hit counter script

مقالات مختارة - نبيه البرجي

الليلة الملكيّة في الكرملين

الأحد ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 07:22

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

الديار

تلك الليلة حين قارن الملك بين دونالد ترامب، الآتي من براغماتية الغرب وغطرسته، وفلاديمير بوتين، الآتي من رومانسية الشرق ورؤيويته.
القيصر لم يتعامل معه على أنه منجم من الذهب، ويفترض تفريغه ولو بالضرب على الرأس. حفاوة تليق بملك (وليس أي ملك). بوتين بارع في استعادة كل تلك الأبهة الملكية. الضيف السعودي شعر أنه أمام رجل بوجه واحد، وبلغة واحدة. كل ما يريده «أن نتعاون من أجل عالم بعيد عن ثقافة الخراب».
باقتضاب شديد، شعر الملك بين يدي القيصر أنه ملك. يدرك، تماماً، وهو ابن الصحراء كيف، ينظر اليه الامبراطور.
لعله استذكر ماقاله شقيقه الملك فيصل لهنري كيسنجر، وهو يصفق الباب وراءه «لسنا أمتعة بشرية يا معالي الوزير»، وما كتبه محمد حسنين هيكل حول السياسات الأميركية في الخليج «انها السكاكين في ظهوركم».
في تلك الليلة التي لاحظ فيها صاحب الجلالة كيف تستنزف الولايات المتحدة بلاده على مدى سبعة عقود. لم تساعدها الا في تحطيم جمال عبد الناصر، كونه الظاهرة الثورية، التاريخية والنقية، التي يفترض أن تسقط عن المسرح ليرثه من كان ظلاً له، فاذا به يمازح أحد وزرائه «ما رأيك لو ننقل ضريح عبد الناصر الى أثيوبيا؟»
ماذا فعل الأميركيون للمملكة في سوريا، وكانت رهانهم العظيم؟ وماذا فعلوا بها في اليمن؟ كبار الجنرالات في واشنطن باتوا ينظرون الى السعودية على أنها عبء استراتيجي (وسيكولوجي) على الامبراطورية.
بمعنى آخر، ان المليارات التي دفعتها الرياض في الكونغرس، وفي مراكز القرار الأخرى، ضاعت في الدهاليز الأميركية.
لم يقل الملك للقيصر ان بلاده جاهزة للحلول محل ايران كحليف استراتيجي لأميركا. الرئيس الروسي الذي ورث عن آبائه الشغف بقراءة الحساسية الجيوسياسية للمدى الآسيوي، يدرك أهمية الدور الذي لعبته طهران، ومعها «حزب الله»، على الأرض السورية، كما يدرك أن الأميركيين ينتظرون أي خطأ ترتكبه القيادة السعودية لاعادة ترتيب الوضع في البلاط، وربما في بنية الدولة، وصولاً الى الخريطة نفسها.
العاهل السعودي يعلم كل هذا، ويضيق ذرعاً بـ «العبث الأميركي». يعلم أيضاً أية أهوال تنتظر ولي العهد اذا ما واصلت أسعار النفط تقهقرها، أو مراوحتها، ودون أن تكون السعودية بغافلة عن «الرقص الأميركي على أرصفة روتردام».
هنا تتقاطع المصلحة السعودية القصوى مع المصلحة الروسية القصوى.
ألم تكن تركيا خط الدفاع الأول عن الاستراتيجة الأميركية ؟ ها هو رجب اردوغان يتخلى عن الدرع الصاروخية ويشتري منظومات «اس .اس ـ 400» اثر «اللقاء الاستراتيجي»، منذ أيام، مع حسن روحاني وعلي خامنئي.
في لحظة ما، شعر الملك (أو استشعر) انه على وشك أن يفقد كل شيء، وأن نجله ولي العهد سيجد نفسه بين الأعاصير . قبل أن يتنحى عن العرش لا بد من ترتيب الأوضاع مع الكرملين. هنا الرجل الذي يحفظ له ماء الوجه في سوريا، والعراق، ويتعاطى معه دون أقنعة.
قد يكون فلاديمير بوتين قد صارحه بأنه لا يستطيع أن يفعل الكثير دون اعادة هيكلة العلاقات بين الرياض وطهران .هذه مسألة حساسة للغاية، وضرورية للغاية. لا مناص من العصا السحرية. ولكن ألا يقف الكاوبوي الأميركي عند المفترق بعدما استثمر، ويستثمر، دون حدود، الفزاعة الايرانية. الفزاعة باقية في رأس صاحب الجلالة.
الروس المولعون بالتاريخ كما بالجغرافيا يعرفون أن الشاه محمد رضا بهلوي، وقد قال لأحمد بهاء الدين «من هنا، أي من ايران، الى مصر ليس هناك بشر»، كان مصاباً بـ«لوثة قوروش»، ومع ذلك ارتبطت الرياض معه بعلاقات وثيقة . ما السبب؟
باراك اوباما أماط اللثام عن الخفايا. قال للسعوديين «المشكلة عندكم في الداخل» لا في ايران ولا لدى أي دولة اخرى. الصراع مع ايران مصطنع لحجب الأوبئة التي تفتك بالمملكة جراء التقوقع الايديولوجي (والسوسيولوجي).
حين كان الوفد المرافق يفاوض على شراء «اس.اس ـ 400» كانت واشنطن تعلن موافقتها، وفي لحظة تنطوي على أكثر من دلالة، على تزويد المملكة بمنظومة «ثاد» (الدرع الصاروخية) بـ15 مليار دولار فقط ...
الى متى يستطيع هؤلاء الذين يغتالون ثروات العرب، وأدمغة العرب،أن يشتروا الزمن؟
خطوات متثاقلة. لا رهان على التغيير. الأميركيون داخل الجدران. تقولون ... داخل العباءات؟!
 

  • شارك الخبر