hit counter script

مقالات مختارة - خيرالله خيرالله - الراي

إلغاء الاتفاق مع إيران... من دون إلغائه

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 06:08

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

إذا كان من تكهن لما سيخرج به الرئيس دونالد ترامب يوم الخميس المقبل، خصوصاً بعد وصفه الأيام الراهنة بانّها شبيهة بـ «الهدوء الذي يسبق العاصفة»، فإن هذا الموقف سيكون، على الأرجح، أقرب الى العقلانية من شيء آخر. لن تنسحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي وقعته «مجموعة الخمسة زائد واحد»معها، صيف العام 2015 لكنّها ستتصرف بما يؤكد أن هذا الاتفاق غير موجود. وهذا يعني في طبيعة الحال، أنّ عقوبات جديدة ستفرض في المستقبل على إيران التي أرادت التصرف على طريقتها بعد الاتفاق وفي المرحلة التمهيدية له. تقول الطريقة الايرانية بكلّ بساطة ان لا رابط بين الاتفاق النووي من جهة والسلوك الايراني خارج الحدود الايرانية وبتطوير الصواريخ البالستية من جهة أخرى.

يبقى دونالد ترامب رجل المفاجآت. حصوله على ترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة كان مفاجأة، خصوصاً أنّه جاء من خارج الحزب. المفاجأة الأكبر كانت في انتخابه رئيساً على الرغم من كلّ الفضائح التي ظهرت خلال حملته، وهي فضائح لا تزال تلاحقه الى اليوم. بين هذه الفضائح ما هو مرتبط بالعلاقة بينه وبين القيادة الروسية التي دعمته في وجه هيلاري كلينتون.

ما يدعو الى التكهّن بأن واشنطن لن تنسحب من الاتفاق النووي، الرأي السائد في أوساط مجموعة الضباط التي تحيط بترامب. بين هؤلاء رئيس موظفي البيت الأبيض جون كيلي ومستشاره لشؤون الامن القومي هربرت مكماستر ووزير الدفاع جيمس ماتيس. لهؤلاء رأي في الاتفاق النووي، لكنّهم ليسوا مع الخروج منه. يريدون إلغاء الاتفاق من دون إلغائه. هذا هو الاطار الذي يتحرّك ترامب في إطاره. وهذا ما أعلنه وزير الدفاع مراراً. وهذا ما تعرفه إيران التي ستحرمها اميركا من فوائد كانت تعتقد أن الاتفاق سيأتي بها. على رأس هذه الفوائد إلغاء العقوبات المفروضة عليها من دون أن يعني ذلك أي تغيير في سلوكها. أرادت بكل بساطة الاستفادة من لذيذين. لذة إلغاء العقوبات الأميركية والدولية ولذّة التغاضي عما تقوم به في المنطقة والعالم تحت ذريعة أن لا بدّ من حماية الاتفاق في شأن ملفّها النووي.

لا بدّ من العودة قليل إلى خلف للتأكّد من أن إيران كانت تستعد لمرحلة ستجد فيها نفسها مضطرة لمواجهة مع إدارة ترامب. فقبل تثبيت الجنرال المتقاعد جيمس ماتيس في موقع وزير الدفاع في الإدارة الجديدة، سارعت ايران الى تعيين سفير جديد لها في بغداد هو ايرج مسجدي، كبير مستشاري الجنرال قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الايراني» الذي يقع العراق ضمن مسؤولياته.

دلّ تعيين مسجدي سفيراً جديداً لإيران في العراق على أن الكلمة الاولى والأخيرة في «الجمهورية الإسلامية» هي لـ«الحرس الثوري» الذي لا يمكن إلّا أن يتصدى للتوجه المختلف، المحتمل، لإدارة ترامب، خصوصاً لوزير الدفاع المعيّن الذي لم يجد صعوبة في تثبيته في موقعه على الرغم من عدم مضي سبع سنوات على تقاعده. استثنى الكونغرس الجنرال ماتيس، ذا الثقافة الواسعة والخبرة العميقة في شؤون العالم والشرق الاوسط، من قانون يمنع العسكريين من تولي مناصب سياسية قبل مضي سبع سنوات على تقاعدهم.

كان موقف الجنرال ماتيس أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، التي استمعت إليه تمهيداً للموافقة على تعيينه في موقعه الجديد، من النوع الذي لا لبس فيه. اعتبر أنّ على الولايات المتحدة المحافظة على نفوذها في العراق، حتّى بعد معركة تحرير الموصل من «داعش» وذلك لضمان عدم تحوّل العراق دولة تابعة لإيران. قال أيضاً في شهادته الخطّية انّ «الحرب القاسية في سورية» أثارت اضطرابات في الشرق الاوسط وتمثّل تهديداً للأمن القومي الاميركي.

