hit counter script

مقالات مختارة - العميد منير عقيقي

صُداع الديموقراطية الالكترونية

الثلاثاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 07:02

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

احتمال ان تؤدي الأحداث الكثيرة التي شهدها لبنان في الفترة الأخيرة إلى نوع من القلق يؤثر على الاستقرار، تحَوّل إلى واقع جراء "هستيريا" وسائل الإعلام الالكتروني وسوء استخدام "السوشيل ميديا" التي صارت جزءاً اساسيا من الاعلام ،ومن يوميات الحياة على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، لا سيما منها السخرية والتهكم.
ما حصل ويحصل عبر هذه الوسائل ، أظهر ان مجتمعنا لم يتأهل بعد حضاريا للتعامل مع التكنولوجيا كفكرة. ومن دون انتقاص من قدر البعض وقدرته وحتى تميزه، فإن الغالبية منا قصّرت استعمالها على كونها أداة للتعبير عن الغريزة والاهواء.
لا يُعاب على الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وكندا التحذيرات التي وزعتها على رعاياها خشية من أعمال إرهابية قد تستهدف لبنان وهم منه وفي ربوعه. لا بل بالعكس، أمر كهذا مدعاة فخر لهؤلاء المواطنين، وان كانت الآلية المُعتمدة تبقى نقطة نقاش وجدل حول مدى احترام السيادة الوطنية، وما إذا كان ينبغي التنسيق مع السلطات اللبنانية، خصوصا وان التعاون الأمني قائم بين لبنان وهذه الدول وغيرها.
يسع المرء والمراقب على حد سواء ان يذهبا الى أبعد من ذلك في وجهة التحذير التي افتتحتها هذه الدول، ليُسجل عليها غيابها اللافت عن استدراك الاعمال الإرهابية على أرضها في وقت برع ونجح لبنان من خلال الجيش ومؤسساته الأمنية في احباط عشرات الهجمات الإرهابية التدميرية، ومن دون اثارة الهلع والخوف.
لكن في المقابل، يُسجل على غالبية اللبنانيين انخراطهم في دورة من جنون تبادل رسائل صوتية مُختلَقة مُفبركة. كل رسالة منها تُظهر المتحدث كأنه حامل جواز سفر صادر عن واحدة من الدول الأربع، أو ينتسب الى قريب ما يتناسل من احدى هذه الدول. كان يمكن فهم هذه اللوثة وتبريرها إلى اللحظة التي أصدرت فيها، كل على حدى، وزارتا الخارجية والداخلية بيانين توضيحيين ليليهما الجيش. لكن ما شكل استعصاءً على الفهم الاستمرار في هذه الموجة على مدى ثلاثة أيام متواصلة، كأن البلد كان ينقصه مؤثرات سلبية.
رب قائل انه ينبغي تبرير هذه المغالطة بدعوى الخشية من اعمال انتقامية تقوم بها "داعش" اثر اندحارها عن لبنان بعد عملية "فجر الجرود" المُشرفّة. فإذا كان هذا كلاما صحيحا ـ وهو غير صحيح لأنها ليست المرة الأولى يقع فيها لبنان تحت تأثير الشائعات عبر وسائل التواصل ـ كان من الأجدى بالذين يخشون من داعش أن لا يُشككوا في انتصار الجيش، وأن لا ينالوا من معنويات ضباطه وجنوده بسفسطات سياسية وشعبوية، ويتاجروا بقضية استعادة رفات أبطالنا الشهداء. علما ان أحدا من المغردين والمعلقين لم يكلف نفسه تخصيص وقت للجلوس إلى ذوي شهداء غدر الإرهاب التكفيري خلال محنتهم على مدى نحو ثلاث سنوات، في وقت كانت القيادات المعنية، وفي مقدمها اللواء عباس إبراهيم، يصلون الليل بالنهار ويجوبون أصقاع العالم بحثاً عن وسيط يعطي الخبر اليقين.
أبعد من ذلك، هل لعاقل أن يُفسّر الهوس الذي يسيطر على اللبنانيين في استدعاء المآسي والقضايا الخلافية التي تزيد من هشاشة الوحدة الوطنية، علما ان الجميع ارتضى مع إقرار اتفاق الطائف المضي قدماً نحو صناعة السلم الأهلي؟ كل التعليقات والتغريدات التي تتناول تواريخ هذه المآسي وما رافقها من حروب عبثية، تهبط إلى مستوى الاتهامات والاتهامات المُضادة. الأسوأ ان بعضا من الجيل الذي لم ينخرط في الحرب العبثية، نراه منخرطا كأن تلك الأيام كانت ذروة البحبوحة والراحة، أو ساكتا عن الدفاع عن حقه في حياة آمنة هادئة في ظل دولة تحكمها المؤسسات الدستورية والقوانين.
الأكثر مدعاة للسأم، هو "صداع" الديموقراطية الالكترونية ـ إذا صح التعبير ـ وسببه معزوفة التخوين والاتهام بالميل الى "الديكتاتورية" و"النظام الأمني القمعي" التي تنطلق بوجه كل عاقل يتدخل مُعلقا أو مغردا بوجوب التنبه من الأفكار المبثوثة عبر السوشيل الميديا، أو حتى ضد رأيه في أن هذه التكنولوجيا هدفها التواصل للمصارحة والمصالحة، وبالتالي الحد من النزاعات ومن الحض على الحروب والكراهية.
* بقلم العميد منير عقيقي
رئيس تحرير مجلة الامن العام عدد 49 تشرين الاول 2017
 

  • شارك الخبر