hit counter script
شريط الأحداث

مجتمع مدني وثقافة

إحياء الذكرى الـ29 لغياب الأب عفيف عسيران بمشاركة السفير البابوي

الأربعاء ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 11:16

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

أحيت أبرشيّة بيروت ولجنة أصدقاء الأب عفيف عسيران الذكرى ال 29 لوفاته. وفي المناسبة ترأس رئيس أساقفة بيروت المطران بولس مطر الذبيحة الإلهيّة في كنيسة مار يوسف – الحكمة في الأشرفيّة عاونه فيها كاهن الرعيّة الخوري دومنيك لبكي والخوري عمانوئيل قزي، وشارك فيها السفير البابوي المونسنيور غبريللي كاتشا ورئيس جامعة الحكمة الخوري خليل شلفون ولفيف من الكهنة والرهبان والراهبات والنائب علي عسيران والوزيرة السابقة منى عفيش وماجد عبد المجيد الزين وعائلة صاحب الذكرى وأصدقاؤه، تقدمهم رئيس اللجنة المحامي رامز سلامه. وبعد الإنجيل المقدّس، ألقى المطران مطر، عظة استهلها بشكر المونسنيور كاتشا على مشاركته في هذه الذكرى وعلى كل ما قام به باسم قداسة البابا فرنسيس من أجل لبنان واللبنانيين خلال فترة ولايته كسفير بابوي، وقال:
في كل سنة نعود لنذكرَ الأب عفيف عسيران الذي لم يدخل تاريخَنا وحسب، بل دخل قلوبَنا من الباب الواسع وأحلَّ فيها محبَّةً إضافيَّة لجميع الناس ابتداءً من الفقراء والمعوزين والمهمَّشين. كان الربُّ يقول عن هؤلاء إنهم إخوته الصغار، فإذا فعلتم خيرًا معهم فمعي فعلتم. والأب عفيف طاعةً ليسوع المسيح ومحبَّةً به، تماهى مع إخوته الصغار والكبار، وكما سمعتم في سفر الرؤيا، عن المشهد العظيم في نهاية الدهر، حيث الحمل في وسط الجنَّة، أورشليم الجديدة النازلة من السماء، حيث الشعوب تلتقي ببعضها البعض بالمصالحة والحب والسلام، وحيث يجدون أنهم جميعًا من طينةٍ واحدة ويأخذون القرار بأن يكونوا إخوةً متضامنين يعبدون الإله الواحد ويمجّدونه في حياتهم وأعمالهم حيث يقول الكتاب المقدَّس: يمسح الله كلَّ دمعةٍ من عيوننا ويكون حصَّتهم. هذا المشهد كم تاق إليه أبونا عفيف بفكرة جمْع جميع الناس في محبَّةٍ واحدة تلفُّهم جميعًا من كل الأديان والطوائف، لأنه أدرك أنَّ هذه هي رسالته أن يذكّرَ الناس بوعود الله لهم ومواعيده كلها، ينبّه خواطرهم إنْ كانوا عن ذلك غافلين، عن معنى الحياة بعُمْقها ومعنى المحبَّة والخير والتلاقي والسلام والتضامُن بين جميع الشعوب. كم كانت جميلة تلك الصلاة التي كنّا نصليها ونحن صغار في بداية القدّاس الماروني: سبّحوا الربّ يا جميع الشعوب، ولم نقل سبّحوا الربّ يا جميع المسيحيين. كلُّنا مدعوّون إلى تسبيح الرب وتمجيده، وهذه الدعوة للناس جميعًا، أحبَّها الأب عفيف من كل قلبه وعمل من أجلها ليُسقطَ الجدران المُصطَنَعة والحواجز بين الناس. وكان يعبر بين المنطقتين في الأيام الصعبة ومعه في ج=يبه بطاقات عديدة توصية من الأحزاب والمراجع. يسعى أن يقدم الورقة الصالحة في المكان الصالح.كان همّه أن يلتقي الناس بعضهم ببعض. نحن الذين عرفناه منذ ما يقارب الستين سنة، وكنّا تلامذته. عرفناه من الداخل وعرفنا رسالته ومحبّته للجميع. لكنه فوجئ مفاجأةً غير سارَّة عندما بدأت الحرب تستعر في لبنان فاصطفَّ الناس من هنا وهناك وكأنَّهم تراجعوا عن هويَّتهم الإنسانيَّة البسيطة، فتألَّم لذلك ألَمًا كبيرًا وراح يصلّي في سره وعلنه، ليُرفَع غضب الله عن هذا الشعب. ولو بقيَ إلى هذه الأيام لكان مرَّ بالمحنةِ عَيْنِها، محنة الروح لرؤيته هذا الشرق كلَّه يتمزَّق، لكنَّه بقيَ على إيمانه صامدًا بأنَّ المحنةَ تمرُّ وبأنَّ النارَ تمتحن الذهب فيزداد الذهب لمعانًا. والربّ يُغيّر ما يجب أن يتغيّر فينا ويثبّت ما يجب أن يتثّبت.
