hit counter script

مقالات مختارة - دافيد عيسى - سياسي لبناني

مشروع الدولة الكردية يحدث "زلزال" في المنطقة ولبنان في مهب الرياح الاقليمية

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 06:54

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

 

يمر الشرق الاوسط في واحدة من اهم حقباته التاريخية وسط متغيرات وتحولات متسارعة يصعب اللحاق بها وستفضي الى اعادة رسم الخارطة الجغرافية والسياسية للمنطقة للمرة الاولى بشكل جذري منذ اتفاقية سايكس – بيكو...
ما شهدته المنطقة العربية من حروب وثورات وازمات في السنوات السبع الاخيرة في مرحلة ما سمي "الربيع العربي" لم يكن الا من مقدمات الشرق الاوسط الجديد الذي ترسم خطوطه على الارض بالدم والنار.
فمثل هذه التغييرات العميقة لا يمكن ان تتم بهدوء "وعلى البارد" وانما يلزمها انضاج للظروف والوقائع وتحتاج لكثير من الوقود والضحايا، وهذا ما ادى الى ظهور تنظيم "داعش" الارهابي واخواته من اجل تسريع وتيرة التحولات وانضاج طبخة التسويات والمشاريع المعدة للمنطقة والتي بدأت تطل برأسها في سوريا والعراق وفلسطين مع دخول الحروب مرحلة العد التنازلي "وبداية النهاية".
لعل التطور المهم الذي حصل اخيراً ويضاهي في اهميته انهيار "داعش" ودخول تركيا قلب المعركة من البوابة السورية ضد جبهة النصرة والمتطرفين الاسلاميين، هو الاستفتاء الكردي على الاستقلال والانفصال عن العراق، وبما يفتح الطريق عاجلاً ام آجلاً امام قيام دولة كردستان ولان يشق هذا المشروع طريقه الى التنفيذ على ارض الواقع بعد عدة محاولات قام بها الاكراد في العقود الماضية وباءت كلها بالفشل.
لكن الحلم الكردي يمكن ان يتحول الى "كابوس" لأصحاب العلاقة والنزعة الاستقلالية كما لدول الجوار التي ستكون مهددة بتمدد هذه النزعة الى "اكرادها" وقيام حالات انفصال والتحاق بالدولة الكردية الموعودة، وبالتالي فإن موضوع دولة كردية مستقلة ستكون مسألة شائكة ومعقدة ومكلفة لا يمكن ان تمر بسهولة وسلاسة ولا بد ان تنتج عنها اهتزازات وارتدادات في كل المنطقة.
مشروع الدولة الكردية سيكون بمثابة "زلزال سياسي" في المنطقة والتغيير الثاني الذي سيطرأ على جغرافية المنطقة وحدود دولها بعد التغيير الذي تسبب به قيام دولة اسرائيل مع فارق ان الاكراد هم ابناء الارض ويمارسون حقهم في تقرير مصيرهم.
ولكن الخطورة في ما يجري حالياً ان علاقة التعايش ما بين الاقليم الكردي وحكومة بغداد قد انهارت بعدما فشلت عملية تنظيم العلاقات وحل الخلافات العالقة، وهذا يعني ان العراق الذي كنا نعرفه انتهى ولم يعد من الممكن قيام دولة مركزية، لا بل تجاوزت الاوضاع الحل الفدرالي على اساس ثلاث اقاليم، شيعي في الجنوب وسني في الوسط وكردي في الشمال.
وما بعد الاستفتاء الكردي لن يكون مثل ما قبله، والعراق بات يقف امام احتمالين واتجاهين: إما نظام كونفدرالي لتكون الدولة الكردية مرتبطة بالعراق في اطار صيغة كونفدرالية، وإما الى التقسيم وتحقق الانفصال الكامل لدولة كردستان.
ولا تقف الامور عند هذا الحد وانما ستتمدد باتجاه سوريا التي شهدت مناطقها الكردية منذ ايام وبالتزامن مع استفتاء كردستان، انتخابات لمجالس محلية في نطاق فدرالية مناطقية انطلقت من المناطق الكردية في شرق وشمال سوريا... وفي هذه الحال فإن سوريا التي كنا نعرفها لن تعد، وستشهد ولادة اقاليم كردية وعلوية وسنية ودرزية ومسيحية وستدخل مرحلة النظام او الحل الفدرالي.