ورد هذا الكلام في سياق تأكيده في الشهادة الخطية ان إيران تشكل «أكبر قوّة مثيرة للاضطرابات» وأنّ على الولايات المتحدة التوصّل إلى استراتيجية بعيدة المدى تضمن «منع إيران من تحقيق هدفها القاضي بفرض الهيمنة على المنطقة»، محذّراً من أن «النفوذ الايراني المؤذي ينمو» في الشرق الاوسط والخليج.

ترك ماتيس الجيش الأميركي في العام 2013 عندما أدرك أن إدارة أوباما مستعدة للتخلي عن العراق لإيران.

ما يعرفه الجنرال ماتيس الذي كان يلقّب بـ«الكلب المسعور» خلال خدمته في الجيش أن عدم التصدي لما تقوم به ايران في العراق هو استسلام لها. هل كان ثمن حماية الاتفاق في شأن ملفّها النووي يقتضي بالاستسلام لها في العراق وفي سورية أيضاً؟

تحسبا لتغيير في السياسة الأميركية، وضع «الحرس الثوري» رجلاً من عنده سفيراً في بغداد. هذا يعني ان ايران تنظر بجدْية الى ما يمكن ان تقوم به مستقبلاً إدارة دونالد ترامب الذي تسلّم مهماته الرئاسية في العشرين من يناير الماضي.

قبل دخول ترامب البيت الأبيض، بدا أن إدارة أوباما مستعدة للتنسيق كلّيا مع ايران في العراق وحتّى في سورية حيث تغاضت عن لجوء بشّار الأسد الى السلاح الكيماوي مرّة تلو الأخرى، خصوصاً صيف العام 2013. وفّرت هذه الإدارة في بعض الأحيان غطاء جوّيا لـ«الحشد الشعبي» الذي كان يقوده على الأرض مستشارون إيرانيون. لم تخرج اميركا عن هذا الخطّ في عهد ترامب. أدّى ذلك الى انتهاء معركة الموصل وهزيمة «داعش». لم تسقط المدينة فحسب، بل دمّرت كليا بحجة القضاء على «داعش»!

هل آن أوان التغيير الاميركي الحقيقي الذي معناه أن يحوّل وزير الدفاع كلامه الى أفعال؟

كشف كلام ماتيس في الكونغرس، مطلع السنة الجارية، أنّه صار في «البنتاغون» رجل يعرف تماماً ما هي ايران وما مشروعها التوسّعي الذي أخذ أبعاداً جديدة بعد سقوط العراق في العام 2003. لا يوجد في البنتاغون «كلب مسعور»، بل انّنا أمام جنرال أميركي يعرف تماما الشرق الاوسط والخليج. فماتيس يعرف خصوصاً ماذا يعني ان تكون الحرب على العراق في العام 2003 حرباً أميركية ـ إيرانية في الدرجة الاولى. يعرف ماذا يعني ان يصبح العراق مستعمرة إيرانية وأن ترضخ إدارة أوباما للامر الواقع فتنسّق انسحابها العسكري والسياسي من العراق بشكل كامل مع إيران.

يعرف ماتيس ومعه الجنرالات الآخرون ان تجربة حرب العراق كانت كارثة على الولايات المتحدة وأن القوّة العظمى الوحيدة في العالم في غنى عن حرب جديدة. لكنّهم يعرفون أيضاً أنّ لا مفرّ من التصدي لإيران ولمشروعها من دون الخروج من الاتفاق في شأن ملفّها النووي. هذا هو، على الأرجح، نمط التفكير الذي سيفرض نفسه على المقيم في البيت الأبيض.

المسألة مسألة أيّام قليلة يظهر بعدها الى أيّ مدى ستذهب الولايات المتحدة في سياستها الايرانية الجديدة. يحدث ذلك في ظل تغييرات داخلية في العراق حيث تململ واضح من ايران يعبّر عنه رئيس الوزراء حيدر العبادي بين حين وآخر ومقتدى الصدر وعمّار الحكيم بشكل مستمرّ. أما في سورية، التي شهدت تغييرات كثيرة على الأرض، لم يعد سرّاً الوجود العسكري الاميركي القويّ في مناطق معيّنة، خصوصا في الجزيرة.

كيف ستقرّر إيران الردّ على ما سيعلنه ترامب قريباً؟ هل تلجأ الى عمل استفزازي يشعل حرباً في المنطقة عن طريق سورية أو لبنان؟ الاهمّ من ذلك كلّه ما الموقف الروسي من كلّ ما يجري، خصوصاً أنّ إضعاف ايران سيحرم موسكو من ورقة ساعدتها، الى الآن، في القول انّها اللاعب الاوّل في سورية والمنتصر الوحيد فيها... وانّ من حقّها التوصّل الى صفقة كبيرة مع اميركا تؤكد ولادة قوة كبيرة تعيد الحياة الى عالم القوتين العظميين المهيمنتين على العالم.
خيرالله خيرالله - الراي

  • شارك الخبر