولين الايرانيين من الهجوم العراقي في كتاب «الجاسوس الطيّب» للكاتب كاي بيرد).

لم يعد سرّا بالنسبة الى الإدارة ما الذي فعلته ايران منذ 1979 وصولا الى اعتبارها «دولة مارقة» حسب تعبير ترامب. لم يفوّت الرئيس الاميركي ذكر أي دور قامت به ايران على أي صعيد كان وذلك لتبرير تحولّها الى رمز لـ«الإرهاب». لم يتردد في الإشارة الى التعاون بين ايران و«القاعدة» ولم يفوت ايضا الفرصة كي يشير مرّات عدة الى الدور الذي تلعبه الميليشيات المذهبية التابعة لإيران، بما في ذلك ميليشيا «حزب الله». اكثر من ذلك، لم يتردد في التركيز على الدور الايراني في دعم بشّار الأسد في الحرب التي يشنّها على الشعب السوري.

من الناحية النظرية، كان خطاب ترامب خطابا شاملا وضعه له اشخاص يعرفون تماما وبالتفاصيل المملة ما هي ايران وكيف شاركت في عملية الخبر للعام 1996 التي قتل فيها عسكريون اميركيون في المملكة العربية السعودية. ما قاله ترامب يمكن ان يصدر عن ايّ سياسي لبناني او عربي يعرف تماما ما ارتكبته ايران في بلد مثل لبنان صار رهينة لدى «حزب الله»، خصوصا بعد انتقاله بشكل تدريجي من الوصاية السورية الى الوصاية الايرانية اثر اغتيال رفيق الحريري في فبراير 2005.

لا غبار على خطاب ترامب من الناحية النظرية، خصوصا انّه جاء نتيجة لمراجعة للسياسة الأميركية استمرّت نحو تسعة اشهر. ولكن ماذا عن الناحية العملية؟

ثمّة أمور عدّة تحتاج الى التوقّف عندها. من بين هذه الامور عدم وضع «الحرس الثوري» الايراني في مصاف المنظمات الإرهابية. ما الذي جعل الإدارة الأميركية تتراجع عن ذلك وتكتفي بالكلام عن عقوبات على «الحرس الثوري». مثل هذا السؤال لا يزال يحتاج الى جواب، اقلّه الى توضيحات ما تساعد في فهم مدى جدّية ترامب في الدخول في مواجهة مع ايران ومع مشروعها التوسّعي. ما يطمئن الى ان الرئيس الاميركي يعي تماما ما الذي يفعله اشارته الى ضرورة رص الصف بين الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. هذا الكلام يعني بكل بساطة ان اميركا غيّرت استراتيجيتها الشرق أوسطية ولم تعد في وارد استرضاء ايران من اجل المحافظة على الاتفاق في شأن الملفّ النووي الايراني. بكلام أوضح، لن تنسحب اميركا من الاتفاق، لكنّها لن تفصل بينه وبين سلوك ايران على الرغم من كلّ الاعتراضات الاوروبية على هذه المقاربة المختلفة كلّيا عن مقاربة إدارة أوباما.

حسنا، قال الرئيس الاميركي ما يريد قوله. هناك اعتراضات أوروبية وروسية وهناك اعتراضات أخرى من داخل الإدارة نفسها حيث لا وجود لحماسة لدى وزير الخارجية ركس تيلرسون لايّ مواجهة من ايّ نوع مع ايران. هناك جناح في الإدارة يفضّل اعتماد التهدئة والعمل على متابعة استرضاء ايران. وهذا يدلّ على قوة اللوبي الايراني في واشنطن ومدى فاعليته.

يبقى في نهاية المطاف، كيف يمكن لترامب الانتقال من التنظير الى التنفيذ. سيعتمد الكثير على ما اذا كانت هناك خطط عسكرية لتقطيع اوصال الوجود العسكري الايراني في المنطقة، خصوصا في منطقة الحدود السورية - العراقية. ليس بعيدا اليوم الذي سيتبيّن فيه هل خطاب ترامب ثمرة مشاورات بين كبار العسكريين الذين يشغلون مواقع مهمّة في الإدارة مثل الجنرال هربرت مكماستر مستشار الامن القومي ووزير الدفاع جيمس ماتيس ورئيس الأركان في البيت الأبيض الجنرال جون كيلي، ام انّه مجرد تسجيل لموقف؟

المهمّ ان اميركا اعادت اكتشاف ايران ما بعد الشاه واظهرت انّها تعرف تماما ما هو الدور الذي تلعبه في المنطقة. بين الانتقال من النظري الى العملي مسافة كبيرة ليس معروفا هل إدارة ترامب على استعداد لقطعها. الأكيد ان سورية هي احد الأمكنة التي سيظهر فيها هل من جدّية أميركية ام لا؟
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر