hit counter script
شريط الأحداث

الحدث - جمال مرعشلي

البابا فرانسيس وقضية المهجّرين إلى أوروبا... رجل مميّز في ظرف استثنائي

الإثنين ١٥ تشرين الأول ٢٠١٧ - 06:07

  • Aa
  • ع
  • ع
  • ع

إضافة إلى آرائه الصادمة في قضايا المثليين والإجهاض ومنع الحمل التي لم يسبقه إليها أحد ممن تربع على السدة البابوية، وتخطئته التهجم على الأديان إثر الهجوم الدموي على صحيفة "شارلي إيبدو" وما أعقبه من نقمة عارمة في أوروبا، وتصريحه بأن من الضروري أن تكون لحرية التعبير حدود، وأن لا يتم التمادي في إهانة معتقدات الناس والسخرية منها، معلقاً بالقول: "إذا قام صديق عزيز بتوجيه كلمة نابية لأمي فليتوقع لكمة"، ومشيراً إلى أن الإسلام اليوم يتعرض للكثير من اللعنات... اشتُهر بابا الفاتيكان الحالي فرانسيس منذ تبوئه منصبه بدفاعه المتكرر عن المحرومين والمضطهدين، ليس في البلدان الأوروبية فحسب، حيث كانت له مواقف لافته من المأساة الإنسانية للشعب السوري، وغالبيته من المسلمين، كما أبدى أخيراً تضامنه مع أقلية الروهينغا المسلمة وطالب باحترام حقوقها في بورما، واصفاً الأخبار الواردة حول اضطهاد من وصفهم بـ"إخواننا الروهينغا" بـ"الحزينة"، مضيفاً: "نطلب من يسوع ان ينقذهم ويلهم ذوي الارادة الحسنة مساعدتهم على ضمان احترام حقوقهم".
 وكان فرانسيس وجه مطالب في شكل متكرر بأن تستقبل أوروبا اللاجئين وتعاملهم إنسانياً، ومن أقواله في هذا الشأن، قوله في تورين في حزيران 2015 إن "التعامل مع هؤلاء الناس وكأنهم بضاعة ومتاع يدفع إلى البكاء"، وقوله أمام المجلس النيابي الأوروبي في تشرين الثاني 2014: "لا يمكن القبول بتحويل البحر الأبيض المتوسط مقبرة كبرى"، كما صرح لدى استقباله وفداً لوثرياً من ألمانيا، البلد الذي يؤوي العدد الأكبر من اللاجئين، بأن "من يصفون أنفسهم بأنهم مسيحيون ويرفضون وجود اللاجئين لديهم هم في الحقيقة منافقون"، حاضّاً خلال قداس الأحد في ساحة القديس بطرس "كل رعية، وكل جماعة دينية، وكل دير، وكل مكان مقدس في أوروبا على استقبال عائلة" من اللاجئين.
وكي لا تُفهم دعواته على أنها مجرد تنظير من أهم مسؤول روحي لدى الطائفة المسيحية، أعلن بعد تفجر أزمة اللجوء السوري العنيفة إلى أوروبا في 2014 الممتدة على طول خط اليونان وصولاً إلى ألمانيا والسويد، عن إيواء عدد رمزي من اللاجئين بما يتناسب وحجم جمهورية الفاتيكان الصغيرة جداً من حيث المساحة (44 هكتاراً، أي 0.44 كيلومتر مربع)، وكذلك فعلت الأسقفيات التابعة للفاتيكان –بإيعاز منه- في الدول الأوروبية فآوت ما لا يقل عن 200 ألف مشرد، منهم حوالى 20 ألفاً في إيطاليا وحدها، هم إضافة إلى السوريين، إريتريون، نيجيريون، صوماليون، وسودانيون ينطلقون في غالب الأحيان من السواحل الليبية.