حضارتنا حضارة المحبة والتلاقي ترتفع في العالم كلّه بوجه حضارة التفرقة والتمييز والبغض ورفض الآخر، كلنا مسؤولون عن هذه الحضارة الإنسانيَّة التي تجمعنا، ولذلك نلجأ اليوم إلى الأب عفيف ونطلب صلاته من أجل أن يتغلَّب فينا روح الحبّ والإنسانيَّة والأخوَّة. هو يصلّي في الأبديَّة من دون توقُّف ولا انقطاع، يمجّد الله تمجيدًا عظيمًا، يسأله خيرًا لوطننا وللعالم. النفوس البريئة هي التي تفتدي الأرض وهي التي تُسمع الربّ صوتها. هذا الإنسان اللاهوتي والفيلسوف وقارئ الكتب والباحث في الحضارات عمْقًا وتوسُّعًا، أدرك أنَّ كلَّ هذه الأمور وكل هذه المعارف، لا قيمة لها ما لم تنطلق من المحبّة وتؤول إليها. لذلك ذهب إلى الفقراء المنقطعين، يساعدهم ويقول للناس: تعالوا نُعيد للإنسانيَّة بهاءها، ولكل إنسانٍ فرصة أن يعيش من جديد إنسانًا محبًّا ومحبوبًا. هذه ظاهرةٌ لها دلالتها وهي نعمةٌ نزلت من السماء علينا عبر الأب عفيف والأب يعقوب وكل الذين صلّوا ويصلّون لله كي يأتيَ ملكوته، ملكوت المحبَّة والخير.
ألَّفْنا منذ سنتين لجنةً تتقصَّى عن حياته لتُرفَع دعواه إلى روما وهي في الطريق، طالبين إنْ كان عنده استحقاق بنظر الكنيسة والسلطات الكبرى أن يُعْترَف ببطولة حياته وبتقواه فيُعلَن وليًّا من أولياء الله. نصلّي على هذه النيَّة، بعد أن نقوم وقمْنا بواجباتِنا حتى يتمَّ كلُّ شيء في أوانه. الكنيسة من طبيعتها تأخذ وقتها. الكنيسة نحن واثقون منها، ونحن منها ولها. الكنيسة فيها كلّ الخير، ليصل الأمر إلى مبتغاه.
نصلي أيها الأحباء، مع الأب عفيف على نيَّة وطننا الحبيب لبنان والمنطقة بأسْرِها حتى يتمَّ ما أراد هو، التلاقي العميق الوجداني بين جميع الناس، في هذا الوطن فيتحابوا ويتعاضدوا تعاضدًا حقيقيًّا وجدانيًّا. لبنان لا يقوم على توازن القوى ، بل على الحبّ وعلى محبّة الآخر، ولكل إنسان منزلته عند الله والناس. هكذا يُبنى الوطن اللبناني، بناءً متينًا حصينًا، يكون للعالم كلّه فرصة للتأمل حول نوع الحياة المشتركة التي يجب أن تهيمن في مجتمعاته، لأن الماديّة والعنصريّة عدّوان للروح. العنصريّة تُعمي القلب والعيون والماديذة، أيضًا. لذلك نطلب صحوة كبيرة، محاسبة لذواتنا، وكم كان يحدّثنا عن فكرة جميلة جدًا، يسّميها محاسبة النفس، ولا محاسبة الغير. وإذا حاسبت الآخر، تُحاسبه لا لتسحقه، بل ليصل به الأمر إلى محاسبة نفسه، فيتغيّر ونتغيّر كلّنا في علاقتنا بعضنا مع بعض. تعالوا، أيها الأحباء، نهتم بمحاسبة النفس، لعلنا نصل إلى درجة، أعلى هي محاسبة النفس الجماعيّة، محاسبة الوطن لمواطنيه والمواطنين لمحبّتهم بعضهم لبعض وواجبهم نحو الآخر. هكذا نخطو خطوة نحو الأمام، والله يوّفقنا في هذا المسعى، لأنه مسعى بروحه وإرادته ومحبّته. كان الله معكم وحفظ لنا تراث الأب عفيف عسيران والذين عاونوه في خدمة الفقير والمحتاج لتغيير وجه هذا الوطن، لا بل وجه المنطقة بأسرها ووجه الأرض.
وبعد القداس أقيم لقاء حول الأب عسيران وشهادات عن حياته شارك فيه، المونسنيور كاتشا الذي تحدّث عن لبنان الرسالة وعن شجاعة الأب عسيران وشجاعته التي نما عليها في عائلته ومسيرة حياته ككاهن لخدمة الربّ والإنسان. كما أعطى المطران مطر والمحاميان رامز سلامه ورشيد الجلخ والفنان ضوط الخوري شهادات عن الأب عسيران، في حين تحدّث وربيع عسيران عن عمه وعن القيم التي زرعها فيهم وكان أساسها المحبّة والتواضع وإفناء الذات من أجل الآخر وخدمة الفقير.

  • شارك الخبر