وستكون المنطقة بمجملها مفتوحة على افق جديد تحت عنوان تأمين حماية وحقوق الاقليات العرقية والاثنية والطائفية.
على خط مواز لهذا التحول القادم من شمال العراق، يجري تحول آخر لا يقل اهمية على خط عملية السلام في الشرق الاوسط والصراع "الفلسطيني – الاسرائيلي" وفي اتجاه الوصول الى تسوية شاملة على اساس "حل الدولتين" ومن ضمن مؤتمر سلام اقليمي يطلق مرحلة تطبيع العلاقات بين اسرائيل والعرب، وهذه خطة متكاملة اعدتها ادارة ترامب وتسعى لتحقيقها من دون انتظار الحل النهائي للأزمة السورية.
وفي هذا السياق طرأت تغييرات مهمة وسريعة على الوضع الفلسطيني فتم التوصل الى اتفاق مصالحة بين حركتي فتح وحماس، وطويت صفحة الانقسام بين غزة والضفة وستقوم حكومة وحدة وطنية وستجري انتخابات تشريعية وسيتم الاتفاق على مشروع وطني موحد ليجري التفاوض على اساسه ومن موقع قوة الموقف الواحد وبما يؤدي الى نزع ذريعة اسرائيل التي كانت تتهرب من المفاوضات بحجة انه ليس هناك من طرف فلسطيني قادر على ابرام اتفاقات وتنفيذ التزاماته.
اذا كانت القضية الفلسطينية اضحت قضية منسية في حقبة "الربيع العربي" او حقبة "التطرف الاسلامي" وكانت من ضحايا هذه الحقبة السوداء فإنها تعود الى الواجهة كقضية مركزية يساهم حلها في كبح جماح التطرف والارهاب...
واذا كان لبنان نجح في الصمود طيلة هذه السنوات العجاف وفي تمرير المرحلة من دون خسائر كبيرة وحافظ على استقراره وامنه ووحدته بالحد الادنى، فإن لبنان يقف اليوم عند مفترق طرق وعند امتحان صعب في مواجهة مشاريع الحلول والتسويات الكبيرة التي يجري تركيبها في وقت نجد المسؤولون عنا باستثناء "حزب الله وامل" غافلون عنها ويتلهون بالشؤون الداخلية الصغيرة والحرتقات فيما بينهم.
مثلما نجح لبنان في تجاوز حروب المنطقة وتفاديها من دون ان يدفع الثمن، هكذا يجب ان يكون على اهمية الاستعداد للتعامل مع مشاريع المنطقة والتسويات الكبرى التي بدأت خيوطها تنسج وتتضح يوماً بعد يوم، حتى لا يدفع ثمن هذه التسويات ولا تتم على حسابه، ولا يكون لبنان قادراً على مواجهة التحديات الاقليمية وجاهزاً لها الا اذا عمل على تحصين جبهته الداخلية من خلال :
- تمتين اواصر الوحدة الوطنية ونبذ اي خلافات وانقسامات واصطفافات تضعه في صراعات ومحاور اقليمية.
- دعم الجيش اللبناني والاجهزة الامنية وتوفير افضل الظروف والمقومات لحفظ الامن والاستقرار ومحاربة الارهاب بكل اشكاله.
- حفظ الحكومة والاستقرار السياسي الى حين اجراء الانتخابات النيابية وتجديد الطبقة السياسية.
- فتح ملف عودة النازحين السوريين دون شروط وعوائق سخيفة، هذا الملف الذي لم يعد يحتمل انتظاراً لمبادرات دولية او لحلول نهائية في سوريا بعدما صارت اثقاله واعباؤه كبيرة على كل المستويات.
- الاهتمام بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية والانمائية واجراء الاصلاحات الضرورية في ادارات الدولة ومؤسسات الحكم لتعزيز مقومات الصمود عند المواطنين وتعزيز ثقتهم بدولتهم ومستقبلهم.
لبنان في مهب الرياح الاقليمية الآتية هذه المرة من خلال تسويات ومشاريع حلول وصفقات كبيرة وشاملة، فإما ان يصمد ويثبت في وجهها واما ان تطحنه وتدمر استقراره ورسالته والنموذج الفريد الذي يمثله في المنطقة.

دافيد عيسى - سياسي لبناني

  • شارك الخبر