لكن دعوات فرانسيس الواسعة لإيواء المشردين أثارت المعادين لاستقبالهم في أوروبا، حتى من داخل الكنيسة، حيث صرح كبير أساقفة جنوب المجر لاتسيوكيس ريجو لصحيفة واشنطن بوست في 2015 إن "هؤلاء ليسوا لاجئين، بل غزاة، يأتون بصيحة الله أكبر، ويهددون قيمنا المسيحية، وليست لدى البابا فرانسيس أي معرفة بحقيقة الأوضاع". كما جاءت المعارضة من داخل إيطاليا نفسها، ومن أحد زعماء "رابطة الشمال" لوكا تسايا، الذي وصف التظاهرات الاحتجاجية في فيرونا الإيطالية على استقبال المهاجرين بأنها "تدافع عن الحقيقة والحضارة"، وهو ما دفع البابا في وقت شديد الحساسية، حين كانت الصدمة تعم العالم من المشاهد المأسوية لتعامل السلطات المجرية مع المشردين، إلى التحذير في مقابلة مع إذاعة كاثوليكية من "خطر تسلل إرهابيين" ضمن موجة موجة جديدة من الهجرة البشرية إلى أوروبا"، لكنه ما لبث أن أوضح أن كلامه موجه نحو "منظمة إرهابية دموية على بعد ٤٠٠ كلم فقط من جزيرة صقلية"، وعنى بها "داعش" في ليبيا، في حين وصف اللاجئين من القارة الأفريقية بأنهم "يفرون من الحرب والجوع".
وكانت لمواقف البابا فرانسيس آثار لا تنكر في تغيير المزاج الأوروبي العام تجاه قضية المشردين السوريين، نحو التعاطف معها أكثر من أي قضية أخرى، على رغم غضب اليمين المتطرف في أوروبا (مثل حركة "بيغيدا" التي تدعي أنها تسعى إلى منع "أسلمة أوروبا") الذي تراجعت قدرته على حشد الأنصار للتحركات والتظاهرات الاحتجاجية.
وفي مشهد يشي بكثير من نكران الذات والصدقية والتجرد، وأثار ضجة وتعاطفاً واسعين، قام فرانسيس، ضمن شعيرة تقليدية يقوم بها الحبر الأعظم للتشبه بعمل المسيح مع حوارييه، بغسل أقدام لاجئين وتقبيلها، وبينهم لاجئ سوري مسلم يدعى محمد الحلبي في مأوى للاجئين بروما، قائلاً إنه قام بمبادرة "الأخوة" هذه في وجه "مبادرات الحرب والدمار التي يرتكبها أشخاص لا يريدون العيش بسلام" ما اعتُبر رسالة نحو وحدة الإنسانية. أما الحلبي، فتحدث إلى "العربية.نت" قائلاً إن "اختياري للقاء بابا الفاتيكان لغسيل الرجلين وتقبيل قدمي من أسمى درجات التواضع من أعلى رمز ديني في الديانة المسيحية، خصوصا أني مسلم ولاجئ من سوريا"، مضيفاً "هو شعور لا يمكن وصفه بالكلام أو حتى تخيله".
وكان فرانسيس وجّه رسالة تهنئة لافتة إلى المسلمين بمناسبة عيد الفطر مما جاء فيها: "في السنة الأولى من حَبريَّتي، قرّرت أن أوقِّع أنا بنفسي هذه الرسالة إليكم، أيها الأصدقاء الأعزاء، بدل المجلس البابوي للحوار، للتعبير عن تقديري ومودَّتي، والموضوع الذي أوَدّ تأمّله وإيّاكم هو تعزيز الاحترام المتبادل لكلّ شخص وحياته وسلامته الجسديّة وكرامته وسمعته وكلَّ ما يملك وهوّيّته الإثنيّة والثقافيّة وأفكاره وخياراته السياسية".
كما حدد مكتب البابا الإعلامي بياناً ذكر فيه ثلاثة أهداف لزيارته مصر كان أحدها "زيارة انفتاح وحوار مع مسلميها، وتحديداً مع الأزهر".
وقديماً قال الشاعر العربي، وصدق في ما قال: "وظلم ذوي القرابة أشد وقعاً/ على المرء من وقع الحسام المهندِ"، فلعل سيرة هذا الحبر تكون بلسماً للشعوب المضطهدة، وعلى رأسها الشعب السوري المنكوب، أمام صمت العالم عن ارتكابات نظام بشار الأسد، بل تواطؤ هذا العالم وعدم تحركه لوقف وحشية العصابة الحاكمة في سوريا التي قتلت من شعبها أكثر من نصف مليون وشردت 12 مليوناً، وتآمره على إبقاء الأسد في سدة الحكم بعد كل الموبقات التي قام بها.
وحول الموضوع، كان لموقع "ليبانون فايلز" حوار مع كل من:

الدكتور محمد السماك: المتخصص في دراسات العلوم السياسية والفكر الإسلامي والمستشار الحالي لمفتي الجمهورية اللبنانية والسابق للرئيس رفيق الحريري، والأمين العام للجنة الوطنية الإسلامية المسيحية للحوار وللأمانة الدائمة للقمة الروحية الإسلامية في لبنان، وعضو المجلس الرئاسي للمؤتمر العالمي للدين من أجل السلام في نيويورك ونقابة الصحافة واتحادَي الكتاب اللبنانيين والصحافيين العرب، وكاتب مقالات سياسية ودينية تتناول الحوار الإسلامي المسيحي وحوار الحضارات. من مؤلفاته: "الإرهاب والعنف السياسي"، "تأملات في الإنسان والدين والسياسة"؛ "المسلمون والتحديات المعاصرة"... وغيرها.

الأب فادي ضو: رئيس مؤسّسة "أديان" والدكتور في الفلسفة السياسية ولاهوت الأديان. (جامعة ستراسبورغ، فرنسا) والمدير السابق للـمعهد العالي للدراسات الدينيّة في جامعة القدّيس يوسف ومدرس حالياً في جامعة الروح القدس. من مؤلفاته كتاب L’hospitalité divine : l’autre dans le dialogue des théologies chrétienne et musulmane (بالتعاون مع د. نايلا طبّارة، برلين، ٢۰۱٣ ونُشر بالعربيّة بعنوان الرحاب الإلهيّة، بيروت، ٢٠١١). أشرف على مجلّد "التربيّة على العيش المشترك في ظلّ المواطنة الحاضنة للتنوّع الدينيّ" (المكتبة البولسيّة، بيروت). مدير برنامج "الاستراتيجية الوطنيّة للتربيّة على المواطنة والعيش معًا" في إطار "أديان" وبالاشتراك مع وزارة التربيّة والمركز التربويّ للبحوث والإنماء. حاصل على جائزة «حضارة المحبة». شارك في تمثيل الفاتيكان ضمن وفديه للحوار مع إيران (2016) والأزهر الشريف (2017):

• بداية، هلا وصّفتم لنا بكلمات شخصية الحبر الأعظم البابا فرانسيس؟
محمد السماك: لا شك في أنه نوع جديد من القيادات، تابع مشوار أسلافه على رأس القيادة المسيحية الأعلى في جعل الكنيسة تتماهى مع حقائق القرن العشرين والتحولات العميقة التي تشهدها مجتمعاته.
الأب ضو: إنه مثال لكل مسيحي ومؤمن، وحتى لكل إنسان، عرف كيف يجمع في شخصه تعاليم المسيح، ليس لتعزيز هوية دينية يتمايز بها عن الآخرين، بل لتحقيق الإنسانية في ذاته والآخرين. إنه ليس بابا الكنيسة الكاثوليكية وحسب بل "بابا الإنسانية"، ويمثل قيمة جامعة للأخوة البشرية. وهو يجسد القول إن الأديان وجدت للإنسان وليس العكس.

• كيف تقيمون مواقف غبطة الحبر الأعظم والكنيسة الكاثوليكية من أزمة اللاجئين في العالم؟
محمد السماك: هي مواقف نموذجية في انسانيتها وأبعادها الروحية، ولا شك في أن غبطته بمواقفه الكبيرة واللافتة يمتثل بحق لما دعا اليه السيد المسيح والى التربية المسيحية في عمقها.
الأب ضو: أختصرها بكلمتين: التضامن معهم ورفض أي مواقف سياسية وشعبوية تستغل قضيتهم، التي دعا المؤمنين والمسؤولين السياسيين إلى وضعها ضمن أولوياتهم الأهم. عندما زار مخيماتهم في اليونان، عاد إلى روما مصطحباً مجموعة منهم غالبيتها من المسلمين، في رسالة واضحة لأبناء الكنيسة وللعالم بأن التضامن غير مرتبط بالهوية الدينية، بل هو واجب إنساني وأخلاقي عابر للانتماءات. أما على مستوى الكنيسة الكاثوليكية كلاً، فطبعًا تتنوّع المواقف بتنوّع الأشخاص، وهناك بعض المسيحيين يختلفون أو حتى يتناقضون بمواقفهم مع مواقف البابا تجاه النازحين، وخصوصاً السياسيين الذين يستغلون القضية شعبويًا لمصالح خاصة، أو حتى مسؤولين كنسيين متأثرين بـ(الإسلاموفوبيا). وعلى رغم ذلك، استطاع البابا فرض نمط إنسانيّ قويّ على التعامل مع هذه القضية يتبناه غالبية أبناء الكنيسة.

• هل تنظرون إلى مواقف البابا فرانسيس المتفردة، مثل موقفه من قضايا المثليين والإجهاض ومنع الحمل وتخطئته التهجم على الأديان... وغيرها، وخصوصاً مواقفه من التعامل مع المهاجرين إلى أوروبا، بأنها تصب في مصلحة الكنيسة والمسيحيين؟
محمد السماك: بالتأكيد تخدم مواقف البابا الكنيسة باعتبارها امتداداً للمسيح وتعاليمه، ومواقف البابا تجسد هذه المواقف وتعبّر عنها بصدق .
الأب ضو: يظهر البابا "تقدميًّا" أو "ليبراليًّا" إلى درجة تفاجئ كثيرين، لكني أنظر إلى الأمر في شكل مختلف. إن أولوية البابا هي خدمة الإنسان والتعامل معه بالرحمة، كما يوصي السيد المسيح، كما يرفض انطلاقاً من تعاليم المسيح أيضًا، إدانة الناس، وبخاصة الضعفاء منهم: "لا تدينوا لئلا تدانوا"، بل يدعو للوقوف إلى جانبهم. وما أقصده هنا هو أن مواقف البابا تعبر عن رحمة إنسانية أكثر منها تعاليم جديدة في الكنيسة، معيداً ربط التعاليم الدينية بغايتها الحقيقية، وهو ما يستعصي بعض الأحيان على فهم البعض.

• هل تعتقدون أن البابا نجح حتى الآن في إقناع الرأي العام الأوروبي بعدم تشكيل موجات الهجرة الضخمة خطراً على هذه المجتمعات، أم أنه ستكون لليمين المتطرف فيها صولات مستقبلاً لحرف المزاج العام نحو معاداة المهاجرين؟
محمد السماك: قد لا يكون البابا حقق النجاح الذي يطمح إليه، لأن المجتمعات الغربية فكّت ارتباطها بالدين منذ زمن واتخذت لنفسها ثقافة لادينية وعلمانية، ومع ذلك فان صوت البابا في رأيي لم ولن يذهب سدى من القضايا الإنسانية التي يطرحها، ومنها قضية المهاجرين، لأن خلفيته إنسانية.
الأب ضو: أعتقد أن اليمين المتطرف في أوروبا سوف يكمل استغلاله قضية المهاجرين لتعزيز مواقعه الشعبوية، والبابا لن يستطيع وحده حل هذه الأزمة، لكن يبدو أن مواقفه تؤتي ثماراً جيدة وتدعم الاعتدال السياسي، ما تُرجم بصد تقدم اليمين المتطرف نحو الحكم في فرنسا وإعادة انتخاب مركل في ألمانيا. لكن التحدي يبقى مستمرًا والمواجهة لم تنته بعد.

• كيف تنظرون إلى تقبيل البابا قدمي لاجئ مسلم؟
محمد السماك: في مناسبة "خميس الغسل" يقبّل رؤساء الكنائس أقدام رعاياهم تربيةً لهم على التواضع، لكن ما فعله البابا مع أحد المهاجرين المسلمين تعبير عن ثقافة روحانية مسيحية سامية تستحق كل الاحترام والإكبار والتقدير.
الأب ضو: لقد قام بهذا الفعل تشبهًا بفعل السيد المسيح مع تلاميذه في احتفال "الغسل" في الليلة التي سبقت اعتقاله، وأوصاهم بذلك ليتذكروا دومًا أنه اختارهم للخدمة وليس للتسلط على الإنسان ولو كان مسلماً. لقد أظهر البابا بهذا أن المسيح هو للجميع.

• هل ترون سياسة التقارب مع العالم الإسلامي التي يتبعها الحبر الأعظم متكاملة، أم أن شيئاً لا يزال ينقصها؟
محمد السماك: سياسة الفاتيكان في عهد البابا فرانسيس في ذاتها لا ينقصها شيء في رأيي، فهو فعل ما بوسعه مع العالم الإسلامي، ولكن أظن أن ما ينقص هو التفهم الإسلامي لمبادرات الفاتيكان المتكررة منذ ما قبل فرانسيس، فالموقف الفاتيكاني من المسلمين تغيّر منذ المجمع الفاتيكاني الثاني الذي انتهى عام 1965 وأصدر وثيقة "نوسترا إيتاتي" التي تعتبر الخلاف مع المسلمين "خلافاً مع مؤمنين بالله"، وهي لا شك خطوة رائعة نحو المسلمين (بصرف النظر عن الخلاف العابر مع البابا بينيديكتوس)، والبابا فرانسيس يخاطب المسلمين اليوم بـ"الإخوة"، مثل سلفيه البابا يوحنا بولس الثاني والبابا بولس السادس. واسمح لي بالتحفظ على كلمة "التقارب" التي أفضل بدلاً منها "التفاهم".
الأب ضو: لقد أنشأ البابا نمطًا جديدًا من العلاقة مع المسلمين قوامه الثقة والاحترام، وهو شرفني بدعوتي إلى تمثيل الفاتيكان في لجان الحوار مع إيران ومع الأزهر الشريف، ولمست في هذين البلدين الدرجة العالية من التقدير والارتياح لهذا التعامل الإيجابي. طبعًا العلاقات لا تزال تحتاج إلى كثير من المتابعة والجهد لكي ينتقل هذا الجو إلى القاعدة، ويتبنى الجميع خطابًا دينيًّا يدعو إلى الألفة والتضامن والحوار. وهذا ما نسعى إلى القيام به في شكل دائم.

• كيف تعلقون على زيارة البابا الأزهر؟ وما الفائدة الإنسانية التي استطاعت تحقيقها؟
محمد السماك: طوت زيارتا الإمام الشيخ أحمد الطيب الفاتيكان، والبابا فرانسيس الأزهر صفحة الخلافات التي نشأت بين المرجعيتين خلال عهد البابا السابق بينيديكتوس السادس عشر، وفتحتا المجال ليس أمام تحسين العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، الذي يشكلون نصف سكان الكرة الأرضية فحسب، بل أمام التعاون من أجل السلام العالمي.
الأب ضو: أكد البابا بهذه الزيارة الاحترام الكبير الذي يكنّه للإسلام، وثقته بالمساهمة الإيجابية الذي يمكن الإسلام والمسلمين تقديمها في عملية بناء السلام بين الشعوب وتعزيز المواطنة وحقوق الإنسان ومواجهة التطرف. ويعبّر البيان الختامي عن هذا الالتزام المشترك، إضافة إلى تأكيد البابا في كلمته بالأزهر رفضه ربط الإسلام بالإرهاب، وأن استعمال إرهابيين ومتطرفين الدين غطاء لأعمالهم الشنيعة، لا يبرر اتهام الإسلام بذلك. وهذه كانت رسالة قوية جدًا للغرب وللعالم.
• في خضم التوتر الشيعي السني السائد في الإقليم، هل ترون أن القيادات الروحية المسيحية ساهمت في منع غلوائه، أم أن خطوات كان يجب أن تتخذ ولم تحصل؟
محمد السماك: التوتر السني الشيعي قضية سياسية لا دينية، وهي قضية إسلامية إسلامية وليست قضية إسلامية مسيحية، والمسلمون هم المعنيون في المقام الأول بمعالجة شؤونهم الداخلية، بخاصة اذا كانت شؤوناً مذهبية، أما المسيحيون فان دورهم الوطني يحتم تشجيع أي مبادرة للتفاهم السني الشيعي .
الأب ضو: نتمنى أن يكون للقيادات الروحية دور أكبر في قضايا التقارب ورفض العنف، لكن دورهم يبقى معنويًّا ولا يستطيع وحده وقف الصراعات. وإذا ما أخذنا النموذج اللبناني نجد أن العلاقات الإسلامية المسيحية حمت البلد من مزيد من الانشقاقات والعنف، لكن المطلوب برأيي أكثر من ذلك، ومن الجميع، أعني تطوير الخطاب الديني وجعله في خدمة الانفتاح على الآخر والتحرر من المواقف المبنية على الخوف أو الغلبة. لقد شاركت الطوائف الإسلامية والمسيحية مع مؤسسة "أديان" بإطلاق برنامج التربية الدينية على المواطنة في لبنان، وفي ذلك دليل على رغبة المسؤولين الدينيين في لعب دور إيجابي في تعزيز العيش المشترك بين جميع مكونات المجتمع، بمن فيهم السنة والشيعة.

• هل تؤيدون تدخل الحبر الأعظم في السياسة في أحداث لا يستطيع الدين المسيحي الوقوف أمامها موقف المتفرج، مثل أحداث القتل والاضطهاد والتشريد التي تحدث في سوريا على سبيل المثال؟
محمد السماك: ليس للفاتيكان جيش، أو لم يعد له جيش، وقوته روحية وسياسية نصائحية، انه يرفع صوته انطلاقاً من عقيدته، وقد رفع الصوت فعلاً عندما قال: "لا يوجد دين إرهابي ، ولكن يوجد ارهابيون في كل دين".
الأب ضو: لا يستطيع المسيحي ولا أي مؤمن بالله أن يقف ساكتًا أمام أي مشهد للظلم، فالسيد المسيح ضحى بحياته في سبيل الإنسان، ومن الطبيعي أن ترفض الكنيسة الظلم دون توسّل العنف لمواجهته، على مثال المسيح، الذي رفض العنف حتى في الدفاع عن نفسه، وهكذا البابا والكنيسة تتبنى قضايا الإنسان ولكن ترفض منطق العنف. فالسلام والحق يُصنع بالنضال وليس بالصراع.

  • شارك الخبر